رحلة السندباد إلى قلعة عراد

 

 


رحلة السندباد إلى قلعة عراد

كان السندبادُ, في الزمن البعيد, يجوب الأقطار وهو يركب البحار, وكان علي بابا, في حكايات ألف ليلة وليلة, يمتطي بساط الريح في كل رحلة, أما أبو زيد الهلالي, وعنترة بن شداد, فقد كان لكل منهما فرس أو جواد, يضع عليه الزاد والعتاد, وينطلق من جبل إلى واد, أما سندباد العصر, فليس لديه سوى الطائرة, تحمله في رحلاتها المسافرة, وربما السيارة أو القاطرة, ونادرا ما يركب الزورق أو الباخرة. لذلك توقفت كثيرا في مطار المنامة عاصمة مملكة البحرين, أمام مشهد جميل, يمثل صيادين يجهزان الشباك, لصيد الأسماك, وقلت لاشك أن هذه الصورة تعكس جزءا من النشاط الذي مارسه أبناء البحرين, وهي الدولة العربية الوحيدة التي تشكل جزيرة, وتقع في قلب الخليج العربي, ولا يربطها بالبر سوى جسر الملك فهد, الذي يمثل حلقة وصل بينها وبين شبه الجزيرة العربية.

حين سألت عن البناء الجميل الذي شاهدته خلف الصيادين, قالوا لي إنها قلعة عراد. قلت الحمد لله, ها قد وصل السندباد إلى قلعة عراد. كنت متأكدا أنني شاهدتها من قبل, ولكنها كانت المرة الأولى التي أصل فيها إلى مملكة البحرين, فكيف حدث ذلك!! كان الجو خريفيا, تسقط رشات مطر خفيف, وحين وصلت إلى بوابة القلعة, عرفت أين شاهدتها. إنها القلعة التي كانت تغني أمامها المطربة العربية فيروز, وكثيرا ما رأيت حفلاتها على شاشة التلفزيون. فالمملكة تستفيد من الأماكن التاريخية في جذب الجمهور لعيش الحاضر والماضي معا. كما تعتزم وزارة الإعلام البحرينية مد خط بحري بين متحف البحرين الوطني وقلعة عراد لتسهيل زيارة هذه المنطقة الاثرية والتاريخية, وسيقام متحف للغوص واللؤلؤ بالقرب من القلعة.

عراد أرادوس

سميت قلعة عراد بهذا الاسم نسبة إلى أرادوس وهي التسمية القديمة لجزيرة المحرق ثم حُرّف بعد ذلك إلى عراد (إحدى قرى جزيرة المحرق والتي توجد بها هذه القلعة). وقد بنيت قلعة عراد خلال الفترة ما بين نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر تقريباً. تم استعمال قلعة عراد في العهد الفارسي كمحطة طرق, ومركز لتزويد الفرسان وخيولهم بما يحتاجون إليه. وأخيراً وبالتحديد في عام 1521م احتل البرتغاليون البحرين باستخدام أسطولهم البحري الموجود في عُمان (هرمز) وخلال فترة وجودهم استخدموا القلعة كحصن , وفي عام 1800م استولى العمانيون على البحرين بقيادة سلطان بن أحمد سلطان هرمز الذي عين أخيه سعيد بن أحمد واليا عليها فترة حكم الشيخ سلمان بن أحمد آل خليفة, واستخدم سعيد بن أحمد قلعة عراد مركزاً لحكمه وقيادته العسكرية, لأهمية موقعها الذي وفره لها البحر العميق القريب منها والذي يعرف اليوم باسم خليج عراد بالاضافة لموقعها قبالة الواجهة الجنوبية والشرقية من جزيرة البحرين والذي مكنها من حراسة وحفظ أمن سواحل هذه الواجهة من أي اعتداء خارجي.

القلعة المربعة

والقلعة مربعة الشكل فى كل زاوية يوجد برج دائرى به فتحات للرماية , والبرج الجنوبي الغربي المقابل للبحر أكبر هذه الأبراج وترتبط هذه الأبراج بممرات علوية بها فتحات صغيرة تستخدم للرماية عليها أنوف بارزة للخارج من اجل حماية الرماة .ولقد كان هناك خندق مائي يحيط بالجدار الخارجى للقلعة , وشيد جسر للعبور فوق الخندق المائي ويؤدي إلى القلعة . وقد كان هذا الخندق المائي يملأ بالمياه الجوفية العذبة التى كانت أيضا تزود القلعة بما تحتاج إليه من مياه . وكانت لها بوابتان تؤديان للقلعة وأماكن جلوس خلفهما فى موقع اختير بعناية بحيث يسمح للتيارات الهوائية التى كانت تحمل نسمات الهواء الباردة القادمة من ناحية البحر بالمرور من خلالها .وقد كان السرداب المؤدي للباحة الداخلية مزودا بتجويفين موجودين فى سقفه مما يسمح بتدلي دعامات كبيرة مصنوعة من الخشب أو من سيقان النخيل وإسنادها على بوابة القلعة لإعطائها مزيدا من المقاومة الأمر الذى يجعل من العسير على المهاجمين اقتحام القلعة من خلال تلك البوابة.

أسفرت أعمال التنقيب والاكتشاف عن وجود ثلاث طبقات أثرية تعود كل منها إلى فترة زمنية مختلفة. الطبقة الأثرية السطحية وتشكل بقايا بيوت مصيف عراد, والطبقة الأثرية الثانية وتمثل بيوتاً شيدت خلال فترة القرن الخامس عشر الميلادي, وذلك حسب الدراسة الأولية للأواني والقطع الفخارية, واكتشف في الجانب الشمالي والجنوبي أمام واجهة القلعة بئران للماء بلغ عمق كل واحد منهما 6 أمتار تقريباً, أما الطبقة الأثرية الثالثة فقد عثر بها على نماذج من الكسر الفخارية التي تعود إلى فترة حضارة دلمون.

وتؤرخ هذه الطبقة إلى 2300 قبل الميلاد, وربما تشكل بقايا مستوطن سكنه أهالى دلمون خلال هذه الحقبة التاريخية. وكشف التنقيب الأثري داخل القلعة عن وجود أساسات لمجموعة من الغرف تنتشر في حوش القلعة في الجانب الجنوبي والشرقي والشمالي, وتأكد من التنقيب أن الغرف التي تقع في الجانب الجنوبي تمثل غرف الخدمات ومنها المطابخ والمخازن.

كان يزور القلعة فوج من السياح, كما يحدث كل يوم, لم يمنعهم المطر من الاستمتاع بمشاهدة القلعة وما حولها, وخاصة بيت الشعر, أو الخيام التي تنصب ليقدم فيها التمر والقهوة للضيوف, وأخذ الصور التذكارية حتى يعودوا ليحكوا عن القلعة المربعة, وأيضا استطعنا معهم أن نرى الخليج والسفن المسافرة به, حتى حانت لحظة سفر السندباد, إلى بلد آخر!

 

 


 

أشرف أبواليزيد