الإسكافي النائم


الإسكافي النائم

رسوم: أحمد الخطيب

قضيت عطلة الصيف الماضية عند جدي في متجره في وسط المدينة أساعده في خدمة الزبائن. وتعودت على الوقوف عند عتبة المحل في الوقت الذي يكون فيه المحل خاليًا, أراقب المارة على الرصيف والسيارات في الشارع العريض الذي يخترق وسط المدينة. وفي أحد الأيام لفت انتباهي اسكافي (مصلّح الأحذية), اتخذ من زاوية على الرصيف محلاً له, وضع كرسيه الصغير ورتّب أغراضه على جانب منها عارضًا شرائط الأحذية والنعول ودهون التلميع والتنظيف والسندان.

كان الرجل يستقر في مكانه هذا حتى المساء إلى أن يبدأ السوق بإقفال أبوابه, فيلملم أغراضه وينصرف مبتعدًا. اعتاد أن يقصد هذا المكان كما اعتاد الآخرون على رؤيته على هذه الحال. وفي الحقيقة أثار في نفسي الضحك, ليس لأنه فائض الوزن وثيابه ضيقة تكاد أزرار قميصه تصرخ طالبة النجدة لإعفائها من مسئولياتها, بل لأنه بعد وقت قصير من جلوسه واستقراره في مكانه, يشرع في النوم فتنحني رقبته ويتهدل كتفاه وترتخي رجلاه فيبسطهما. تعجبت كيف ينام هذا الرجل في وسط زحمة المدينة!

في ظهيرة أحد الأيام على ما أذكر, وقفت على عتبة المحل وسمعت صوت شخيره العالي يصل إلى محلنا. جلت بنظرة سريعة على السوق كان الطقس الحار قد جعل الحركة شبه متوقفة, وبلحظة خاطفة مد رجل نحيف وطويل يده والتقط بسرعة كل أغراض الإسكافي, ووضعها في كيس كان بيده وأسرع بالهرب تاركًا صديقنا يغط في نومه العميق. انتبه بعض المارة لما حدث على أثر صراخي بالسارق, كما انتبه الشرطي الواقف عند إشارة المرور على الجهة الثانية من الشارع وحاول اللحاق باللص الذي لم يتسنّ له الابتعاد كثيرًا, بعد. وبدأت المطاردة المثيرة وأنا مسمّر في مكاني تاركًا قلبي يقفز في كل الأمكنة خلف اللص الذي عاد إلى المكان نفسه ومرّ قرب الإسكافي ليهرب من الجهة الثانية من الطريق. فاجأة بعض الشباب فغيّر طريقه ومرّ قرب الإسكافي للمرة الثانية راميًا المسروقات في مكانها على الأرض بطريقة خاطفة ثم رأيته يدخل مبنى مجاورًا ويختفي عن الأنظار.

لم يقبض عليه كما كنت أنتظر. وما حدث بعد ذلك أن الشرطي حاول إيقاظ الإسكافي دون جدوى. كان نومه ثقيلا. رتّب الشرطي الأغراض المبعثرة على عجل وعاد إلى عمله في وسط الشارع الخلفي وعلامات الانزعاج ظاهرة على محيّاه.

عادت الحركة طبيعية في الشارع, أما أنا فبقيت في مكاني أحدّق في الإسكافي حتى لاحظته يتململ في نومه ويفتح عينيه على مهل. تثاءب ثم نظر إلى ساعته ولملم أغراضه. نهض ومضى في طريقه دون أن يدري ما حصل أثناء نومه.

دخلت المحل على اثر دخول بعض الزبائن وأنا أضحك في سري لهذه الحادثة الطريفة.

 


 

سناء شباني