بينما كانت يمنى ترتب كتبها في المحفظة، استعداداً للعودة إلى
المدرسة، سمعت من يقرع الباب بهدوء ونعومة. أسرعت يمنى وفتحت باب المنزل فرأت
أمامها شاباً وسيماً يرتدي معطفاً من الغيوم، وقد تبلل شعره ببعض قطرات المطر.
من تكون أيها الشاب وماذا تريد؟
قال الشاب: أهكذا تستقبلين الضيوف يا يمنى؟
تعجبت يمنى وقالت: ولكنني لا أعرفك، من أنت أيها الشاب؟
قال الشاب: سأقول لك من أكون ولماذا أنا اليوم أزور أصدقائي
الصغار.
فتحت يمنى الطريق أمام الشاب فدخل واختار مكاناً له قرب النافذة التي
تطل على الحديقة.
جلست يمنى أمامه وقالت: هيا، قل لي من تكون.
قال الشاب: حسناً، لن أقول لك اسمي فأنت كما أعرف فتاة ذكية، ويجب أن
تعرفي من أكون.
قالت يمنى: لا وقت عندي، أنا الآن مشغولة بكتبي، فبعد أيام ستفتح
المدرسة أبوابها.
وقف الشاب أمامها، وقال: لا تغضبي يا يمنى، سأساعدك في عملك فأنا جئت
لأخبر أصدقائي الصغار بأن الصيف قد ولى، وأن المدرسة مشتاقة إليكم كثيراً.
قالت يمنى: آه لقد عرفتك، لاشك أنك ناظر المدرسة الجديد.
هز الشاب رأسه نافياً أن يكون ناظر المدرسة الجديد.
قالت يمنى: إذن أنت ناطور الضيعة الجديد!
ضحك الشاب وقال: سأساعدك يا يمنى لتعرفي من أكون، فأنا يا يمنى سأبقى
عندكم ثلاثة أشهر فقط، بعدها سأترككم، وسأغيب عنكم تسعة أشهر طويلة. لقد حملت معي
بعض الغيوم لأزرعها في السماء، وبعض أقلام التلوين لألوّن أوراق الأشجار بالصفرة
والذهب.
فكرت يمنى، حكت رأسها طويلاً وقالت في نفسها: هل يكون بائعاً متجولاً
عندنا.. ولكن الغيوم لا تباع، سأدعه يكمل وسأعرف من يكون.
قالت يمنى: هيا أكمل لي أيها الشاب، ماذا تفعل أيضاً خلال هذه الأشهر
الثلاثة؟
أجاب الشاب الذي يلبس معطف الغيوم: «بعد أيام أجعل الغابات ملونة»،
وأقود الريح أمامي، لتقطف أوراق الشجر، وبعد أيام ستهطل الغيوم حبيبات صغيرة من
المطر لتروي الأرض العطشى، وبعد أيام تهاجر العصافير إلى الأماكن الدافئة ويعود
أصدقائي الصغار إلى مدارسهم، وهم يلبسون ثيابهم الصوفية.
صمت الشاب فسمعت يمنى قرعاً على الباب. أسرعت يمنى باتجاه الباب, وهي
تقول: مهلاً أيها الشاب، سأعرف من تكون ولكن دعني أفتح باب البيت لأرى من في
الخارج.
فتحت يمنى الباب فرأت رجلاً مسناً أكلت الشمس لون وجهه فصار أسمر
كالحاً، وكان يحمل سلة كبيرة من الثمار على ظهره، وتحت إبطه يضع عصا الرحيل.
مد العجوز يده ليصافح يمنى فتطلعت إلى عينيه فرأت دمعتين صغيرتين
تتدحرجان فوق خديه الأسمرين, فقالت للعجوز: لم تبك أيها العجوز الطيب؟
فقال لها العجوز: جئت أودعك يا صديقتي يمنى، فأنا مسافر تسعة أشهر
طويلة، أتمنى أن تتذكري هذه العطلة التي قضيناها معاً ومع الأصدقاء الصغار.
تقدمت يمنى من العجوز، غمرته بذراعيها وبكت، أمسك العجوز عنقوداً من
العنب وأهداه ليمنى, ثم لوّح بيده مودعاً.
وقفت يمنى على الباب، ودعت الرجل العجوز حتى غاب بين الغيوم والبساتين
التي صارت أوراقها فضية وصفراء. مسحت دموعها ودخلت غرفتها فلم تجد الشاب، قالت
يمنى: أيها الشاب، لقد عرفتك أين أنت؟
أسرعت يمنى إلى النافذة، فرأت الشاب يمسح السماء بذراعيه فيفرشها
غيوماً ويعانق الأشجار فيجعل أوراقها ذهبية.
قالت يمنى: أيها الخريف، سأكون صديقتك ثلاثة أشهر مثلما كنت مع الصيف،
لقد لهوت كثيراً والآن سأدرس معك كثيراً.
لكن الخريف كان يمشي بين الحقول وهو يلحن أغنية جميلة عن الغيوم
والمطر وأصدقائه الصغار الذين سيعودون إلى المدرسة.