مُغَامراتُ عُرْفِ الدِّيك.. مَاءُ الْعَجَائِبِ

مُغَامراتُ عُرْفِ الدِّيك.. مَاءُ الْعَجَائِبِ

رسم: أشرف الأسدي

وَصَلَ «عُرْفُ الدِّيكِ» إلى المَدينةِ مُمْتَطِيًا فَرَسَهُ. بَاحِثًا عَنْ مَكَانٍ لِيَسْتريحَ وحِصَانَهُ فيهِ وَيَتناوَلانِ الطَّعامَ وَيَشْرِبَانِ الْمَاءَ. كانَتِ الْمَدينةُ هَادِئَةً جِدَّا. قَطَعَ فيها طُرُقًا طَويلةً ومَرَّ ببيوتٍ كثيرةٍ دوْنَ أنْ يَرى أَوْ يَلْمَحَ أَحَدًا. أَوْ يَسْمَعَ صَوْتًا واحِدًا. حَتَّى لَوْ كانَ لِطِفْلٍ يَبْكِي أَوْ طَيْرٍ يُغرِّد...!

- هَلْ هيَ مَدِينةُ أَمْواتٍ...؟!

نَزَلَ عَنْ حِصَانِهِ وَطَرَقَ أحَدَ أَبْوابِ المنَازلِ. لكنَّ أحَدًا لَمْ يَفْتحْ لَهُ. وَبدا أَنْ لا أَحَدَ بالدَّاخِلِ وإلاّ لانْزَعَجَ مِنْ طَرْق البابِ الشَّديدِ، ورُبَّما رَشَقَهُ بماءٍ باردٍ يُطْفِئُ حَرارَةِ عَطَشِهِ!

سَارَ مِنْ مَنْزِلٍ إلى آخرَ. بَعْضُها مُشْرعُ الأبْواب، وَبَعْضُها لَمْ يَجْرؤ عَلَى دخُولِها. وَهْوَ مُنْشَغِلُ الْبَالِ والتَّفْكيرِ بأهلِ المَدينةِ: النَّائِمون. الْهَارِبون.. أيّا ما كانوا، أَيْنَ هُمْ؟!

ظَلَّ يَقْطَعُ الطُّرُقاتِ حتّى وَصَلَ قُرْبَ مَرْكَز الْمَدينةِ، عِنْدَهَا بَدأ يَصِلُ إلى سَمْعِهِ بَعْضُ الأَصْواتِ الواهنةِ (الضَّعيفة). لكَزَ حِصَانه فَأسْرَعَ لِيَجِدَ نَفْسَه أَمامَ سَاحةٍ كبيرةٍ تَتوسَّطُ الْمَدينة. دُهِشَ عنْدَما شاهَدَ النَّاسَ مُرْتمينَ على الأرضِ في كلِّ مَكانٍ يَتلوُّونَ ويتألَّمونَ. حتَّى في حَوْضِ النَّافورَةِ وَعَلى شُرُفَاتِ المنَازِلِ الْمُطلَّةِ على السَّاحَةِ.

- يا إلَهي، هَلْ أَهْرُبُ مِنْ هذه المدينةِ التي يَبْدو أنَّ وباءً (مرضًا) اجْتاحَها (حلّ بها) قَبْلَ أنْ أُصابَ بِعَدْوى؟!

شَعَرَ بالأسَفِ لِحال النَّاسِ. ولَمْ يُجِبْ أَحدٌ عن سُؤَالِهِ عَمّا حَدَثَ وحَلَّ بالمدينةِ وأَهْلِهَا، لأنَّ الأَلم كانَ أكْبر مِنْ أنْ يَسْمحَ لهُم بالْكَلام!

صاحَ بفَزَعٍ حينَ قَبَضَتْ يَدٌ على سَاقِهِ. أرادَ دَفْعَ الرَّجُل الَّذي أمْسَكَ به لكنَّه تَوَقَّفَ حينَ رآه رجُلاً أَشْيَبَ الشَّعْرِ واللِّحْيَة، قَالَ الرَّجُلُ العَجوزُ بصوتٍ مُتَألِّمٍ خافِتٍ: سَاعِدْنا...!

نَزَلَ عَنْ حِصانِهِ وأَسْنَدَ الرَّجُلَ وسَأَلَهُ: كَيْفَ؟ وَمَا الَّذي حَدَثَ؟!

رَدَّ الرَّجُلُ الْعَجوزُ: السَّاحِرةُ الشِّرّيرةُ فَاجَأتْنَا في احْتِفالِ الْعيدِ.. ألْقَتْ بِسِحْرِها عَلَيْنا وهَرَبَتْ. ولَنْ نُشْفى إلاَّ بماءِ العَجَائِبِ المُضَاد لِسِحْرِها.

رَدَّ «عُرْفُ الدِّيك»: وأَيْنَ أَجِدْهُ؟!

- إنّهُ في قَصْرِ مَغيبِ الشَّمْسِ!

- ولكنَّ الْمَدينةَ تَمْتلئُ بالْقُصُورِ فَأيِّ واحِدٍ هُو؟!

- إنَّهُ قَصْرٌ خَفِيٌّ! لَنْ تَراه إلاّ عِنْدَ مَغيبِ الشَّمْسِ. احْذرْ الغُرْبَانَ التي سَتطيرُ عندَ المغيبِ كَيْ تَمْنَعَك مِنْ رؤيتِهِ. حينها ستُصَابُ بالْعَمَى إلى الأبَدِ!

فَكَّرَ «عُرفُ الدِّيكِ»: هَلْ يَسْتحِقُّ الأمْرَ أنْ أصَابَ بَالْعَمَى مِنْ أجْلِ مُسَاعَدةِ هَؤلاءِ النَّاسِ الَّذين لا أعْرفُهُم؟!

كانَ الرَّجُلُ العَجُوزُ يَبْلعُ رِيقَهُ بِصعوبةٍ لكنَّه أكْمَلَ قَائلاً: عِنْدما تَدْخُلَُ الْقَصرَ سَتَرى سَيْفًا مُعلّقًا تُدافِعُ بِهِ عَنْ نَفْسِكَ، وهُوَ أَيْضًا مِفْتاحٌ لِلْصِّنْدوق المخبَّأ بِهِ زُجاجَةِ ماءِ الْعَجَائِبِ.

- لَكِنْ هَلْ سَتَكْفي زُجاجَةُ الماء كلَّ هؤلاء النَّاس؟!

- نَعَمْ. قطراتٌ مِنْه تَخْلِطُها بماء النَّافُورةِ وَتَرُشَّها عَلى أهْلِ المدينةِ كافيةٌ لإبطالِ السِّحْرِ وإزالتِهِ عَنْهم..!

قَالَ الرَّجُلُ العَجُوزُ تلكَ الكَلِماتِ واخْتَفى صَوْتُهُ. وأَغْمَضَ عَيْنَيهِ إلى الأبَدْ..!

تَأثَّرَ «عُرْفُ الدِّيك» بما حصَلَ للرَّجُلِ. وَشَعَرَ نَحْوَه بِاحْترامٍ شديدٍ لأنَّه كَانَ رَاغِبًا في مُسَاعَدةِ أَهْلِ مَدينتِهِ حَتَّى آخرَ لحْظَةٍ في حَيَاتِِه.

أَسْرَعَ في جَمْعِ بَعْضِ الأعْشَابِ والْحَطَبِ وتَوَجَّه إلى أَبْعدِ نُقْطَةٍ في غَرْبِ الْمَدينةِ حَيْثُ كَانَتْ الأشْجَارُ مُتَباعِدَةً ولا تُوجد مُرْتَفَعاتٌ تَحْجُبُ مَغيبَ الشَّمْسِ. ظَلَّ مُرَكِّزًا نَظَرَهُ علَى الشَّمْسِ الَّتي تكسَّرَتْ أَشعّتُهَا وتحوَّلَتْ إلى قُرْصٍ أحْمَر. حِينها بَدَأ سِرْبٌ مِنَ الغِرْبانِ السَّوْداءِ يَحُومُ حَوْله ليَمْنَعَهُ مِنْ رؤيَةِ مَغيبِ الشَّمْسِ. أشْعَلَ النَّارَ فارْتَفَعَ الَّلهَبُ عَاليًا وَرَاحَ يُلوِّحُ بِغُصْنٍ مُشْتَعلٍ أَفْزَعَ الغِربانَ فَطَارَتْ مُتَفرِّقَةً.

أخيرًا أَبْصرَ القَصْرَ. شَعُرَ بِجاذبيةٍ مِغْناطيسيةٍ تَسْحَبُهُ وحِصَانَهُ بقوّةٍ، حَمحَمَ الحِصَانُ وصَهَلَ مُحَاوِلاً تَثْبيتَ قَوائمَه عَلى الأرْض، لَكن الجَاذبيَّة كَانتْ أقْوى منْه وتَرْفَعُهُ مَسَافَةً عَاليةً عن الأرضِ، مَا جعَلَ الْهَواءَ الشَّديدِ يَصْفِقُُ جِسْمَيْهما بشدِّةٍ!

دفَعْتهُما الْقُوَّةُ الخفيَّةُ بقوّةٍ داخل قاعةٍ زُجاجيّةٍ شَفَّافةٍ تسْبَحُ في بَحْرٍ مِنْ مِيَاهٍ. وظَهَرَ صُندوقٌ في الماءِ يَسْبحُ حَوْل الْقَاعةِ بِدَاخِلِه زُجاجَةُ ماءِ الْعجائِب..

- يَا إلَهي هَلْ سَأخوضُ هذِهِ الْمياهَ لأحْصُلَ علَى الصُّنْدوقِ؟!

ارْتَفَعَ نَظـَرُهُ إلى سَقْفِ القَاعَةِ حيثُ رَأى سِلْسِلَتَيْنِ تَتَدلَّيانِ (تنزلان) مِن السَّقْفِ مُثَبَّتٌ بِهِما غِمْدُ السَّيْفِ.

- لأَحْصُلَ على السَّيْفِ. ونَرى بَعْدَها ما الَّذي سيَحْدُث..

لَكَز حِصَانَه فَجَرى في القَاعَةِ الفَسيحَة ومَا إن اقْترَبَ مِنْ مُنْتَصَفِهَا حَتّى قَفَزَ عَنْ ظَهْرِ الحِصَانِ وتَعَلَّقَ بالْغِمْدِ مُحَاوِلاً سَحْبَ السَّيْفِ مِنْه!

وفي أقلَّ مِنْ لحْظةٍ كانَ الحِصانُ يَدْخُلُ في صراعٍ غيرِ مُتكَافِئٍ مَعَ مَخْلوقٍ بَشِعٍ ظَهَرِ مِنْ تحْت حَوافِرِه يُحَاول ابْتلاعَه. صاحَ «عُرْفُ الدِّيك»: سُحَيّية!

كان المخلوقُ البَشِعُ لَهُ رأسٌ سِحليَّةٍ وجِسْم حَيّةٍ. يتلوَّى حَوْل الْحِصانِ بِحَركاتٍ جُنُونيّة. سَحَبَ السَّيْفَ مِنْ غِمْدِهِ وقَفَزَ إلى الأرْضِ ووجَّه إليه ضَرَباتٍ مُتَتاليةٍ، لَكنَّ الْمَخلوقَ لَمْ يتَأثَّرْ ولا بِضَرْبَةٍ واحِدةٍ وكانَ «عُرْف الدِّيك» كَمَن يَضْربُ في الفَراغَ!

لاحَظَ أنَّهُ كُلَّما رَفع السَّيْفَ يَتَوهَّجُ ويَلْمَعُ. وكُلَّمَا ضربَ الْمَخْلوقَ كَانَ الْوَهَجُ يَخْتَفي ولا تَظْهرُ في السَّيْفِ أيُّ قوَّةٍ تَقْضي عليه.

أخيرًا وَبَعْدَ أنْ شَعُرَ بِالْيأْسِ والتَّعَبِ وخارَتْ قُوى الحِصانِ. وقَعَ نَظَرُهُ على ظِلِّ السَّيْفِ وهو يَتوهَّجُ عِنْدَمَا وَقَع على ظلِّ المَخْلوقِ. فَأسْرعَ بغَرز السَّيفِ في الظِّلَّ. فَصَاحَ المخلوقُ صَيْحةً عظيمةً متكوِّمًا على الأرضِ وتَخلَّصَ الحِصانُ مِنْ قَبْضَتِهِ.

تَوَهَّجَ السَّيْفُ مَرَّةً أُخْرى فأَسرعَ بِسَحْبِهِ مِنْ جِسْمِ المخلُوق. ورأى عِبارةً قَدْ انْحَفَرَتْ على نَصْلِ السَّيْفِ:.. وعِنْدَما يَغمُرُ الماءَ السَّيفَ يتحوَّلُ هُو ومَنْ يُمْسكُه إلى تُرابٍ..

- يا إلهي!!.. بدأت المياهُ تَتَسرَّبُ وتَنْدَفع إلى القَاعةِ. سيُحطِّمُ الماءُ الزُّجاجَ!

فكَّرَ أنَّ الغِمْدَ قَدْ يَحْمي السَّيْفَ مِن الماء، لكنَّ الغِمْد مُعَلَّقٌ بِسَلاسِلِ لَوْ أَمْضى عُمرَه في فكِّها فَلَنْ يَسْتطيع، وذلك لصلابَتِها وقوةِ تَثْبيتِها في السَّقْفِ!

مَاذَا سيَفْعَلُ، وهَلْ سيَنْجَحُ في خَوْضِ الماء؟ وهَلْ سيَنْجَحُ في العَوْدَةِ بماءِ العَجَائِبِ لأَهْلِ المَدينةِ؟!

هَلْ بإمكَانِكُم أصْدِقائي إكْمَال القِصَّةِ وخَتْمِهَا؟

يُمكنكُم إرْسالَ مُشاركاتِكُم على بريدِ المجلّةِ. أو البريدِ الإلِكترونيّ.

[email protected]

من مشاركات الاصدقاء

سر البحيرة

قرّر «عُرف الديك» أن يضعَ خطة محكمةَ النجاح، فطلبَ من الأميرةِ أن تربطَ بضفائرها على رجليهِ وأن تعطيه كمية بسيطة من ماءِ البحيرةِ ليحتفظ به ففعلت الأميرةُ ذلك، ثم قامت الخادماتُ بإيصاله إلى سطح البحيرةِ، حيث إن الوحشَ كان قد توجه إلى الشاطئ، فلحق به إلى هناك.

وكانت المواجهة، حيث قام «عرف الديك» بتوجيه بعض الطعنات بسيفه على قدمي الوحش، فوجَّه له الوحشُ بعضَ الضربات، وكان «عرف الديك» كلّما أُصيبَ بجروح من تلك الضربات رشَّ عليها بعضَ القطرات من ماء البحيرة لتختفي تمامًا، ثم أمسَكَ الوحشُ بـ «عرف الديك» وطار به، فأحسَّت به الأميرةُ فحركتْ ضفائرَها ساحبةً إيَّاه إلى الأرضِ فسقط على الأرض، ووجَّه «عرف الديك» مرة أخرى بعض الطعناتِ إلى الوحش، وفجأَة لاحظَ أن الوحشَ كلما تلقّى طعناتٍ من السيفِ، رفرف بجناحيه، بعدها يشعرُ بتحسن، وهكذا تبين لعرف الديك بأنَّ قوةَ الوحشِ تكمن في جناحيه، لهذا وجّه عدة طعناتٍ من السيفِ على جناحي الوحش، وهكذا تمكَّن من القضاءِ على الوحش بمساعدة الأميرة له فبالاتحاد قوة.

روان محمد - اليمن

 



قصة: لطيفة بطي