كَمْ هُوَ مُمْتِعٌ هَوَاءُ الرَّبِيْعِ، رَوَائِحُ الأَعْشَابِ،
أَزَاهِيْرُ الأُقْحُوَانَ! وَهِيَ تَنْتَشِرُ في البَرَارِيْ، أَجِدُ الكَثِيْرَ
مِنْهَا حَوْلَ البِئْرِ المَهْجُوْرَةِ، سَأََقْطِفُ مَجْمُوْعَةً مُتَنًوِّعَةً،
لأَضَعَهَا فِيْ زَهْرِيَّةِ غُرْفَتِيْ.
مَاذَا؟ أَسْمَعُ صَوْتَاً يَنْبَعِثُ مِنْ دَاخِلْ البِئْرِ!
ـ مياو.. مياو..
البِئْرُ مَبْنِيَّةٌ بِالحِجَارَةِ مِنَ الأَعْلَى، لِذَلِكَ لَنْ
أَخَافَ الاِقْتِرَابَ مِنْهَا، لَكِنْ، سَأَقْتَرِبُ بِحَذَرٍ، أَنْصِتُ.
الصَّوْتُ يَنْبَعِثُ مَرَّةً أُخْرَى. نَعَمْ، قِطَّةٌ.
نَظَرْتُ حَوْلِيْ، ذَاكَ صَدِيْقِيْ (سَامِيْ)، سَأُنَادِيْهِ
لِيُسَاعِدَنِيْ: سَامِيْ.. سَامِيْ.
لَقَدْ جَاءَ إِليَّ مُسْرِعَاً.
ـ مَاذَا تُرِيْدُ يَا (نَادِرُ)؟
ـ قِطَّةٌ فِي البِئْرِ، يَجِبُ عَلَيْنَا إِخْرَاجُهَا، الصَّوْتُ
يَأْتِيْ مِنَ العُمْقِ، أَنْصِتْ.
اِقْتَرَبَ (سَامِيْ) بِهُدُوْءٍ، رَاحَ يُنْصِتُ.
ـ مَعَكَ حَقٌّ، مَا رَأْيُكَ يَا (نَادِرُ) أَنْ نُدَلِّيَ لَهَا
حَبْلاً، لِتَتَعَلَّقَ بِهِ، فَنَسْحَبَهَا؟
ـ وَكَيْفَ لَهَا أَنْ تَرَى الحَبْلَ فِي الظَّلامِ؟
ـ لا تَتَعَجَّبْ، القِطَطُ لَهَا القُدْرَةُ عَلَى الرُّؤْيَةِ في
العَتَمَةِ.
ـ القِطَّةُ لَنْ تَسْتَطِيْعَ الإِمْسَاكَ بَالحَبْلِ كَمَا
تَعْتَقِدُ يَا سَامِيْ، وَإِنْ حَدَثَ، وَأَمْسَكَتْ بِهِ، فَرُبَّمَا تَسْقُطُ
فَيْ مُنْتَصَفِ المَسَافَةِ.
ـ إذن، مَا رَأْيُكَ في أَنْ نُحْضِرَ سُلَّمَاً، نَضَعُهُ فِي قَلْبِ
البِئْرِ؟ القِطَطُ مَاهِرَةٌ فِي الصُّعُوْدِ عَلى السَّلالِمِ.
ـ المُشْكِلَةُ يَا (نَادِرُ)! أَنَّنَا لا نَعْرِفُ عُمْقَ البِئْرِ،
فَكَيْفَ سَنُحْضِرُ سُلَّمَاً عَلَى قِيَاسِهَا؟
ـ يا (سَامِيْ)! عَلَيْكَ الذَّهَابُ إِلَى البَيْتِ، لِتُحْضِرَ
مِرْآةً كَبِيْرَةً، هَيَّا بِسُرْعَةٍ.
ـ حاضر، سَأَذْهَبُ، ولَنْ أَتَأَخَّرَ أَبَدَاً.
ـ أَيَّتُهَا القِطَّةُ! أَنَا اِسْمِيْ (نَادِرُ)، سَأَبْقَى هُنَا
لأُسَلِّيَكِ، لا تَخَافِيْ، (سَامِيْ) سَيَعُوْدُ حَالاً. عِنْدَمَا كُنْتُ
أَتَجَوَّلُ بِالقُرْبِ مِنْ هُنْا، شَاهَدْتُ بَعْضَ الأَطْفَالِ، يَلْعَبُوْنَ
حَوْلَ البِئْرِ، أَعْتَقِدُ أَنَّ أَحَدَهُمْ رَمَاكِ هُنَا، أَلَيْسَ
كَذَلِكَ؟
اِسْمَعِيْنِيْ، أَنَا مَا زِلْتُ أُسَلِّيْكِ كَيْ لا تَشْعُرِيْ
بِالوَحْدَةِ. هَلْ أَنْتِ جَائِعَةٌ؟ أُطَمْئِنُكِ، بَعْدَ قَلِيْلٍ
سَتَأْكُلِيْنَ، وَسَنُعِيْدُكِ إِلَى أُمِّكِ، فَلا بُدَّ مِنْ أَنَّهَا قَلِقَةٌ
عَلَيْكِ، تَبْحَثُ عَنْكِ. مَا رَأْيُكِ في أَنْ أُغَنِّيَ لَكِ؟ لا وَقْتَ الآنَ
لِلْغِنَاءِ، هَا هُوَ (سَامِيْ) قَدْ جَاءَ رَاكِضَاً.
ـ هَذِهِ هِيَ المِرْآةُ.
ـ جَيِّدْ، اُنْظُرْ، يَا (سَامِيْ)! سَأُوَجِّهُ المِرْآةَ إِلَى
أَشِعَّةِ الشَّمْسِ، وِأَحْرِفُهَا قَلِيْلاً بِاتِّجَاهِ الأَسْفَلِ، لِنَرَى
قَاعَ البِئْرِ.
ـ أُواهُ، يَا (نَادِرُ)! مَا أَبْرَعَكَ! اُنْظُرْ، المَرْآةُ
تَعْكِسُ الضَّوْءَ، إِنَّكَ تَسَيِّرُهُ عَلَى جِدَارِ البِئْرِ نَحْوَ
الأَسْفَلِ، إِنَّهَا لَيْسَتْ عَمِيْقَةً جِدَّاً، لا مَاءَ فِيْهَا. رَائِعٌ!
الضَّوْءُ يَتَحَرَّكُ فِيْ قَاعِ البِئْرِ.
ـ مَعَكَ حَقٌّ فِيْ أَنْ تَضْحَكَ يَا (سَامِيْ)، الأَمْرُ مُضْحِكٌ
فِعْلاً.
ـ القِطَّةُ، القِطَّةُ يَا (نَادِرُ)، لَيْسَتْ كَبَاقِيْ القِطَطِ،
إِنَّهَا لُعْبَةٌ مِنَ الفَرْوِ المُلَوَّنِ، لُعْبَةٌ، لُعْبَةٌ.
ـ صَوْتُ المُوَاءْ، لّقَدْ عَرَفْنَا مَصْدَرَهُ، إِنَّهُ مِنْ
دَاخِلِ اللعْبَةِ. لَكِنْ، أَتَعْرِفُ يَا (سَامِيْ)! لَوْ كَانَتْ قِطَّةً
حَقِيْقِيَّةً، مَا هَدَأْتُ حَتَّى أُخْرِجَهَا. هَاتِ يَدَكَ، هَيَّا بِنَا إِلَى
البَيْتِ، لَحْظَةْ، تَوَقَّفْ، اسْتَمْتِعْ قَلِيْلاً بِمَنْظَرِ المُرُوْجِ
عَبْرَ المَرْآةِ، يَا لِلرَّوَعَةِ!