قَلمٌ عَجِيبٌ في مَحْفَظَتي!

قَلمٌ عَجِيبٌ في مَحْفَظَتي!

رسم: أيمن القاضي

لَمَحْتُ المعلِّمَ قادمًا مِنْ بعيدٍ بينما أنا جالسٌ في القسمِ، كانَ يبدو مبتسمًا ونَشيطًا كعادتِهِ في هذا الصبَاحِ. كنتُ متشوِّقًا جدًا للدَّرْسِ الجديدِ في مادةِ اللغةِ العربيةِ، فهي خيرُ ما سنَبْدَأُ بِهِ هذا اليَومَ. لذلك قمتُ بإخراجِ الكِتَابِ من المَحْفَظَةِ (الحقيبةِ) رَيثما يَصلُ مُعلمنا إلى القِسم، فإذا بي أجِدُ قلمًا جميلاً وغريبًا فيها! كانَ مزَخْرَفًا بِعدّةِ ألوانٍ متناسقَةٍ وجَذَّابةٍ. جرَّبتُ استعمالَهُ فإذا بِهِ يكتبُ بعدّةِ ألوانٍ أيضًا، وعندما نظرتُ إلى السِعْر المَكتوبِ عليهِ! وجدتُهُ يفوقُ مَصْروفي الأسبوعيّ! اندهَشْتُ بشدةٍ، فهذا القلمُ العجيبُ ليس مِلْكي! فكيفَ وَصَلَ إلى مَحْفَظَتي؟ وَمَنْ صاحبُهُ يَا تُرى؟

بدأتِ الحِصَّةُ المنتظرةُ، كَانَ المعلمُ يَشرَحُ الدَّرْسَ والتلاميذُ يتابعونَ باهْتمامٍ، حاولتُ الانتباه جيدًا، لكنّني لَمْ أفلحْ في إبعاد التساؤلاتِ والأفكارَ التي ملأتْ عَقلي حول ذلك القلمِ العجيبِ! ظللتُ طوالَ الوقتِ أفكّرُ في الموضوعِ، فأنا لاَ أحبُّ أخْذَ أشياءِ الغيْر، فكّرتُ جيدًا واعتقْدتُ أنّ القلَمَ ربّما سقطَ من أحد زملائي في مَحْفَظَتي يومَ أمس وَلمْ ألحظْ ذلك، أغلبُ الظنّ أَنَّ صاحبَ القلمِ يدرسُ مَعي في الصفّ.

بعد انتهاءِ الحصَّةِ! أَخْرجتُ القلمَ بهدوءٍ ونظرتُ لزَميلي أَحْمَدَ فهو يَجْلسُ بجانبي ثم سألتُهُ: هَلْ هذا القلمُ لَك يا صَديقي؟ أجابَ وعَلى وجهِهِ علاماتُ الاستغرابِ: لا! مُستحيل أن يكونَ لي قلمٌ كهذا! رددتُ بسرعةٍ: لَقَدْ وجدتُ هذا القلمَ في مَحْفَظتي لكنّهُ ليسَ مِلْكي! يجبُ أَنْ أبحثَ عَنْ صاحبِهِ فلابُدّ أنّه حزينٌ لضياعِهِ! فكّر أحمدُ قليلاً ثم اقْترَحَ عليَّ سؤالَ سلوى التي تجلسُ في المِقْعد خَلَفنا، فهي مِنْ أسرَةٍ غنيةٍ والاهتمامُ بالأشياءِ الغريبةِ من هُواياتِها!

كانتْ سَلْوَى مَشْغولةً بالكلامِ مع زمِيلتِها، قَاطعتُ حديثَهما بأدبٍ ثمَّ سألتُها: أَلَيْس هذا القلمُ لكِ يَا سَلْوى؟ فردَّت باستغرابٍ هي الأخرَى: هذا القَلمُ! إنَّه ظريفٌ! لكنَّهُ لَيسَ لي ومِن المستحيلِ أن يكونَ لي! فأَنَا لا أحبُّ اللونينِ: الأخضرَ والأَسودَ عندما يَجتَمِعان! لقد اشتريتُ من قبلُ قلمًا يُشبهه قليلاً، لكنني أعطيتُهُ لأختي الصغيرةِ كهديّة!

عِنْدمَا أجابَتْ سَلْوى ذلك الجوابَ، تَذكّرْتُ شِجاريَ أوّل أمْس مَعَ أُخْتي الصَّغيرةِ مَهَا، حيث لَمْ يُبَادرْ أيٌّ مِنَّا إلى مُصالحَةِ الآخر مُنذ ذلك اليوم. لكنّي قررتُ أَنْ أصالحها وأَشتري لها هديةً، فأنا الأخُ الأكبرُ ويجبُ عليَّ أنْ أكونَ أخًا حكيمًا وكريمًا!

بدأتْ بعْدَ ذلك الحِصَصُ الثانيةُ والثالثةُ ثم الرَّابعةُ على التوالي! استمرّت الأفكارُ والتَّساؤلاتُ في رَأسي، فلم أستطعْ متابعةَ شرْحِ الدروسِ، ولذلك لَمْ أفْهَمْ جيّدًا، وبالطبعِ فقد استمرَّ البحثُ عن صاحبِ القلمِ في نهايةِ كلِّ حصةٍ! لكنَّ الرِّياحُ تأتي بما لا تَشْتَهي السفنُ، فالقلمُ كَما يَبْدو ليسَ مِلْكًا لأي أحدٍ من هؤلاءِ التلاميذِ.

أخيرًا حَانَ وقتُ الخروجِ من المدرسةِ. قررتُ نسيانِ أمْرِ الْقلَمِ قليلاً، وفي الُمقَابلِ أحسستُ بِرَغْبَةٍ شديدةٍ في البحثِ عَنْ هديةٍ لأختي الصغيرةِ. أسرعت فورًا نحو دكانِ العمِّ مَحْمود، فَلَنْ أجَد خيرًا منه لهَذَا الْغرَضَ.

رأيتُ العديدَ من الأشياءِ الجميلةِ هُناكَ ومُعْظَمُها يُنَاسبُ ذَوْقَ أُخْتي، أمْسَكْتُ مَحْفظتي وأَخَذْتُ أبحثُ عن نقودي التي كانتْ في الأسفَلِ، ففُوجئْتُ بوجودِ ورقةٍ مطويّةٍ وكأنَّها رِسالةٌ! اندهشتُ وفتحْتُها بسرعةٍ لأقرأْها:

«أخي العَزيز كريم..

أعتذرُ بشدّةٍ عمّا بَدَرَ منّي أوّل أمسٍ، أرجو أنْ تُسامحُني وَأنْ تَقْبل مِنّي هذه الهديّةُ المتواضعةُ، قلمٌ جميلٌ اشتريتُهُ مِن أَجْلِكَ بمساعدةِ أمّي بالأمسِ ووضَعتُه اليومَ في مَحْفَظتِك قَبْل أنْ تستيقظِ.. آسفةٌ مرَّة أخْرى.. أخْتك مَهَا».

قرأتُ الرِّسالة عدَّة مرّاتٍ، كانَ شُعوري مَمْزوجًا بينَ الدَّهْشةِ وَالفَرْحَةِ! وَلَمْ تَكُنْ سَعَادَتي بمبادرةِ أُخْتي أقلَّ مِن دَهْشَتي بِمَا حَصَلَ لي هذا الْيومَ! لقدْ أيقنتُ جيّدًا مَدَى تأثُّر مََها بسلوكِي وتعامُلاتي معَها، ووعَدْتُ نَفْسي بأَن أظلَّ دائمًا مثالاً يُحْتَذى في السلوكِ الحسنِ.

أخرجتُ النُّقودَ على الفورِ، واشتريتُ لأُخْتي أَجْمَل شيءٍ رأيتُهُ في الدُّكَّانِ كَي أُفاجِئُها أَنَا أيضًا. أسرعتُ مُتَّجِهًا للبيتِ وكلّي شوقٌ لمُعَانَقتِها وكأنَّني لَمْ أرَهَا منذُ مُدّةٍ طويلةٍ.

 



قصة: عبدالرحيم شراك