هاني المصري سفير الفن الفرعوني في هوليوود: إعداد: بلال بصل

هاني المصري سفير الفن الفرعوني في هوليوود: إعداد: بلال بصل

لقد مر أكثر من 13 عامًا على مشاهدتي لفيلم أمير مصر The Prince of Egypt في إحدى دور السينما في بيروت، والذي تجري أحداثه في أرض الأهرامات والنيل. أذكر حينها أنني بقيت بعد انتهاء العرض، أراقب أسماء العاملين على الفيلم، علني أجد بينهم اسمًا عربيًا، خاصة أن القصة تجري أحداثها في العصر الفرعوني، وهذا يعني في قاموس شركات الرسوم المتحركة الكبرى، أنه يجب الاستعانة بالخبرات الضرورية، لتتم معالجة التفاصيل الدقيقة لهذا العصر، بمستوى فني مرموق. ومن أكثر دراية بالفراعنة من المصريين أنفسهم؟... فجأة، توقفت عن التفكير، وابتسمت بعدما ظهر اسم هاني المصري على الشاشة، وخرجت من صالة العرض سعيدًا. اليوم سعادتي أكبر، ليس فقط باللقاء الذي جمعني بهذا الفنان الكبير، بل أيضًا بالتعرف على شخصيته الودودة والمحبة عن كثب، وسماع قصة رحلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والتي يمكن أن نسميها رحلة ابن بطوطة إلى بلاد صناع الرسوم المتحركة. وقبل أن أبدأ بالحديث عن هذه الرحلة، أود أن أذكر لكم خبرًا فاجأني به فناننا، فحينما قلت له إن هذه المقابلة ستنشر في مجلة العربي الصغير، ابتسم وأجابني قائلًا: «هذا يسعدني كثيرًا، فهل تعلم أنني رسمت غلاف عددها الأول؟ كان ذلك منذ 30 سنة تقريبًا، هنا ابتسمت بدوري ولكن لم أقل له ما شعرت به، فقد كان مزيجًا من السعادة والتقدير، لفنانٍ عربي أصيل، لايزال مفتخرًا بما قدم للأطفال العرب، بالرغم من سفره وعمله في كبرى شركات صناعة الرسوم المتحركة في العالم.

ولد في القاهرة العام 1951، وحينما أصبح شابًا، عمل في مجال الرسم والدعاية، وسعى لابتكار شخصية كرتون قومية في مصر، فحاول أن يستثمر شخصية كيمو بائع الآيس كريم (المثلجات) لتنفيذ هذه الفكرة، متأملًا أن يجعلها شخصية محببة لدى الأطفال، ولكن الشركة المصنعة للمثلجات، لم توافق على إنتاج الفكرة، لتمر الأيام بعدها، ويشعر هذا الشاب أنه قد آن الأوان ليفكر في السفر إلى الخارج، وهنا يتحدث هاني عن هذه المرحلة، قائلًا «لا أنكر أن مسألة عدم إمكانية تحقيق حلمي في مصر كانت سببًا في تفكيري بالسفر إلى الخارج، ولكن لم تكن السبب الوحيد، فقد كنت أتوق لأن أتعلم أكثر، وأطلع على الخبرات الأجنبية الأهم في مجال الرسوم المتحركة، ولهذا اخترت أمريكا وقتها، كونها الأقوى والمتفوقة في هذا المجال»، وبالفعل هذا ما حدث، ففي العام 1986، سافر هاني إلى البلد الذي اختاره، وبعد ثلاث سنوات من عمله الخاص في مجال الرسم والدعاية في ولاية نيويورك، التحق باستديوهات والت ديزني إيماجينيرين Walt Disney Imagineering في ولاية كاليفورنيا، ويتذكر هنا، فيقول «كان الكثيرون يسعون للالتحاق بهذا العمل، ولهذا كانت مسألة الحصول على العمل ليست سهلة، ولكن تنوع الأساليب التي قدمتها في ملفي الخاص، أثار إعجاب المسئولين، فتمت الموافقة على توظيفي».

في العام 1995، أعلنت شركة جديدة في عالم صناعة الرسوم المتحركة، تدعى دريم ووركس DreamWorks، عن حاجتها لفنانين على درجة عالية من الموهبة الفنية والتقنية، للعمل على فيلم أمير مصر The Prince of Egypt. ويقول هاني متذكرًا: «حينما قرأت كلمة مصر في الإعلان، انتابني شعورٌ غريب، الحب ممزوجًا بالغربة والحنين، وعاهدت نفسي أنني سأفعل ما بوسعي للمشاركة في هذا العمل، فكيف يمكن أن يكون هناك فيلم يتحدث عن بلدي وينتج في البلد الذي أقيم به، ولا تكون لي مساهمة فيه»، وبالفعل هذا ما حدث ولكن بصعوبة، فحينما قابل هاني اللجنة المسئولة عن اختيار الفنانين الذين سيعملون على المشروع، تم إخباره بأنه تم بالفعل اختيار طاقم العمل وإيجاد جميع الفنانين المطلوبين، فماذا حصل بعد ذلك؟... يبتسم قائلًا: «في هذه المواقف عليك أن تتخذ رد فعل سريعًا، تقنع من خلاله اللجنة بأهمية ما يمكنك أن تقدمه، وكوني مصريًا وأعلم الكثير عن بلدي وتاريخها، وبادرت بذلك: هل تعلمون كل شيء عن الحضارة المصرية القديمة؟ هل تعلمون تفاصيل الحياة الفرعونية كلها؟ المقاييس، أحجام الأجساد، لون البشرة؟... هذه الأسئلة فتحت حوارًا بيني وبينهم، أدركوا من خلاله أهمية ما يمكن أن أقدمه لهم، كوني قادمًا من البلد التي تدور به أحداث الفيلم، ولدي خبرة فنية وتقنية متنوعة، والأهم أنني كنت ملمًا بتاريخ بيئتي ومطلعًا على تفاصيل الحضارة الفرعونية».

التحق هاني المصري بصفته مطورًا للفن البصري بفريق العمل، وكان متحمسًا للمشروع كغيره من الفنانين، ولكن حماسه كان مضاعفًا، فلم تكن مصر مزروعة في اسمه فقط، بل في قلبه وعقله أيضا، بل وشغله الشاغل حينها، فراح يدافع عن تاريخها، وعن ملامح الحضارة الفرعونية، وكيف يجب أن تعالج في الرسوم المتحركة، لتصل إلى المشاهد بأصدق صورة ممكنة. هذا الأمر لم يكن سهلًا، ففريق العمل كان يكبر شيئًا فشيئًا، ويتحدث هاني عن هذا الأمر، قائلًا «حينما التحقت بفريق العمل، كان عددنا 45 شخصًا، وراح العدد يكبر شيئًا فشيئًا ليصل إلى 1200 مع نهاية العمل على الفيلم. لذلك كان من المهم إجراء مجموعة من المحاضرات، يمكنني من خلالها تعريف فريق العمل على تفاصيل دقيقة عن الحياة الفرعونية، من دونها كانوا سيعتمدون على التاريخ الإغريقي واليوناني لتصميم الديكورات والشخصيات، وهذا خطأ، عليك أن تعتمد على تفاصيل الحضارة التي تتحدث عنها، وهي الحضارة الفرعونية هنا». الجميع لاحظ أهمية دور هذا الفنان القادم من الشرق، والذي اعتبر لدى العاملين على الفيلم، مرجعًا لجميع الاستفسارات المتعلقة بحضارة وادي النيل، ولهذا أطلقت عليه عبارة شهيرة في الاستديو تقول: «الجميع يعمل على الأمير، وهاني يعمل على مصر»، أو بمعنى آخر، الجميع يعمل على الفيلم، وهاني يعمل على كيف ستظهر مصر في الفيلم، وهنا المقصود به هو الجانب الفني والتقني، لأن من عادات الشركات الكبرى لصناعة أفلام الكرتون، أي الرسوم المتحركة، أن تخفي تفاصيل القصة النهائية عن أغلب أعضاء فريق العمل، ما عدا المسئولين الكبار كالمخرجين والمنتجين مثلًا، وهذا نوع من الحماية لكي لا تسرب القصة لشركة أخرى، خاصة أن هذا النوع من الأفلام، يتطلب سنوات من العمل المستمر، فعلى سبيل المثال، فيلم أمير مصر The Prince of Egypt استغرق العمل عليه أربع سنوات، ولتوضيح الفكرة أكثر يعلق هاني قائلًا: «هناك مشهد في الفيلم مدته ثانيتين فقط، استغرق العمل عليه تقريبًا اسبوعين، المشاهد لا يعلم هذا، ولا يعلم أيضًا أن هناك العديد من المشاهد التي حذفت، وطبعًا هذا الأمر طبيعي خلال العمل على أي فيلم».

بالرغم من متابعة هاني فيما بعد لعمله على أفلامٍ أخرى في شركة دريم ووركس DreamWorks، مثل Spirit و The Road to El Dorado، بعد الانتهاء من العمل على فيلم أمير مصر The Prince of Egypt، يبقى هذا الأخير هو الأهم كتجربة فنية وتقنية، خاصة أنه لا يعبتر فقط باكورة إنتاج الشركة التي باتت تنافس كبرى شركات إنتاج الرسوم المتحركة الآن مثل ديزني Disney، بل وأيضًا لأنه أحد أهم الأفلام الكرتونية، خاصة أنه دمج بطريقة رائعة، بين التقنية التقليدية ذات البعدين 2D والحديثة ذات الثلاثة أبعاد 3D.

في العام 2005 هبت رياح العودة إلى أرض النيل والأهرامات، حاملةً هاني المصري إلى مصر، عاد ذاك الفنان مع ما جناه من خبرة وعلم في المجال الذي أبدع فيه، ليزرعه في الأرض التي ولد بها. عاد وكله أمل أن يرسم المستقبل دورًا أفضل للبلاد العربية في تطوير صناعة الرسوم المتحركة، فهو يؤمن بأننا خير من يتحدث عن الحضارة العربية وتاريخها في هذه الأفلام، لأنها حضارتنا ونعلم عنها أكثر من غيرنا. هو الآن منهمك في تعليم الشباب، وإنهاء العمل على كتاب يساعد في تعلم كيف تروى القصص بشكل صحيح، آملًا في أن يجد يومًا ما، مؤسسة تتعاون معه لإنتاج فيلم رسوم متحركة عربي بمستوى عالمي.

يختم هاني هذا اللقاء بنصيحة للشباب، قائلًا «أدعوهم إلى ألا يتوقفوا عن القراءة والسعي نحو العلم والمعرفة، نحن للأسف لا نعلم الكثير عن حضارتنا كما يجب. إن كنا على قمة العالم يومًا، فذلك لأننا كنا نولي البحث وتقبل الرأي الآخر أهمية، وكنا نناقش ونقارن، وحينما نعود ونعمل بهذا، ستنبت نبتة الحضارة المشرقة في تربتنا من جديد».

 



إعداد: بلال بصل