قاطرة الخيال
|
قاطرة الخيال
رسوم: صفاء نبعة لجدي منصور حكايات عجيبة, يقصها علينا بأسلوبه الشائق عندما يزورنا كل صيف في ضيعتنا, ولذلك فنحن ننتظر تلك الزيارات بفارغ الصبر, ونطلب منه الحكايات, فينظر إلينا مبتسمًا, ثم تلتمع عيناه ببريق ساحر, وتبدأ الحكايات في التدفق كأنها شلال ينساب برقة وعذوبة.. قال جدنا منصور: - هل تعرفون كيف أتيت إليكم?! وقبل أن نجيب, قال جدنا: - أتيتُ إليكم بالطائرة.. هل سبق لكم أن ركبتم الطائرة? ولأنه يعلم تمامًا أننا لم يسبق لنا ركوبها, فقد أخذ يحدثنا عن الطائرات, وعن حلم الإنسان بالطيران, والانتقال عبر الفضاء لعوالم أخرى غريبة وعجيبة ربما أكثر نقاء, وأرحب اتساعًا من عالمنا الذي نعيش فيه. ثم حدثنا جدنا بعد ذلك عن وسائل أخرى للترحال يفضلها الناس لاختلاف طبائعهم وميولهم. لكن جدي فاجأنا بحديثه عن أفضل وسيلة للترحال فقال: - هل سافرتم من قبل بقاطرة الخيال?! ولأنه يجد متعة كبيرة في الحكي تمامًا مثلما نجد نفس المتعة في الإصغاء, لذا فإنه لم ينتظر كعادته تعقيباتنا الطفولية على حكاياته بل اكتفى بنظرات الفضول الجارف في أعيننا.. واسترسل قائلا: - إنها أحسن وسيلة للسفر والترحال, ودون تكلفة أو عناء, ستشعر بمتعة شديدة, المسألة لا تحتاج منك سوى أن تترك نفسك حين تشرد وتسرح بذهنك, فتأتيك قاطرة الخيال بلونها الوردي, وعرباتها الفخمة الفارهة, فتركبها دون خوف, وليس هناك أي دواعٍ لربط أحزمة الأمان, فقاطرة الخيال آمنة جدًا لذا لا توجد بها أحزمة أمان, كل ما عليك أن تسترخي في الكرسي الوثير, وتنظر من النافذة أثناء إقلاعها, وتتمتع بما تشاهد, ولا حرج عليك مطلقًا أن تسجل ما تراه, وتحكيه بعد ذلك لأصدقائك في النادي ولزملائك في المدرسة, وربما تدعوهم بعد ذلك لمرافقتك في إحدى الرحلات بقاطرة الخيال. هيا استعدوا.. فقاطرة الخيال على وشك المجيء. كل ما أذكره أنني استرخيت في مقعدي, وسرحت بذهني, وشعرت بأني انفصلت تمامًا عن عالمي, وتناهت لمسامعي أصوات موسيقى تصدح, كانت هامسة وهادئة, تتسلل داخل روحي, ونظرت, فوجدت قاطرة الخيال تقف في حديقتنا, بلونها الوردي الرائع, واقتربت من بابها, ففتح لي قزم لطيف ظريف, ابتسم لي وأعطاني زهرة, وأغلق الباب بعدما ركبت, ثم أجلسني بجوار نافذة ذهبية, تطل على سماء بنفسجية مليئة بمئات من النجوم الضاحكة, التي راحت ترقص على صوت الموسيقى المنبعثة من القاطرة, ومددتُ يدي من النافذة وأمسكت بنجمة صغيرة كانت تضحك, وتلعب مع صديقاتها النجمات قالت النجمة: - تعال لتلعب معنا! وخرجت من النافذة للفضاء, وكأني أطير.. كنتُ خفيفا جدا بالفعل أنا أطير, وأطارد النجمة الصغيرة, التي راحت تصنع من ضوئها دوائر من نور. أطارد النجمة الصغيرة, وأقترب من القمر الضحوك, الذي راح يغمز لي بإحدى عينيه. فرد القمر ذراعه, فأخذت النجوم تجري نحوه, وهي تدور في حلقات, واندفعت في حضن القمر, الذي أخذ يلملمها, واحدة واحدة, قائلاً: - أمنا الشمس قادمة, حان وقت النوم.. هيا يا نجماتي. ومع أول خيط لضوء الشمس, كان القمر قد لملم كل النجوم, واستدار لي ملوّحا بيده مودعًا, وهو يغمز بإحدى عينيه, ومع الخيط الثاني لضوء الشمس كان القمر يختفي رويدًا رويدًا, بينما القزم اللطيف الظريف الذي فتح لي باب قاطرة الخيال, ينادي عليّ منبهًا بضرورة الرجوع للقاطرة. وقبل أن أجلس على مقعدي الوثير بجوار النافذة الذهبية بقاطرة الخيال, كانت الموسيقى تنبعث في مرح, وصوت جميل حنون يغرد في أذني مناديًا: - لقد وصلنا. كان صوت جدي ويده تربت على كتفي, وقبل أن أفيق, قال جدي: - إلى أين أخذتك قاطرة الخيال?! نظرت لجدي, وابتسمت, وقبل أن أجيبه, قال جدي وهو يبتسم: - عمومًا.. رحلة سعيدة!
|