هيا إلى الحياة


هيا إلى الحياة

رسوم: محمد يونس

كل يوم يستيقظ عادل متأخرًا ويذهب إلى المدرسة متكاسلاً, يتمارض في بعض الأحيان فيوم صداع ويوم مغص شديد ويوم حرارة, لا يواظب على دروسه ولا يهتم إن جاءت نتائجه مرتفعة أو متدنية, وفي كل يوم يسمع النصائح نفسها, فمن أبيه يسمع: لقد تأخرت عن المدرسة والحياة لا تنتظر المتأخرين..., ومن أمه يسمع: التلميذ النجيب يحرص على دراسته حتى يحظى بمستقبل أفضل..., ومن المعلم يسمع: يا عادل طلب العلم هو عملك الآن حاول أن تغير من نفسك.

عادل لا يبالي بنصائح الناصحين, كل ما يرغبه أن يتركوه لشأنه, فماذا يحدث لو تأخر بعض الوقت ليحظى بدقائق نوم إضافية, وماذا يحدث لو تمارض وغاب وتابع أفلام الكارتون أو أمضى الوقت باللعب, تمادى عادل في إهمال الدراسة, ووصل به الأمر إلى القفز من سور المدرسة بصحبة بعض التلاميذ المشاغبين والمهملين, فقرر الناظر فصلهم جميعًا, تألم الأب لذلك القرار وقال لعادل: من المؤسف أن يتم فصلك من المدرسة بسبب إهمالك, لطالما نصحتك بالجد والاجتهاد ولكن...

تظاهر عادل بالحزن لقرار الفصل من المدرسة, لكن قلبه قفز فرحًا, فالمدرسة لم تعد راغبة بحضوره, وأخيرًا تحرر من قيود الدراسة ومتاعبها.

مضت الأيام الأولى لعادل وأمه غاضبة منه لا تحادثه إلا قليلاً, بينما يمضي هو الوقت لاهيًا لاعبًا ينام ويصحو متأخرًا, ولاشيء مفيدًا يفعله.

في أحد الأيام, سمع عادل أباه يقول: لقد تم فصلي أنا أيضًا من العمل, قال رؤسائي بأني لا أحمل شهادة تعليم عالية, وهم يرغبون بموظفين جدد يجيدون استخدام الأجهزة الحديثة في العمل.

قال عادل في قلبه: يا أبي ستعرف كم هو جميل أن يجلس الإنسان في المنزل يأكل, يشرب, ينام, يخرج يلهو ويعود, عندما تجرب ذلك ياأبي ستغدو سعيدًا مثلي!

مضت الأيام والأب يقلد عادل, سهر ونوم وطعام, يشاهدان التلفاز معا, يلعبان الورق, يخرجان ثم يعودان.

لاحظ عادل بعد حين أن الطعام المعد لا يكفي لهم جميعًا, والتلفاز والاضاءة غير مسموح بتشغيلهما دائما, سأل عادل: ما هذا التقنين ياماما?

أجابت الأم: ومن أين سندفع لكل هذا, هل نسيت أن أباك لم يعد يعمل?!

وبعد أيام نادى الأب عادل وقال له: لم يعد لدينا ما ندفع به إيجار المنزل, لقد اشتريت خيمة صغيرة وبعض الطعام وأوعية لحفظ الماء, سنذهب للعيش في البرية على أطراف المدينة.

دهش عادل وتساءل: ولكن كيف يا أبي? ومنزلنا! وأشياؤنا! وأصحابي!

قال الأب: للأسف انس كل ذلك, احزم حقيبتك ولنمض!

عندما شاهد عادل الطبيعة الجميلة شعر بالفرح لبعض الوقت, لكنه كان يرى أن المساء يحل سريعًا ويطول كثيرًا, ولا يوجد شيء يؤديه, فلا أصحاب يلهو معهم ولا تلفاز يشاهده ولا مراكز ترفيه يرتادها, بل ولا حتى سرير مريح ينام عليه, في كل يوم يستيقظ باكرًا ليجمع الحطب لأمه فتوقد النار, وتعد حليبًا وخبزًا فقط كل يوم للفطور والعشاء, أما الغداء, فلاشيء سوى العدس الذي أحضر منه والده كمية كبيرة وقال إنها تكفيهم للشتاء القادم.

ضاق عادل ذرعًا بالحياة الجديدة, وتمنى لو أنه كان في منزله حيث يشعر بالدفء والأمان, فالجو قارس البرودة في المساء, شديد الحرارة بالنهار, كلما هبت الريح خشي أن تقتلع الخيمة الصغيرة, كما لا ينسى الحشرات التي تطن فوق رأسه كل مساء, وصاح ذات يوم: هل يمكن أن نعود لمنزلنا, أو نبحث عن منزل آخر? أجابت الأم: ولماذا نعود, الحياة هنا جميلة, أنا أصبحت مثلك أحب اللهو والنوم والطعام فقط, لاشيء يستدعي عمله هنا!

وسأل عادل: لماذا لا يذهب أبي للبحث عن عمل آخر?

وقالت الأم: وكيف يبحث عن عمل وكل أصحاب الأعمال لا يرغبون بأن يعمل لديهم من ليس لديه شهادة تعليم عالية, ويعرف كيف تعمل الأجهزة, وكيف يتمكن من التحكم بها, هذا هو المكان الأفضل لمن لم يتم تعليمه, بالرغم من أن تحصيل والدك العلمي أفضل بكثير من تحصيلك الذي توقف!

وقال عادل مرة أخرى: ولكن ماذا يعني هذا يا أمي هل سنعيش في هذا المكان إلى الأبد?! مضت أيام قليلة وأنا أشعر بالضيق والملل!

تدخل الأب بالحديث عندما دخل الخيمة وقال: لم تمض سوى أيام وتشعر بالضيق, يا عادل يجب أن تعرف بأننا لن نغادر هذا المكان, ولن نرى أضواء الحياة المتقدمة, سنظل عند نور مصباح الزيت هذا, وتحت ظل هذه الخيمة!

توسل عادل لأبيه قائلاً: أرجوك يا أبي اذهب وابحث عن عمل آخر, ربما وجدت من يرغب بأن تعمل لديه.

قال الأب: ولماذا أعمل? أنا مرتاح هنا جدا, وأمك أيضًا مرتاحة وأحبت هذا المكان!

صاح عادل محتجًا: أنا لست مرتاحًا! أعمل من أجلي يا أبي!

دُهش الأب وأجاب: أنت لست مرتاحًا, اعمل من أجلك! وماذا عملت أنت من أجل نفسك? ماذا عملت من أجل أن تكون مرتاحًا سعيدًا في مستقبلك? كل ما كان عليك هو أن تهتم بدراستك وتجتهد فيها, لكنك فضلت الراحة الزائفة على ذلك!

وقالت الأم: إذا لم تحب الحياة هنا فهذا شأنك, سيأتي يوم وتكبر فيه, وستظل دائمًا لا أحد يرغب بأن تعمل لديه أو معه لأنك لا تحمل مشعل العلم, لقد أطفأت مشعلك مبكرا جدا, لذلك أصبحت ترانا الآن نعيش في هذه الظلمة وبهذا التعب!

شعر عادل بالخجل من نفسه, وفكر كثيرًا ولم ينم ليلته وفي الصباح أعلن اعتذاره لأبيه وأمه وسأل: هل يمكن أن تساعداني على العودة للمدرسة, أنا أريد حياة أفضل, ومادام العلم يأتي بالعمل فأهلاً بالعلم.

قال الأب: هذا أجمل كلام قلته يا عادل, ولقد وعدني صاحب العمل بأن يعيدني للعمل صباحًا ولديه شرط أن ألتحق بالمعاهد المتخصصة مساء حتى أتقدم في عملي وحياتي.

صاح عادل وهو يقبّل والديه: إذن هيا, هيا إلى الحياة.

 

 


 

لطيفة بطي