أيها الأصدقاء.. يقال بحق: إنك لن تحب شيئا إلا إذا عرفته. وكوكبنا الأزرق الذي
نعيش عليه، أي الأرض، في حاجة كبيرة إلى أن نحبه، أي نعرفه. ومتى عرفناه، بحب،
فسنتصرف معه، وسنطالب الآخرين بأن يتصرفوا معه أيضاً.. بجمال. فالتعامل مع الأرض
بجمال، هو جوهر مناصرة البيئة، والدفاع عنها. وسنكتشف أن جمال البيئة في كوكبنا- في
معظم الأحوال- يعني أن نحترم الفطرة، أن نقدر هذا الترابط البديع بين كل الأحياء -
والإنسان واحد منها- وبين مكونات الحياة على هذه الأرض.. الماء، والهواء، والتربة.
هذا هو بيتنا، وهو كبير جدا، وصغير جدا، كما سنرى. وجميل جدا، إذا تأملناه بحب،
وعاملناه بحب، ودافعنا عن التعامل معه بحب. والحب بالطبع ضد الأنانية
والطمع.
ولأن أول الحب المعرفة، فلنبدأ
رحلة تعرُّفنا ..
لنركب قطاراً سريعاً خيالياً،
يتحرك بنا على قضبان الزمان. ولنرجع في الزمان، ونتأمل كيف كان أجدادنا يتخيلون
تكوين الأرض. ونضحك. لكنه ليس ضحك السخرية، بل ضحك الشفقة على قلة المعرفة، وهو ضحك
لا يخلو من التقدير لهؤلاء الأجداد الذين لم يكن بين أيديهم أدوات متقدمة للمعرفة،
ومع ذلك حاولوا أن يعرفوا، وهذا يكفيهم شرفاً.
تصوروا.. حتى قدماء المصريين
الذين كانوا فجر الحضارة على الأرض، لم يتخيلوا الأرض كروية، بل كانوا يظنون الأرض
سطحاً مربعاً فسيحاً تحت سماء هرمية الشكل. أما الهندوس القدامى فقد اعتقدوا أن
الأرض لوح كبير يرتكز على ظهور أربعة أفيال، والأفيال الأربعة تقف على ظهر سلحفاة
هائلة تطفو على سطح الماء !.
نعود إلى قطار الزمان الخيالي
السريع، ضاحكين، ونتحرك إلى الأمام، باتجاه العصور القريبة منّا، فنجد أن ضحكنا من
تصورات أجدادنا الأقدم يتبدّد، ليحل الاستغراب بمكان المضحك، فحتى أوقات قريبة من
عمر البشرية لم يكن هناك من يتقبل فكرة - مجرد فكرة- كروية الأرض.
لا أحد يعرف على وجه التحديد،
من هو أول القائلين بكروية الأرض، لكن الغربيين يزعمون أنه في مدرسة فيثاغورس "الذي
ولد سنة 580 قبل الميلاد، ومات سنة 500 قبل الميلاد بالطبع ".. في هذه المدرسة التي
أقيمت في إيطاليا، يوم كانت إيطاليا مستعمرة يونانية، كان الاعتقاد في كروية الأرض
راسخاً. وسبب رسوخ هذا الاعتقاد، هو ملاحظة اليونانيين كيف أن سفنهم، كانت تختفي
وراء خط الأفق في البحر. كما أنهم استنتجوا كروية الأرض من حديث البحارة، ووصفهم
للنجوم التي يرونها فوقهم في الليل. فكلما كانت سفنهم تتقدم شمالاً تأخذ في الظهور
نجوم جديدة، ومع تقدم السفن مزيدا تهبط النجوم ثم تختفي في الجنوب.
ورغم الاستدلال البارع على
كروية الأرض، فإن "الفيثاغورثيين" تصوروا أن الأرض هي مركز الكون، ومن حولها تدور
الشمس والقمر، والكواكب، والنجوم، في أغلفة كروية شفافة!.
نتقدم في قطار الزمان قرابة
قرنين لنصل إلى زمن الفلكي اليوناني أريستاركوس الذي ولد سنة 325 قبل الميلاد، ومات
سنة 250 قبل الميلاد كذلك. إنه أول من فسر تغير أوضاع النجوم حول الأرض بدوران
الأرض حول نفسها، بل قال إن الأرض تقطع دورة عظيمة حول الشمس كل عام. لكن حديثه ذلك
وقع على آذان صماء، فاليونانيون ظلوا على اعتقادهم بأن الأرض هي مركز
الكون.
يُسرع بنا قطار الزمان ويسرع،
يدخل بنا إلى أوروبا في القرون الوسطى، فنجدها عصور ظلام برغم مرور قرون عديدة على
إثبات كروية الأرض. صار العلم في قبضة التزمت الديني، وصار من يقول بكروية الأرض
يُعتبر كافرا يستحق العقاب. لكن بعض النور بدأ يعود إلى أوربا مع اختلاط التجار
الأوربيين بالتجار العرب في القرن 13 بعد الميلاد. وكان العرب قد حفظوا كتاب
بطليموس "الجغرافيا"، فعاد الأوربيون إلى اكتشافه عام 1395 بعد ألف سنة من
الإهمال، وعادت فكرة كروية الأرض إلى الظهور..
ولكن!
لنتوقف قليلاً عند القرن
السادس عشر. فقد وقع في هذا القرن حدثان أكدا على كروية الأرض، ودوران الأرض والقمر
حول الشمس. في عام 1522 دارت سفينة البحار "ماجيلان" حول الأرض لتثبت كرويتها. وفي
عام 1530 أوضح العالم الراهب البولندي "كوبير نيكوس" أن الأرض والقمر والكواكب تدور
كلها حولك الشمس. لكن الكنيسة منعت كتابه الذي تحدث فيه عن ذلك وحرّمت قراءته
ثلاثمائة عام.
وظلت كروية الأرض نظرية، لكنها
الآن حقيقة صارت مؤكدة.. مع رؤية الإنسان للأرض من الفضاء.
فلنودع قطار الزمان الآن،
لأننا سنكون على موعد مع سفينة فضائية، لنطل منها في العدد القادم على
بيتنا..الأرض.