أغرب رسالة عبر الهواء

أغرب رسالة عبر الهواء

رسوم: ممدوح طلعت

لكل إنسان هوايته الخاصة التي يقضي بها أغلب أوقاته, ويكون سعيدا وهو يمارسها.. ولا اعتقد أن أيا من أصدقائي له نفس هوايتي.

وعندما طلبت منا المدرسة (رجاء) أن نعرض عليها هواياتنا في حصة الأنشطة, فوجيء الجميع بألبومي الضخم, أشارت زميلتي (ناهد) إلى الألبوم, وهتفت:

ـ يا إلهي.. كل هذه طوابع!!

صاح زميلي أحمد نادر: بل هو ألبوم صور العائلة..

قلت بكل جدية: إنها عائلتي فعلا.. لكنني لم أعش مع أي من أفرادها..

وانبهر الجميع عندما شاهدوا صور الألبوم.. وراحوا يسألون (من هذا?), (من ذلك?) ثم توقفوا عند صورة شاب وسيم يضع يده على خده, هتفت (وفاء):

ـ عرفنا أن هذا الألبوم يضم صور أشهر العلماء العرب, والعالميين, إذن من هذا الشاب الوسيم?

قلت: إنه ماركوني..

اندهش الزملاء جميعهم, فهم يعرفون اسم (ماركوني) مخترع اللاسلكي, لكنهم لم يسبق لهم رؤية صورة له من قبل, قلت:

ـ أنا معجب بماركوني لأنه توصل إلى اختراعه الذي غير عصرنا تماما, وهو في سن الشباب.. في السادسة والعشرين..

أبدت المدرسة (رجاء) إعجابها بفكرة إعداد ألبوم يضم صور العلماء, وكان ألبومي يضم تحت كل صورة موجزا لتاريخ حياته, وأهم منجزاته العلمية, لذا اقترحت أن أقرأ على الزملاء ما دونته بنفسي عن هذا الشاب الوسيم, الذي انبهر به العالم.

ـ يضع البعض (ماركوني) واختراعاته في نفس مكانة (اديسون), فكلاهما قد انجز الكثير من المخترعات في سن صغيرة.

وماركوني مولود في بلدة (بولونيا) الإيطالية, في 2 أبريل عام 1874, لأب ايطالي وأم إيرلندية, وورث عن أبيه سرعة البديهة وخصب الخيال, وعن أمه حسن الصبر, والمثابرة, وإتقان اللغة الإنجليزية, فأمكنة الرجوع في سن صغيرة إلى مراجع مهمة بلغات عديدة.

وكان (ماركوني) تلميذاً متفوقاً منذ أن دخل المدرسة, واكتسب خبرة أفضل من زملائه, حيث كان دائم السفر بين بلده إيرلندا, والمدن الإيطالية وذات يوم عاد من السفر, وقال لأمه:

ـ كم اشتقت إليك أثناء السفر, وتمنيت لو تحدثت معك عن طريق الهواء.. في نفس اللحظة, نظرت الأم إلى ابنها, ولأنها تعرف خياله الواسع, قالت: لقد شطح خيالك إلى درجة الجنون.

ردد (ماركوني): أمي.. لقد فكرت أن أفعل ذلك من خلال التيار الكهربائي.

وأبدت الأم دهشة, راح الصغير يشرح لها أن الناس لا ترى الهواء, كما أنها لا ترى شحنات الكهرباء.. ولذا, فعندما بلغ الثانية عشرة من عمره راح يدرس الكهرباء, وأتت له أمه بأمهر المدرسين في المنزل كي يدرسوه علوم الطبيعة, وأحدث ما وصل إليه العلماء.

وراحت الأم تتابع ابنها, وترقبه.. تشتري له كل ما يطلب من أدوات كي يفهمها ويدرسها ويمكنه اكتشاف آفاق جديدة في مجاهل الكهرباء.

وذات يوم, قالت الأم لابنها:

ـ كم أنا مندهشة .. أنت ترفض دخول الجامعة, وتدرس في المنزل..

رد الابن: في الجامعة يدرسون الأساسيات.. وأنا الان وصلت إلى البر..

كانت العبارة غريبة, لم تكن تعرف أن ابنها قد توصل إلى معرفة هوية موجات تسبح في الجو اسمها الموجات الكهرومغناطيسية, وأنه درس خواصها فهي تتحرك بسرعة المسافات, لذا قال لأمه:

ـ الآن, سوف أرسل رسالة إلى جدي.. عبر الهواء..

كان الابن قد بلغ السادسة والعشرين, حدث ذلك في اليوم الثاني عشر من ديسمبر عام 1901, بدا (ماركوني) كأنه أعد عدته تماما من أجل محادثة جديدة عبر الهواء.. لكن التجربة هذه المرة لم تكن بين إيرلندا وإيطاليا, جلس الشاب أمام جهاز اللاسلكي الذي تمكن من تصميمه بعد سنوات أمضاها في البحث.

ومضت دقائق بدت طويلة كالسنوات, وهو جالس لا يتحرك, وقد ركز كل شعوره في الجهاز, وقد ثبت بالجهاز سلكا امتد عبر نافذة المعمل, ليصله بطائرة ورقية تتأرجح في الهواء.

فجأة, صرخ, وقال لمساعده (كامب) الذي كان يقف إلى جوار الأم:

ـ إنها الدقات الثلاث.

خيل إليه أنها دقات قلبه.. لكنها كانت الدقات المتعارف عليها, وأمكن للشاب أن يسمع أول صوت يأتي عبر الهواء, بعيدا عن الأسلاك.. وراح الثلاثة يبكون من الفرحة.

وبعد ثلاث سنوات أمكن (لماركوني) أن يرسل إلى أمه رسالة وهي في إيرلندا, عندما كانت تزور أسرتها.

حدث ذلك عام 1903, بعد أول رسالة لاسلكية رسمية تبادلها الرئيس الأمريكي روزفلت مع الملك ادوار في بريطانيا.

وبدأت مسيرة المليار ميل عبر الأثير, بخطوة واحدة مشاها (ماركوني).

سألني أحد الزملاء متى مات (ماركوني).. قدوتك?

قلت: مات في عام 1937 في ظروف غامضة.. لكن أمثال (ماركوني) لا يموتون, فاسمه على أغلب الأجهزة التي اخترعها, وأثره ينعكس في كل مكان, في الهواتف اللاسلكية المنتشرة في كل المدن, الآن. ولولا اختراعه ما امكن للمحطات الفضائية أن تتحدث إلى رواد الفضاء الذين يرحلون خارج الأرض, وإلى القمر, وفيما بعد إلى الكواكب البعيدة.

قالت المدرسة رجاء:

ـ هل تسمح لي بأن أحكي قصة طريفة عن (ماركوني)..?

وراحت تحكي, أنه عقب نجاحه في اختراع اللاسلكي, تمت دعوته إلى حفل كبير, راح راعي الحفل يقدمه إلى الناس قائلا:

ـ يسعدني أن أقدم لكم العالم الكبير.. ماركوني..

ولم يكن قد اقترب من الثلاثين بعد.. لذا احمر وجهه خجلا, وردد بكل تواضع:

ـ سيدي.. أنا لم أصبح كبيرا.. أنا مجرد مخترع صغير.

ثم اقترحت معلمتي على أصدقائي أن يقوموا بعمل ألبوم كألبومي.

ما رأيكم بأن تقوموا أنتم بنفس الشئ.

 

 


 

محمود قاسم