عرس القطط


قصة من التراث الشعبي رسوم: علي المندلاوي

في قرية صغيرة واقعة على ضفة نهر, كانت تعيش أسرتان متجاورتان لكل منهما فتاة صغيرة, كانت الفتاتان تتشابهان في الجمال, لكنهما تختلفان بالطباع وكثيراً ما كانتا تتخاصمان ثم تعودان فتتصالحان.

ذات صباح قالت الأم لابنتها ليلى:

- لم يعد لدينا ماء للشرب, خذي الجرة واملئيها من النهر.

حملت ليلى الجرة وطرقت باب سلوى لتذهبا إلى النهر, لكن سلوى كانت نائمة ولم تفلح محاولات أمها في إيقاظها للذهاب إلى النهر وجلب الماء.

سارت ليلى في طريق جميل مشجّر, واستمعت إلى العصافير وهي تزقزق على أغصان الشجر, ووصل إليها صوت النهر وهو يجري, فامتلأت نفسها بالفرح وراحت تغني أغنية حلوة.

عندما انحدرت إلى ضفة النهر, رأت ديكاً جميلاً أحمر العرف, تتماوج ألوان ريشه بين الحمرة والخضرة والصفرة, فقالت في سرّها:

- يا الله ما أبدع هذا الديك, وما أجمل تناسق ألوانه!

عندما أحسّ الديك بحركة قربه التفت, فالتقت عيناه بعيني ليلى, قالت له مازحة:

- صباح الخير أيها الديك الجميل.

أجاب الديك:

- صباح الخير.

ذُهلت ليلى وهي تسمع الديك, فضحك وقال:

- عجائب الدنيا كثيرة.

كان الديك يحمل دلواً ملأه ماء, وأراد أن يحمله على ظهره ولكنه لم يستطع, كان الدلو يسقط عندما يتحرك الديك فينسكب الماء.

بدا الحزن في عيني الديك, فابتسمت له ليلى ومسحت على رأسه وقالت:

- لا تحزن سأحمل الدلو عنك وأوصله إلى حيث تريد. أسندت ليلى جرتها إلى جانب صخرة وحملت الدلو ومشت إلى جانب الديك, سارا طويلاً حتى أصبحا خارج القرية.

سألت ليلى:

- أمازال المكان بعيداً?

قال الديك:

- لا... بعد قليل نصل إلى الغابة.

دخلت (ليلى) مع الديك إلى غابة خضراء جميلة متشابكة الأغصان في وسطها قصر يحيط به سور, ومن القصر تنبعث أصوات غناء وتتصاعد روائح طعام شهي.

طرق الديك باب السور فانفتح الباب وظهر الحارس.

قال القط حارس الباب:

- أهلاً بصديقنا الديك وصديقته اللطيفة.

قالت ليلى:

- شكراً أيها الحارس.

ثم قالت للديك:

- سأنصرف, فقد أوصلت لك الماء.

قال الديك:

- لا يمكن أن تذهبي, فأنت مدعوّة إلى عرس أصدقائي القطط.

دخلت (ليلى) إلى القصر كان نظيفاً لامعاً, وقد تدلت من جدرانه وسقوفه حبال الزينة, في إحدى الغرف, كانت فرقة موسيقية من القطط تتمرّن على العزف, وفي غرفة أخرى, رأت القطة الخياطة وهي تطرز ثوباً أبيض جميلاً, وفي قاعة كبيرة كانت القطط ترتب مناضد الطعام وتضع المفارش عليها.

عندما دخلت ليلى المطبخ, وجدت مجموعة من القطط مشغولة بإعداد الطعام والحلوى وخبزها, نظرت ليلى إلى أصابعهم الصغيرة وقالت في نفسها:

- يجب أن أساعدهم, هذه الكميات التي يصنعونها قليلة بالنسبة لي ولن تأخذ من وقتي الكثير.

شمّرت ليلى عن ساعديها وبدأت تساعد القطط في عملها, بسرعة استطاعت ليلى والقطط أن ينتهوا من صنع الطعام والحلوى.

عندما دخل العروسان, بدأت الموسيقى تعزف حتى وصلا إلى كنبتين مرتفعتين, فجلسا عليها وجلس باقي القطط حول موائد الطعام.

خرجت ليلى إلى الحديقة, فقطفت وروداً بيضاء جعلت منها تاجاً, وضعته على رأس العروس, أما الورود الملوّنة, فقد وزعتها باقات على الموائد.

صدحت الموسيقى, وبدأ الراقصون يرقصون, والباقي يصفّقون, كانت ليلى سعيدة بحضور الحفل لكنها تذكرت أمها, فقامت تريد الانصراف.

قالت إحدى القطط:

- أيتها الفتاة اللطيفة لن ننسى مساعدتك.

وقال كبير القطط:

- أرجو أن تقبلي منا هذه الهدية البسيطة.

تقدمت قطتان تحملان كيساً مربوطاً أعطيتاه لـ (ليلى).

قال الديك:

- لا تفتحي الكيس إلا عندما تصلين إلى بيتك.

ودّعت (ليلى) القطط والديك وحملت الكيس فوجدته خفيفاً, تساءلت ماالذي يوجد بداخله? دفعها الفضول إلى فتح الكيس, لكنها تذكرت وصية الديك, فتراجعت.

نظرت (ليلى) إلى الشمس, فعرفت أنها تأخرت, تذكرت جرة الماء وأمها التي تنتظرها. قالت في نفسها:

- لقد تأخرت, لابد أن أمي ستقلق علي.

ملأت ليلى جرّتها, وأسرعت إلى البيت فوجدت أمها خائفة, وسألتها:

- لماذا غبت هذه المدة الطويلة?

قالت ليلى:

- أعتذر يا أمي عن تأخري, ولكني لم أستطع أن أمنع نفسي من مساعدة ديك جميل كان يريد نقل الماء لأصدقائه.

راحت ليلى تقص على أمها حكاية الديك والعرس الذي حضرته, والكيس الذي جاءت به.

أخذت الأم الكيس وفتحته فوجدته مملوءاً بقشور البصل, فتساءلت:

- ماذا سنفعل بقشور البصل?

قالت ليلى:

- لابد أن قشر البصل ثمين في نظرهم, لذلك فقد قدموه هدية لي.

بينما هما تتحادثان, سمعتا صوتاً يصدر من الكيس, نظرتا إليه ولدهشتهما رأتا قشور البصل تتحول إلى ليرات ذهبية.

تجمّدت ليلى وأمها وهما تريان الكيس الكبير مملوءاً بالذهب, فركت الأم عينيها للتأكد من حقيقة ما ترى, ثم مدت يدها إلى الكيس فأخذت حفنة من الليرات, راحت تتحسسها, وكذلك فعلت ليلى, ولشدة انفعالهما, سقطت بعض الليرات منهما, وتناثرت في أنحاء البيت, فأسرعت ليلى وجمعت الليرات المتناثرة ما عدا ليرة استقرت تحت الباب.

حملت ليلى وأمها الكيس الثقيل ووضعتاه في الخزانة في غرفة نوم الأم.

قالت الأم:

- لقد كافأك الله يا ليلى على معونتك للآخرين.

قالت ليلى:

- سنوزع جزءاً من المال على الفقراء, وسنشجر أرضنا ونزرع البرتقال والموز والتفاح ونبني بيتاً جميلاً.

ابتسمت الأم وقالت:

- إن الله يحقق للطيبين آمالهم.

فجأة قرع الباب, فذهبت ليلى لتفتحه, عندما فتحته ظهرت سلوى, وفي اللحظة نفسها وقعت عيون الفتاتين على الليرة الذهبية التي كانت مختبئة تحت الباب. التمعت في عيني سلوى نظرة خبيثة وقالت:

- أنتم فقراء, فمن أين جئتم بهذه الليرة الذهبية?

صمتت ليلى, فقالت سلوى:

- تتظاهرون بالفقر ولكنكم خبيثون.

قالت الأم:

- لا تتحدثي عن الجيران بهذه الطريقة.

قالت سلوى:

- حسناً سأخبر أمي بقصة الليرة الذهبية.

انطلقت سلوى إلى بيتها وجاءت بأمها, وقفت الأم بباب البيت وقالت:

- إذا لم تقولوا لي من أين جئتم بالذهب, سأذهب إلى المختار وأخبره بأنكم لصوص.

قصّت أم ليلى على أم سلوى قصة الديك والقطط, ظهر الشك في عيني أم سلوى, لكنها قالت:

- إذا كنتم صادقين, فالأمر بسيط, غدا تذهب سلوى إلى النهر وتأتي بالذهب. عندما أشرقت الشمس أوقظت الأم سلوى, فانزعجت سلوى وقالت:

- لا أريد الذهاب إلى أي مكان, اتركيني لأنام.

غضبت الأم وقالت:

- انهضي أيتها الكسولة, لا تعملين في البيت ولا تريدين جلب الماء, وحتى الذهب ترفضين الذهاب من أجله.

عادت سلوى إلى نومها, ولكن أمها جرّتها من السرير وقالت:

- لا ترجعي إلى البيت إلا ومعك كيس الذهب.

مشت سلوى متثاقلة, فناولتها أمها الجرة, سارت في الطريق المؤدي إلى النهر, عندما سمعت العصافير تزقزق قالت لها:

- أيتها العصافير الغبية, لو كنت مكانكم لما استيقظت مبكّراً وأزعجت الناس بصوتي. وعندما انحدرت إلى ضفة النهر رأت الديك وهو يحاول حمل الدلو, فاقتربت منه, وقالت:

- أيها الديك.. لماذا تتعب نفسك بحمل الماء?

قال الديك:

- لأسقي أصدقائي.

قالت سلوى:

- دع أصدقاءك ليشربوا بأنفسهم, وخذني إلى القطط ليعطوني كيس ذهب. لم يجبها الديك, بل حاول أن يحمل الدلو على ظهره لكنه لم يستطع فنظر إلى سلوى, عبست سلوى في وجه الديك وقالت:

- لماذا تنظر إلي بعينيك الغبيتين... أتظن أنني سأحمل الدلو عنك?

قال الديك:

- لماذا لا تكونين فتاة طيبة?

قالت سلوى غاضبة:

- أتشتمني أيها الديك? هل تعني أنني فتاة خبيثة?

انتزعت سلوى غصناً من إحدى الشجرات وضربت الديك على رأسه, فهرب منها, راح الديك يعدو وهي تعدو وراءه وتقول:

- هيا أوصلني إلى قططك اللعينة.

دخل الديك إلى الغابة وسلوى تتبعه حتى وصلا إلى سور القصر, طرق الديك الباب ففتح الحارس, أسرعت سلوى تعبر الحديقة وتدخل القصر, دهشت لجمال القصر وقالت:

- كيف تسكن القطط في مثل هذا القصر وأنا أسكن في كوخ, سأطرد هذه القطط وآتي بأهلي لنعيش هنا.

راحت سلوى تسخر من القطط التي تعزف, ومن القطط التي تعد موائد الطعام, وعندما دخلت إلى المطبخ, ورأت القطط تصنع الطعام, قلبت القدور ورمت الطعام على الأرض وقالت:

- القطط لا تطبخ بل تأكل من فضلات البيوت.

خرجت سلوى إلى الصالون فرأت العروسين جالسين على الكنبتين المرتفعتين, اقتربت سلوى من العروس وقالت:

- كم تبدين مضحكة في هذا الثوب القبيح!

ثم نظرت إلى العريس ساخرة فنزعت له ربطة عنقه.

كانت القطط تنظر إلى سلوى غاضبة فسألتهم:

- لماذا تنظرون إلي بهذه الطريقة, هيا اعطوني كيساً كما أعطيتم ليلى.

قال كبير القطط:

- اعطوا الفتاة ما تستحق.

جاءت قطتان تحملان كيساً مربوطاً قدّمتاه إلى سلوى.

قال الديك:

- لا تفتحي الكيس حتى تصلي إلى البيت.

انصرفت سلوى مسرعة, قطعت الطريق ركضاً وهي تقول:

- ما أخف كيس قشر البصل! ولكن عندما أفتحه سيكون مملوءاً بالذهب ونصبح أغنياء نلبس أجمل الثياب والحلي, نتنزه ونلعب ونقضي باقي الوقت نائمين لا نعمل ولا نتعب.

وصلت سلوى إلى البيت كانت أمها أمام الباب واقفة بانتظارها, أخذت الأم الكيس من سلوى وأسرعت إلى الداخل تتبعها ابنتها.

فتحت الأم الكيس, وفي لحظة واحدة صرخت سلوى وأمها, فقد راحت قشور البصل تتحول إلى عقارب وأفاع خرجت من الكيس وراحت تزحف على الأرض.

ملأت صرخات سلوى وأمها البيت, وعندما استطاعتا أن تتخلصا من أثر المفاجأة ركضتا إلى الخارج وهما تصيحان:

- أيها الجيران ساعدونا, بيتنا مملوء بالأفاعي والعقارب.

خرجت ليلى وأمها على صوت الصراخ فركضت إليهما سلوى وأمها فتحدثتا برعب عن كيس القشر وكيف تحوّل إلى أفاع وعقارب.

التفتت سلوى إلى ليلى وقالت لها:

- لابد أنك خدعتني فلم تقولي الحقيقة.

قالت ليلى:

- أنا لم أكذب عليك, ولكن لابد أنك قد أزعجت الديك والقطط.

من بعيد لاح الديك وهو يسير إلى بيت سلوى فهرعت الفتاتان إليه, قالت سلوى:

- أرجوك أيها الديك ساعدنا, لابد أنك أنت مَن طلبت أن أعطى كيس الأفاعي وتعطى ليلى كيس الذهب.

قال الديك:

- تشابه الكيسان واختلفت الفتاتان, الذهب للطيبين والأفاعي للمؤذين.

بانت علامات التأثر على سلوى فقالت:

- أعلم أنني أسأت إليك, ولكن أرجو أن تسامحني.

قالت ليلى:

- أيها الديك الصديق أرجوك ساعد جيراننا.

تأمل الديك سلوى, فرأى علامات الندم بادية عليها, ونظر إلى ليلى فوجد نظرات الرجاء في عينيها, اتجه الديك إلى بيت سلوى وقال:

- أيتها العقارب والأفاعي عودي من حيث جئت ولا تؤذي أحداً.

بلحظة اختفى الديك والعقارب والأفاعي, فامتلأت عينا سلوى بدموع الفرح وقالت لـ (ليلى) وقد ظهرت المحبة في عينيها:

- أيتها الصديقة لقد تعلمت منك الكثير.

 

 


 

ملك حاج عبيد