تصوير: سليمان حيدر

يضم المركز العلمي التابع لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي العديد من الأقسام الرائعة التي تقوم بأداء دور فعال في نشر العلم والمعرفة والمتعة في آن واحد للجميع.

بخطوات بطيئة, دخلت أتأمل أرجاء المركز العلمي, أسرح في روعة تصاميمه, وإذا بخطوات متسارعة صغيرة تتدافع من حولي لتتخطّاني, كان هناك فوج من الأطفال متجهين بحماس نحو تلك القاعة, تتعالى ضحكاتهم وتعليقاتهم البريئة, فقررت الدخول إلى المكان الذي دخلوا إليه قبل بقية الأقسام, وقعت عيني على لوحة أعلى المدخل كُتب عليها (صالة الاستكشاف), وهنا عرفت أنني سأقضي وقتاً طويلاً في هذه الصالة, وبترحاب كبير, استقبلتني ديمة العدساني إحدى مرشدات المركز العلمي لتطوف بي حول الآلات والأدوات, فهذه الصالة واحدة من القلائل في دورها ونشاطها على مستوى الوطن العربي ككل, الواقعة على مساحة 1400 متر مربع, صممت لإدخال جو المرح والبهجة في قلوب الجميع ولتزويد الزائرين من الصغار والكبار على حد سواء بالمعلومات العلمية والتقنية والميكانيكية بصورة سهلة ومبسطة تجعل من المادة العلمية متعة في حد ذاتها.

المراجعة المبسطة

أولى هذه الغرف(غرفة المراجعة), وهي أشبه بالمكتبة العلمية لما تحتويه من كتب قيّمة ومراجع بسيطة باللغتين العربية والإنجليزية, وتحتوي أيضاً على مجموعة من أجهزة الحاسب الآلي للأطفال من سن الخامسة حتى الثانية عشرة مزوّدة ببرامج عدة في اللغة والألوان والعلوم والرسوم. وتقوم المرشدات في غرفة المراجعة بعمل برامج مختلفة في عطل نهاية الأسبوع مثل (اصنع بنفسك) وهو برنامج تجميع لبعض الأدوات المستخدمة في الحياة اليومية, والقيام بعمل أداة معينة أو لعبة منها, ثم يحتفظ بها الطفل لنفسه, فهو يرى انتاجه بين يديه. وهنا يبدأ الطفل الاهتمام بالبيئة والتعرّف على عملية التدوير أو إعادة الانتاج. وتقوم المرشدات أيضاً بعمل حلقات من القصص اليومية والشائقة من التراث المحلي أو العالمي, وتقديم بعض (الغطاوي)أي الألغاز المسلية للأطفال.

نلهو بالعلوم

نخرج من غرفة المراجعة لنبدأ اللعب والتعلم مع الأطفال حول الأجهزة. فهناك إدارة تسمى (طاقة الرياح Wind Power), فالريح مصدر مهم من مصادر الطاقة المجانية ولقرون عدة, استخدمت لتسيير السفن عبر البحار وضخ المياه الجوفية وطحن الحبوب, وحالياً تستخدم لتوليد الطاقة الكهربائية. ففي عام 600م ظهرت في إيران أول طاحونة هوائية لطحن الحبوب, وفي غضون 300 سنة من ذلك التاريخ أصبحت الطواحين تستخدم في جميع أنحاء العالم العربي, وفي سنة (1150) استخدمت في جميع أنحاء العالم. فبإمكان الطفل عن طريق مسدس هوائي أن يحرّك مجموعة من المراوح والتوربينات باتجاهات مختلفة تنتج عنها حركات عدة.

ومن الرياح إلى النجوم وجهاز فجوات الثقوب السوداء Black holes, (الثقب الأسود هو نجم عملاق متداع ومنهار ذاتيا تبتلع جاذبيته كل جسم يدور في فلكه). فعندما يموت نجم ضخم, يصدر عنه انفجار هائل يسمى الوميض الفائق, وفي عام 1987 شوهد وميض فائق في السحابة الماجلانية الكبيرة, وهي إحدى المجرات القريبة, ويعرف الثقب الأسود بأنه شيء غير مرئي, غير أنه محاط بسحابة من المادة تدور حوله وتنجذب إلى مركزه, فيرى المستخدم لهذا الجهاز أن هناك زيادة تدريجية في سرعة النجوم كلما زاد شد الجاذبية لهما مع اقترابهما من المركز.

ومن النجوم إلى الأرض وشكل القارات, يقدر العلماء أن القارات تتحرك ما بين 1,5 إلى 6 سنتيمترات في العام الواحد, وتتحرك على شكل صفائح صخرية تحت سطح الأرض. ورغم أن سمك القشرة الأرضية يقدر بحوالي 80 كيلومترا, إلا أنها رقيقة نسبياً إذا ما قورنت بأبعاد الكرة الأرضية, وتختلف الصفائح الصخرية عن بعضها البعض, فمنها ما يتكون من مسطحات مائية بالكامل, كصفيحة المحيط الهادي, ومنها ما يتكون من اليابسة كالصفيحة الصخرية العربية, وهناك صفائح تجمع ما بين اليابسة والمحيط, كالتي تجمع بين أمريكا الشمالية وجزء كبير من المحيط الأطلسي. وفي الخريطة الجيولوجية توضح لنا التصدعات الأرضية على كل قطعة من الخريطة بالضغط على زر الجهاز لترتفع القطعة إلى أعلى, فتظهر لنا التصدعات الأرضية بصورة جلية, إلا أن هناك سراً لا يعلمه إلا الخالق بالنسبة لموقع الجزيرة العربية, ففي موقع مدينة مكة المكرمة, حيث الكعبة المشرفة, لا نجد تحتها أيّاً من التصدعات الأرضية, فسبحان ربي الذي اختار مكة لتكون بيتاً آمناً له في الأرض.

ثم نأتي إلى لعبة أخرى هي فقاقيع الصابون Soap Bubbles, وهي كمية من الهواء محاطة بغشاء رقيق من الماء, تتكون الألوان البرّاقة لفقاعة الصابون عندما يلتقي الضوء الأبيض المنعكس من الجهة الأمامية للغشاء المكوّن لفقاعة الصابون بالضوء الأبيض المنعكس من الجهة الخلفية للغشاء, ويتكون الضوء الأبيض (ضوء الشمس) من عدد من الألوان المختلفة. وهذا هو السبب في أن ضوء الشمس يمكن أن يكون قوس قزح, فكل لون من ألوانه يمثل موجة ضوئية مختلفة من حيث الطول عن الألوان الأخرى, فالضوء الأحمر أطول الموجات, والضوء البنفسجي أقصر الموجات, وتتراوح أطوال موجات بقية الألوان بين هذين اللونين, يظهر قوس قزح بفقاقيع الصابون التي يقوم الطفل بنفسه بسحبها في الهواء عن طريق أسلاك متعددةالأشكال الهندسية, تخرج بعدها الفقاعة بصورة دائرية مهما كان شكل السلك, وبألوان متعددة هي ألوان قوس قزح. كما أنهم يستطيعون عمل غرفة من الفقاعة الهوائية بحيث يكون الطفل بداخلها, تستمر غرفة الفقاعة مدة 3 إلى 5 ثوان ليجد الطفل نفسه محاطاً بفقاعة صابونية عملاقة, إنها حقاً ممتعة للكبار والصغار.

في عجلة المسننات Gears وهي عجلات لها أسنان, تتداخل أسنان مسننين مع بعضهما البعض كتداخل أسنان الزمام المنزلق (السحاب) وعند إدارة أحد المسنين يدور المسنن الآخر.

يتعلم الطفل هنا أن استخدام المسننات يكسبنا قوة أو سرعة أو لتغيير الاتجاه أو الجذب, ويسمي العلماء الدفع أو الجذب قوة, تستطيع تحريك الأشياء أو إيقاف حركتها, أما الآلة, فدفعة صغيرة هنا تؤدي لفعل أكبر يحدث هناك, مثل الرافعة والبكرة وغيرهما, إن الحديث عن هذه الصالة كبير وكثير وممتع في آن واحد, فهي لا تقتصر على الأرض والهواء والآلات والماء, بل تتعداها إلى الكثير من الأمور العلمية التي كانت خافية علينا مثل قصة الأحافير وكيفية تكوّنها والآثار وكيفية اكتشافها, والحياة على قاع البحر وطرق تخفّي الأسماك, والأصداف البحرية وما تحتويه ونجم البحر, ولماذا خلقه الله بهذا الشكل.

لم يغفل الماضي

ولم يغفل المركز العلمي تذكير أبنائنا بتراثنا البحري والبري, ففي عملية الغوص على اللؤلؤ - مثلاً - يتكون طاقم الغوص من شخصين (الغواص) الذي ينزل تحت الماء لجمع اللؤلؤ, و (السيّب) وهو الشخص الذي يقوم بسحب الغواص من قاع البحر بعد الانتهاء من عملية الجمع. توجد الأصداف على أعماق تتراوح ما بين 10 و20 متراً تحت سطح الماء. ففي قديم الزمان, كان الغواصون يغوصون لمدة دقيقتين ويعودون بعدها بسلة من الأصداف, ثم يرتاحون ليعاودوا الغوص من جديد. ويقوم بتلك العملية حوالي عشر مرات بمساعدة السيب الذي يقوم بسحبه للأعلى.

تظهر الصورة واضحة للأطفال الذين لم يشهدوا هذه العمليات في السابق بلعبة مسلية, كما أن هناك قسماً للتراث الكويتي البري يتركز بطريقة عمل السدو والمنسوجات المحاكة والطرق التي نحصل منها على الخيوط وكيفية غسلها واختيار الألوان وعملية النسج وتصميم الأشكال التي تعكس البيئة الصحراوية ونمط العيش. ومن الصحراء إلى القرى, وبمجسم بسيط وجميل, نرى كيف قامت هذه القرى ببناء شبكة لري محاصيلها. فعند تتبع الماء من مصدره تحت الأرض إلى النبات في الحقول, سنجد قناة تؤدي إلى فتحة تصريف ومجرى مائي وسد.

يعتقد البعض أن التنظيم والتنسيق اللازمين لإنشاء نظم الري عاملان مهمان في تطوير مبادئ التنظيم الاجتماعي والسياسي التي تقوم عليها الحضارات, وقد نشأت حضارات قديمة في مصر وسومر والصين على ضفاف أنهار تمر عبر مناطق قاحلة.

آلة تجسّد عبقرية الجزري

وقد قام العالم العربي الجليل أبو العز الجزري باختراع آلة مائية في منطقة ديار بكر التي كانت تابعة لسوريا في ذلك الوقت وذلك لرفع الماء من أحد الوديان إلى مشفى يقع على قمة التل تقوم دابة (الثور) بتدوير دولاب متصل بزوج من المسننات ينقل الحركة الدورانية إلى سير (الحزام) عمودياً ثبت عليه عدد من الدلاء (المغارف) النحاسية على التوالي, وعندما يدور السير تغرف الدلاء الماء من الحوض وتنقله إلى أعلى, حيث تفرغ حمولتها من الماء في قمع من النحاس الأصقل, أما الدلاء الفارغة, فيعيدها السير المتحرك إلى الحوض السفلي لملئها من جديد. الجزري ألّف كتاباً شهيراً في القرن 13م زوّده بالصور التوضيحية وهو (الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل) والمعروف بكتاب (الحيل الميكانيكية) تجلى ذلك الإنجاز في بادئ الزمان منذ 800 سنة في عهد 3 من السلاطين الأمويين, فقد صنع الجزري النوافير والساعات المائية داخل قصورهم, ونشر تصاميم هذه الآلات في عام 1206م.

تحتوي صالة الاستكشاف على أجهزة علمية عجيبة وكثيرة تفوق الوصف, فمن البوصلة وطرق استخدامها واكتشافها إلى المنظار المقرب (التلسكوب) وطريقة عمله إلى السدسية وهو جهاز يقيس الزوايا والارتفاعات بالإضافة إلى المياه الطبيعية ونشأة ونمو النبتة والثمار وطرق التلقيح, وأجزاء النبات وأهمية كل جزء منها, إى طيران الحشرات والفراشات الملوّنة وهجرتها, فهي تستطيع الطيران بسرعة تبلغ نحو 10-15 كيلومتراً في الساعة, وهي تفعل ذلك لتتعرض إلى أشعة الشمس مدة أطول. إن الزائرين لهذا المكان يستطيعون التجوّل هنا لساعات عدة دون ملل وبفائدة ومتعة كبيرتين.

أستطيع القول إن أبناءنا اليوم أكثر حظّاً بما يستطيعون التمتـع به في هذه القاعة المميزة من لهو ومرح وعلم وثقافة في آن واحد بصورة سهلة وعلمية ومتطورة.