صورة تذكارية في بيت الخليفة


صورة تذكارية في بيت الخليفة

عدسة: أشرف أبواليزيد

كان الجو حارًا ونحن نتجه إلى متحف بيت الخليفة في مدينة أم درمان قرب مدينة الخرطوم عاصمة جمهورية السودان, وتمنيت أن يكون ذلك المتحف مكيفا, أو على الأقل به مراوح, أجلس تحتها, وأنا أشاهد محتوياته. وما إن دخلت, حتى غمرني برد كأن النسيم يمرح في أركان المتحف. بحثت عن مصدر الهواء, فلم أجد مكيفاً ولا مروحة, إنه هواء طبيعي, يمضي في مسارات تبدأ من النوافذ عبر الغرف والأبواب التي صممت جميعها, في البيت ذي الجدران العالية, لكي تحمي الساكنين من حر الصيف. وسعيت لأخذ صورة تذكارية في بيت الخليفة وأنا أسأل نفسي: هل هذا هو الهواء الذي تأتي به الرياح أم أنه النسيم الذي ينقله لنا التاريخ?

تتكون مدينة الخرطوم من مدن ثلاث, هي:(الخرطوم) وتسمى الخرطوم عموم, و(أم درمان) وهي العاصمة الوطنية, و (الخرطوم بحري) وهي العاصمة الصناعية, لذلك يطلق عليها (العاصمة المثلثة). وتقع الخرطوم عند ملتقى النيلين الأبيض والأزرق في منظر يشبه خرطوم الفيل, وربما يكون ذلك هو سبب التسمية الغريبة.

نحن الآن في مدينة أم درمان الغنية بالآثار ومنها متحف بيت الخليفة, وكان يقطنه الإمام محمد أحمد المهدي, وهذا البيت نفسه كان في السابق مقرا لسكن الخليفة عبد الله التعايشي إبان الدولة المهدية وخليفة قائد الثورة المهدية الامام محمد احمد المهدي, وقد شيد المبنى عام 1887م على يد المعماري الإيطالي بيترو كما تم تشييد الجزء الملحق به والمكون من طابقين عام 1891م, وقد تم تحويل المنزل الى متحف تاريخي عام 1928م, وهو يحتوي على العديد من المقتنيات النادرة لتلك الحقبة كما يشتمل على مقتنيات تعود الى ما قبل الدولة المهدية. ويعرض المتحف صوراً من المقاومة, وتماثيل عليها أزياء الجنود, وعملات نادرة, ومدافع, وأواني وأدوات معدنية كانت تستخدم بالمسكن, فضلاً عن السرير الخاص بالشيخ, والأريكة التي كان يجلس عليها ليحدث الناس.

ولد محمد أحمد المهدي في جزيرة (لبب) بالقرب من مدينة دنقلا عام 1250 هجرية (1844 ميلادية) لأسرة متدينة, تعمل في صناعة المراكب. وما لبثت الأسرة أن هجرت موطنها عام 1850م متجهة جنوباً إلى أن استقرت في العاصمة الخرطوم مركز الحكم التركي المصري آنذاك.

وأُرسل الفتى محمد منذ نعومة أظفاره إلى الخلوة ليتعلم القرآن الكريم ومبادئ القراءة والحساب مع أقرانه, وحين بدأ ارتحاله لطلب العلم أراد السفر إلى مصر للدراسة في الأزهر الشريف لكنه تحول في الطريق واستقر بالقرب من مدينة (بربر) شمال السودان, وهناك تلقى قسطاً وفيراً من العلوم الشرعية, وانضم إلى بعض الطرق الصوفية, وتعمق في قراءة ودراسة كتب الصوفية, فقرأ للإمام الغزالي (إحياء علوم الدين) وتأثر به جدا, كما قرأ لمحيي الدين بن عربي وغيره من أعلام التصوف وانهمك في العبادة ونزعت نفسه إلى الخلوة والزهد.

ثم انقطع بعد ذلك للعبادة واختار جزيرة في النيل الأبيض اسمها جزيرة (أبا) وهي التي أصبحت فيما بعد منطلقا لدعوته, وفيها زاد إقبال الناس عليه لاشتهاره بالزهد والورع. وقد كانت ظروف السودان في تلك الآونة وما كان يعانيه السودانيون من جور التدخل الأجنبي بيئة خصبة لانتشار دعوة الإمام محمد - الذي سمى نفسه (المهدي) - للاستقلال.

واستطاع (المهدي) أن يوحد السودانيين خلفه, وانتقل بهم من نصر إلى نصر, وسقطت مدن السودان تباعاً تحت حكمه, ففي عام 1883م سقطت مدينة (الأبيض) أكبر مدن غرب السودان في يديه بعد حصار طويل ومعارك طاحنة, وبسقوطها قطع الثوار الطريق بين الخرطوم ودارفور, ثم انضم شرق السودان إلى (المهدي) بقيادة عثمان دقنة أحد زعماء قبائل البجة التي تقطن شرق البلاد, وقد عينه (المهدي) قائداً للشرق. وكان سقوط الخرطوم عام 1884م ودخل (المهدي) وأنصاره الخرطوم وقتلوا القائد الإنجليزي (غوردون) الذي أراد القضاء على هذه الثورة.

 


 

أشرف أبواليزيد