عصافير خضراء للدفاع عن الماء

عصافير خضراء للدفاع عن الماء

في الصباح توقف خضّور وراء أخته خضّورة وهي تغتسل على الحوض الصغير المخصص للضيوف في ركن الردهة قرب غرفة الاستقبال

لاحظ خضور باندهاش أن أخته أنهت تنظيف أسنانها وغسل وجهها, ومع ذلك لم تغلق الصنبور المفتوح بقوة إذ كانت تلعب بيديها في الماء المتدفق من الصنبور.

تقدم خضور من أخته وسألها باستنكار: (ماذا تفعلين?), فردت عليه بلا اكتراث وهي تدندن: (ترالا. ترالا. ما ألذ الماء البارد في الصيف. وما ألذ الماء الدافئ في الشتاء. ترالا. ترالا. ترالا).

شعر خضور بالغيظ, وحاول إغلاق الصنبور, لكن أخته قاومته واستمرت في لهوها بالماء. عندئذ اندفع خضور يؤنبها متحدثاً بصوت غاضب: طبعاً أنت لا تحسين بقيمة الماء لأنه متوافر أمامك الآن. لكن لابد أن تفكري في أن الماء مثل كل شيء إن أهدرناه اليوم لا نجده غداً.

ردت خضّورة وهي مستمرة في لعبها بالماء: يا سلام.. يا سلام... الماء كثير كثير.. في البحار والمحيطات والأنهار والمطر.. يا سلام.. يا سلام.

اغتاظ خضور أكثر وراح يكلم أخته بتأنيب: واضح أنك لا تعرفين الفرق. فالماء العذب الذي نستخدمه في الشرب والغسيل والزراعة والصناعة هو قليل جداً مع ازدياد أعداد البشر. ولعلمك فإن 97,5% من المياه الموجودة على كوكب الأرض هي مياه مالحة في البحار والمحيطات. والمياه العذبة لا تشكّل إلا 2,5%, ومعظمها متجمّد عند القطبين أومختبئ كمياه جوفية عميقة يصعب الوصول إليها.

ولا يتبقى لنا من هذه المياه العذبة إلا 1% يمكننا الحصول عليه واستخدامه من الأنهار والأمطار والمياه الجوفية غير العميقة. وكلما استهلكنا مياهاً أكثر اليوم لا يتبقى لنا إلا القليل غداً. فمخزون المياه الجوفية يتناقص والمطر يشح والأنهار لا تمتلئ كفاية. فكيف تلعبين بالماء?

سكنت يدا خضّورة تحت الماء المنهمر من الصنبور والتفتت إلى شقيقها بنظرة مترددة, فمدّ يده وأغلق الصنبور بنفسه مواصلاً حديثه الغاضب: طبعاً أنت لا تعرفين أن هناك مئات الأطفال ماتوا في سراييفو عندما راح القنّاصة يوجهون رصاصهم إليهم وهم يحاولون الحصول على قليل من الماء الذي تبقى في المدينة التي كانت محاصرة. والأطفال في الصومال وجنوب السودان كانوا يموتون من العطش قبل أن يموتوا من الجوع لأنهم لم يجدوا إلا المياه الملوثة أو التي صارت وحلاً. وفي مالي الإفريقية يتوجب على الأطفال أن يعانوا كثيراً وهم يهبطون درجاً ترابياً يذهب عميقاً إلى أسفل نحو قاع الحفر التي صنعها الناس ليرشح فيها القليل من المياه الجوفية. وفي أماكن كثيرة يضطر الأطفال إلى السير طويلاً من أجل الحصول على قليل من الماء في أوعية تثقل أيديهم وأكتافهم الصغيرة حتى يصلوا بها إلى البيت. وفي بلادنا مناطق محرومة من توافر الماء العذب ويعاني فيها الأطفال المشقة من أجل الحصول عليه.

كانت خضّورة ساكنة تنظر إلى أخيها بعينين مفتوحتين وهي تتخيل الأطفال الذين ماتوا من أجل شربة ماء, والأطفال الذين يئنون وهم يحملون أوعية الماء إلى ديارهم من أماكن بعيدة. وبدأت عيناها تمتلئان بالدموع, ثم فاضت تبكي بينما كان خضور يقول: (ليتني أكون عصفوراً حتى لا أستهلك إلاّ القليل من الماء. ليتني أكون عصفوراً).

ومن بين دموعها رأت خضورة أخاها يتحوّل إلى عصفور أخضر قفز أمامها فوق رف مرآة الحوض, لكنه ظل يتكلم بصوته البشري: (وأطير إلى الفلاح وأقول له ألاّ يغرق أرضه بأكثر مما يحتاجه الزرع. وللصانع أقول ألا يلقي نفايات مصنّعة في البحيرات والأنهار. ولعامل الجراج ألاّ يسرف في غسل السيارات بالكثير من الماء).

فاضت دموع خضورة على خديها وهي ترى أخاها عصفوراً, فتمنت لو تكون عصفورة هي الأخرى, تطير معه إلى كل مكان وتدعو للحفاظ على الماء. وما كادت تتمنى حتى صارت عصفورة. قفزت إلى رف المرآة فوق الحوض, ووقفت لصق أخيها.

عصفوران أخضران فوق رفّ مرآة المغسلة. رأتهما أم خضور وخضورة فنادتهما ليريا أيّ عصفورين جميلين فوق الرف.

(يا خضور.. يا خضورة تعالا لتريا). نادت الأم وما إن سمعا اسميهما حتى انتفضا خجلاً وطارا إلى غرفة الاستقبال. حطا على ديوان الغرفة وفردا أجنحتهما يحتضن كل منهما الآخر كأنهما يريدان الاختباء.

ولما نادتهما أمهما مرة ثانية, نفضا ريشهما بقوة, فعادا من جديد, ولداً وأخته يقدّران معاً قيمة الماء.

 


 

محمد المخزنجي





ابتكار لتسهيل نقل الماء في البراري الجافة











الماء مادة ثمينة وشرط للحياة ... فهل يجوز إهدارها؟





في مالي بإفريقيا يهبطون عميقاً ليرفعوا القليل من الماء