يلاحظ العلماء دائمًا سلوك الحيوانات والنباتات ولمدة طويلة، في محاولة منهم للوصول إلى منتجات أفضل يستفيد منها الإنسان. وذلك في إطار علم «المحاكاة الحيوية»، وهو العلم الذي يعنى بدراسة وملاحظة سلوك كائنات الطبيعة، واستلهامها لتصميم تكنولوجيا علمية جديدة.

ومن أحدث الابتكارات في هذا المجال، شريط يبلغ طوله حوالي عشرين سنتيمترًا، وعرضه عشرون سنتيمترًا، يمكنه حمل وزن إنسان بالغ، وزنه نحو سبعين كيلو جرامًا، وله استخدامات صناعية كثيرة، مثل تثبيت المعدات ببعضها البعض بإحكام، وكذلك استخدامات طبية باستعمال هذه الشرائط اللاصقة الجديدة فوق الجلد لمنع تلوث الجروح والتعجيل بالتئامها.

ويعتقد الآن كثير من العلماء أن الأبحاث في المختبرات، يمكنها الاستفادة من نتائج الأبحاث على سلوك الحيوانات والنباتات في الطبيعة، وبالفعل تمكنوا من ابتكار منتجات مفيدة، منها هذا الشريط اللاصق فائق اللزوجة والقوة.

وقد استلهم الباحثون فكرتهم من سلوك الذباب والعناكب والخنافس والأبراص، إذ تحتوي أقدامها على مئات وأحيانًا آلاف من شعيرات دقيقة للغاية، تقبض على الأسطح وتتشبث بها، مما يمكنها من السير على الجدران والأسقف وأوراق الأشجار، ولكي يعرف الباحثون أيًا من تلك الكائنات هو الأقوى في التشبث بالأسطح، وضعوها كلها على قرص مسطح ثم لفوه بسرعة كبيرة. واتضح أن نوعًا معينًا من الخنافس هو أقدرها على التشبث بسطح القرص، هي «خنافس أوراق الشجر».

قوة التجاذب.. بين الجزيئات

دقق الباحثون في ملاحظتهم لسلوك هذه الخنافس وأمعنوا النظر في تفاصيل الشعيرات الدقيقة للغاية الموجودة في أقدامها، ووجدوا أن لها أطرافًا مسطحة منتشرة، مما يمكن الحشرة من التشبث جيدًا بالأسطح، ولم يكن هناك أي نوع من المادة اللاصقة الطبيعية «كالغراء أو الصمغ»، في هذه الشعيرات، لتجعلها بهذه القوة في التشبث بأي سطح. واتضح للباحثين أن خنافس أوراق الأشجار تلتصق بالأسطح مثلما تتعلق قطرة المطر بزجاج النافذة. وما يمنع الاثنتين من السقوط هو التجاذب بين الجزيئات.

وقوة التجاذب هذه ضعيفة، ولذلك عندما يزداد وزن قطرة المطر فإنها تسقط منزلقة على زجاج النافذة. ولكن بسبب وجود آلاف من الشعيرات في أقدام هذه الخنافس، وكل منها يبذل قوة تجاذب، فإنها تستطيع الالتصاق بالأسطح لأي فترة تريد.

شريط بشعيرات.. من السليكون

صنع الباحثون نموذجهم الأول بعمل شريط مزدان بشعيرات دقيقة مماثلة لشعيرات أقدام خنافس مصنوعة من مادة «السليكون». والسليكون مادة تتحمل الحرارة وتقاوم الماء جيدًا، لهذا فهي أفضل مادة لصنع الشرائط اللاصقة.

وفي الوقت الحاضر، يعد هذا الشريط اللاصق الجديد، هو أول شريط لاصق من دون صمغ أو غراء، يباع في الأسواق. ومن المدهش حقًا أن نكون قادرين على استخدام هذا الاكتشاف بشأن شعيرات قدم الخنفساء، ولكن الباحثين لم يكونوا ليستطيعوا التوصل إلى هذا الابتكار، لولا قوة ملاحظتهم لسلوك الحيوانات وفهمهم الجيد لكثير من العلوم المختلفة، ومنها علم «المحاكاة الحيوية».