قصص أندرسن الخرافية الشعبية


قصص أندرسن الخرافية الشعبية

تذكرتها: بسمة الخطيب

رسمتها: نجاح طاهر

ولد هانس كريستيان أندرسن عام 1805 في بلدة صغيرة في الدنمارك تسمى أودنس.

كان والده إسكافيًا فقيرًا وأمه غسّالة. عندما بلغ 11 عامًا من العمر توفي الوالد واضطر الفتى أندرسن إلى الخروج للعمل. عمل صبيًا لدى خياط ولدى حائك ثم أجيرًا في مصنع... وفي كل مكان كان يعامل بخشونة واحتقار.

خلال هذه الطفولة التعيسة كان هناك شيء واحد جميل, وهو الاستماع إلى القصص الخرافية ثم قراءة الأدب والشعر والمسرحيات.

انتقل أندرسن إلى العاصمة الدنماركية كوبنهاجن, ليعمل في أحد مسارحها ثم اكتشف أصحابه أن لديه صوتًا جميلاً فصار مغني سوبرانو لفترة, لكن سرعان ما أصيبت حنجرته بمرض وامتنع عن الغناء. ثم عاد إلى المسرح من جديد ليلقي قصائده الخاصة.

في كل مكان وجد أندرسن نفسه مختلفًا وغريبًا. فانصرف إلى القراءة والكتابة ووجد في القصص الخرافية متعة العودة إلى الطفولة والإبحار في أزمنة وأمكنة خيالية. فيما بعد جمع كلّ تراث إسكندنافيا من هذه القصص, تكريمًا لها وتخليدًا لقيمتها, وهي اليوم الأكثر شهرة وانتشارًا في العالم.

هديتنا لكم هذا الشهر هي مجموعة من أشهر قصص أندرسن, لنحتفل وإياكم بأندرسن وقصصه الخلابة ونغني مكتبتنا بها.

فرخ البط القبيح

كان يا مكان, في مزرعة بعيدة تحيطها البحيرات وحقول قصب السكر, كانت إحدى البطات تحتضن بيوضها في انتظار أن تفقس.

ويوم آن الأوان راحت فراخها تكسر قشور البيوض وتخرج تباعاً, وكان كل فرخ منها أجمل من السابق.

قالت الفراخ وهي تنظر حولها: (ويص ويص! كم أن العالم هنا كبير! أكبر بكثير من البيضة)!!

ضحكت البطة الأم ووضحت: (بل إنه أكبر بكثير مما ترون! هناك مساحات شاسعة خلف هذه البحيرات والهضاب).

تلفتت الأم حولها فوجدت أن إحدى البيوض لم تفقس بعد. كانت هذه أكبر البيوض على الإطلاق. منذ البداية كانت البطة محتارة في أمر هذه البيضة الكبيرة, والآن ها هي حزينة لأجلها, ظنت للحظة أن الفرخ الذي داخلها قد مات.

لكن بعد دقائق تحركت البيضة الكبيرة, وتكسرت قشرتها ليخرج منها فرخ غريب الشكل, رمادي اللون, لا يشبه إخوته الفراخ أبدًا.

مشت البطة وصغارها في المزرعة فسارعت الحيوانات لتهنئتها. لكن الجميع دهشوا من الفرخ الرمادي الغريب وصاحوا: (انظروا إليه! كم هو قبيح!).

أما البطة العجوز الحكيمة والتي كانت تستشيرها طيور المزرعة فقد قالت: (إنه لا يمكن أن يكون فرخك أيتها البطة! دعيه وحده).

عندها هجم فرخ أوز على فرخ البط القبيح وعضه برقبته وحاول طرده من المزرعة, لكن البطة دافعت عن صغيرها المسكين وقالت: (لا تقترب منه! إنه غير مؤذ) وهكذا كان الفرخ القبيح يتعرض كل يوم للضرب والسخرية والإهانة.

حتى أن إخوته كانوا يرفضون اللعب معه. لذلك قرر مغادرة المزرعة على الرغم من خوفه من العالم الكبير حوله. انطلق فرخ البط القبيح حزينًا خائفًا خارج المزرعة, إلى أن وصل إلى بحيرة تشرب منها أسراب البط البري. ثم فجأة سمع صوت إطلاق نار وسمع ذكر بط بري يقول: (إنهم الصيادون, لنختبئ بسرعة!).

سقط طائر قرب فرخ البط القبيح وكان مصابًا برصاصة. حاول الفرخ مساعدته لكن خلال ثانية رأى كلبًا يقفز من بين نباتات القصب ويلتقط الطائر الجريح مبتعدًا به.

بعد ذهاب الكلب ظهرت بطة برية وقالت: (يا إلهي حتى الكلب خاف من قبحك ولم يأكلك!!).

حزن الفرخ لقولها لكنه عاد وشكر الله لأنه نجّاه من الكلب ومن الصيادين وتابع مسيره.

مشى الفرخ ومشى.. إلى أن وجد شجرة توت فقرر أن يرتاح تحتها. بعد قليل وجد امرأة عجوزًا تحمله بيديها وتقول له: (أرجو أن تكوني أنثى لتبيضي لي البيض اللذيذ).

حملته المرأة إلى بيتها وراحت تنتظر أن يبيض. كانت دجاجة وهر يعيشان مع العجوز, لكنهما كانا مغرورين وقحين, عاملا الفرخ باحتقار.

بعد ثلاثة أسابيع, قالت العجوز: (إذن أنت ذكر لن تبيض أبدًا! سأذبحك وأحشوك بالأرز والخضار).

في تلك الليلة قرر الفرخ الهرب. كان الهر المغرور يظن أن لا أحد يستطيع المغادرة من دون إذنه, لذلك ترك باب البيت مفتوحًا,

فغافله فرخ البط وهرب.

كان الشتاء قد حل والبرد دفع الطيور إلى الهجرة. لم يجد فرخ البط طائرًا واحدًا في طريقه. هبت عاصفة وتساقط الثلج, وقع الفرخ أرضًا وتجمد تحت الثلوج.

لحسن حظه وجده فلاح طيّب فأخذه إلى بيته حيث سقاه الماء وأطعمه.

عندما هدأت العاصفة وظهرت خيوط الشمس الجميلة خرج أبناء الفلاح ليتمتعوا بها, وأخرجوا الفرخ معهم ليلاعبوه. لكن الفرخ القبيح خاف منهم وظن أنهم سيضربونه كما يفعل الباقون. طار من الفزع وحط في وعاء الحليب عندها صاحت زوجة الفلاح ولاحقت الفرخ لتضربه, فوقع فوق كيس الطحين, لحقه الأولاد لمساعدته لكنه خاف منهم أكثر وطار بكل قوته إلى خارج البيت.

بعدما اغتسل عند ضفة البحيرة جلس بين نباتات القصب ونام عميقًا.

مضت أيام والفرخ يعاني من البرد والوحدة لكن نسائم الربيع بدأت تهب ففرح الفرخ بها. بينما هو مستلق بين نباتات القصب رأى ثلاثة طيور بيضاء ناصعة جميلة تسبح في البحيرة, إنها طيور البجع!

أجمل الطيور. راح الفرخ يحلم لو أنه جميل مثلها, لكنه تذكر كل ما عاناه في حياته وقرر أن يسبح نحو هذه البجعات التي ستقتله عندما تراه وتريحه من قبحه

كان الجو جميلاً ورائحة الأزهار تفوح في كل مكان, اقترب الفرخ القبيح من البجعات وانتظر أن تضربه.

لكنها لم تفعل, فاستغرب من الأمر ونظر إلى المياه تحته عندها لم يصدق ما يراه!

إنه لم يعد قبيحًا أبدًا!! إن ريشه الرمادي قد تبدل بريش أبيض!! آآه!! إنه ذكر بجع جميل وليس ذكر بط.

راح يسبح مع البجعات بسعادة, ثم سمع أطفالاً يقولون: (انظروا هناك طائر جديد! إنه أجمل من الثلاثة وأكثر قوة وشبابًا).

قال ذكر البجع لنفسه: (لا يهم أن تكون قد ولدت في بيت بط مادمت قد خرجت من بيضة بجعة... ففي النهاية تظهر حقيقة الأشياء).

الأميرة وحبة البازيلاء

كان يا مكان في قديم الزمان, كان هناك أمير وسيم وطيّب يبحث عن أميرة متعلمة وذكية وطيبة ليتزوج منها. بحث الأمير في كل البلدان والممالك وقابل أميرات كثيرات لكنهن كن إما مغرورات أو طماعات أو مزيفات.

في إحدى ليالي الشتاء العاصفة طرق باب القصر فتساءل الجميع: (من يقصدنا في مثل هذا الليل?).

كانت تلك أميرة شابة تحطمت عربتها في العاصفة وقصدت القصر طلبًا للمساعدة والمأوى.

سألتها الملكة: (هل أنت حقًا أميرة?).

أجابتها الأميرة: (نعم).

لكن الملكة قامت وهمست في أذن ولدها الأمير:

(سترى إن كانت صادقة, فإن كانت أميرة حقًا سأخطبها لك).

ابتسم الأمير لأمه فهو أيضًا يفكر بخطبة الزائرة الجميلة وتمنى أن تكون أميرة حقًا, لكنه لم يفهم كيف ستعرف أمه الملكة إن كانت أميرة حقيقية أم مزيفة.

دلت الملكة الأميرة على الغرفة التي ستنام فيها. في تلك الغرفة كان يوجد أغرب سرير في العالم, سرير فوقه عشرون لحافًا.

كانت الأميرة ذكية وقد قرأت الكثير من الكتب وسمعت الكثير من الحكايات, ففهمت بم تفكر الملكة. بعدما نامت نومًا عميقًا استيقظت في الصباح نشيطة, وخرجت لتناول الفطور مع العائلة الملكية. سألت الملكة الأميرة: (هاه هل نمت جيدًا?).

الأميرة: (في الحقيقة لم أستطع النوم, كنت أشعر أن شيئًا ما تحت فراشي!).

صاحت الملكة بسعادة: (إذن أنت أميرة حقيقية لأنني وضعت لك حبة بازيلاء تحت العشرين لحافًا, لا أحد يشعر بها إلا من يكون حساسًا ومرهفًا كما هم الأمراء الحقيقيون).

طلب الأمير الزواج بالأميرة الحساسة فوافقت في الحال لأنها كانت أيضًا معجبة به ومرتاحة إليه. أقيمت احتفالات الزفاف ووضعت حبة البازيلاء في المتحف الملكي, ومازالت فيه إلى اليوم, فبسببها ولدت قصة حب بين الأميرين الشابين وبسببها ولدت هذه الحكاية.

ثوب القيصر الجديد

في زمن بعيد وفي مملكة بعيدة, عاش قيصر ثري جدًا لكن أهل مملكته كانوا فقراء.

كان القيصر يعشق الملابس وينفق معظم مال المملكة عليها, ويقال إنه كان يرتدي كل ساعة ثوبًا جديدًا. كان القيصر يجول بين أفراد شعبه ليروا ملابسه الخلابة, ويعجبوا بها, وهو كان يحب كثيرًا عبارات الإطراء والمديح, لذلك كان الكثير من الناس يأتون من البلدان المجاورة ليتفرجوا على عروض أزياء القيصر.

في أحد الأيام سمع رجلان محتالان عن هذا القيصر المهووس, فأتيا إلى المملكة بعدما دبرا خطة للاحتيال عليه.

بينما القيصر يستمع إلى عبارات الإطراء من تجار السوق تقدم أحد المحتالين وقال: (أيها القيصر العظيم, كم أنك أنيق! وكم هي رائعة هذه الملابس...ولكن...).

صاح الملك مستغربًا: (ولكن ماذا?? أكمل? ماذا ينقص ملابسي?).

قال المحتال: (ينقصك أجمل قماش على وجه الأرض, القماش المصنوع من خيوط الشمس والقمر, القماش السحري الذي يكشف لك من هو الكاذب والخائن والغبي...).

سأل القيصر: (كيف يكشفهم?).

أجاب المحتال الثاني: (إن كل خائن وغبي لا يستطيع رؤية هذا القماش وهكذا يمكنك

أن تكتشف من هم الخونة, ومن هم الأغبياء في حاشيتك ومملكتك أيها القيصر! لكن...).

صاح القيصر:(لكن ماذا مجددًا??).

أضاف الرجل: (لكن ثمن القماش باهظ جدًا).

أمر القيصر بسبائك الذهب وأكياس الماس للرجلين اللذين طلبا آلة غزل لصنع هذا القماش السحري.

راح المحتالان يمدان أيديهما إلى أشعة القمر ليلاً وأشعة الشمس نهارًا ويدعيان أنهما يغزلان خيوط الشمس والقمر ثم يدعيان أنهما يقصان ويخيطان القماش.

وفي الحقيقة ما كانا يصنعان أي قماش, ولكن من يجرؤ على القول إنه لا يرى القماش?!

حضر الوزير ليرى القماش, كاد يصيح: (إنهما خاليا اليدين!) ثم تذكر أن من لا يرى القماش يتهم بالخيانة أوالغباء, لذلك

صمت وقال للخياطين: (كم هو قماش رائع!).

كل من رأى الخياطين يعملان, لا يجرؤ على القول إنه لا يرى القماش, إلى أن حضر القيصر ليرتدي الثوب المصنوع من أشعة الشمس والقمر.

اقترب المحتالان من القيصر وطلبا منه أن يرتدي الثوب الخلاب الجديد, فارتبك القيصر وأصابه الذهول, قال في نفسه: (أووه هل أنا غبي حتى لا أرى الثوب?).

ثم ابتسم القيصر كي لا يلاحظ أحد ارتباكه, وخلع ملابسه ليرتدي الملابس الجديدة. صاحت الحاشية: (يا له من ثوب خلاب! كم يليق بك! مبروك أيها القيصر تبدو رائعًا!).

وهكذا خرج القيصر في ثوبه الجديد بين الناس الذين أتوا من كل مكان لرؤية ثوب القيصر الجديد العجيب, وقد تجمّدوا في أماكنهم للحظة وهم يرون القيصر يمشي عاريًا, إلى أن صاح طفل:

(انظروا إن القيصر عار!).

عندها صاح الناس: (نعم نعم القيصر لا يرتدي شيئًا)....تعالى الضحك والسخرية في كل مكان: احمرّ القيصر خجلاً, لكنه قرر متابعة السير وأقسم أن يقتل الخياطين المحتالين, لكن جميعنا يعلم أنهما هربا مع الذهب والماس إلى مكان بعيد وهما يضحكان من القيصر وثوبه الجديد.

الحورية الصغيرة

في أعمق أعماق البحار, بعيدا جدًا, حيث الماء صاف كالبللور والمرجان بأبهى الألوان... حيث لا يصل إنسان أو مرساة سفينة, هناك كانت تعيش بنات ملك البحار, الحوريات الست الجميلات المؤدبات, مع أبيهن الملك وجدتهن الحكيمة في القصر البهيّ المرصع بالأصداف, والمحار واللالئ الرائعة.

وفي عالم البحار, كان من الممنوع على الحوريات الصعود إلى سطح البحر, إلا إذا بلغن الخامسة عشرة من العمر, ولم تعرف أعماق البحار حورية شغفت بعالم ما وراء البحار والبر كحورية البحر الصغيرة, أصغر الحوريات الست.

كانت تنتظر أن تبلغ الخامسة عشرة بفارغ الصبر, وتغبط أخوتها اللواتي يصعدن إلى سطح البحر.

إلى أن أتى اليوم الموعود, وأتمت الحورية الصغيرة السنوات الخمس عشرة واستعدت للصعود إلى سطح البحر.

ارتدت أجمل ما لديها من عقود وزينت شعرها وحراشفها وانطلقت بشغف كبير, وأخيرًا هاهو العالم حولها, عالم جديد طالما حلمت به! السماء والنجوم والقمر واليابسة التي لم تعرفها طوال حياتها. ثم لمحت سفينة كبيرة غريبة مزينة اقتربت منها ورأت فوق متنها مجموعة من الشبان والشابات يحتفلون ويغنون وبينهم أمير شاب وسيم يبتسم بهدوء, ويسرح في الأفق البعيد...شعرت الحورية أنها تعرف هذا الشاب وأنها رأته في أحلامها, لذلك فقد بقيت تراقبه وقلبها يخفق بشدة.

حلّ الظلام ونام جميع أصدقاء وحاشية الأمير, وحده هو بقي جالسًا يراقب النجوم والبحر, وكأنه يبحث عن شيء ما. وكانت القناديل البحرية تطلع إلى سطح البحر فيبتسم لها الأمير ثم وقعت نظراته على عيني الحورية, فاختبأت بسرعة,إلا أنها كانت متأكدة أن الأمير لمح عينيها.

في الصباح هبت عاصفة مفاجئة, وراحت تدفع السفينة يمينًا وشمالاً ثم قلبتها في البحر ووقع كل من فيها وهم يصرخون ويطلبون النجدة, أما الحورية الصغيرة, فما كان يهمها سوى الأمير, سبحت نحوه وانتشلته من الغرق, وسبحت به إلى الشاطئ, بعد قليل حضر صيادون ونقلوا الأمير إلى قصره المطل على الشاطئ.

وبقيت الحورية عند الشاطئ مختبئة خلف صخرة تنتظر الاطمئنان على صحة الأمير وحياته.

بعد أيام من الانتظار ظهر الأمير على شرفة قصره واطمأنت الحورية على سلامته, فعادت إلى قصر أبيها. بقيت الحورية صامتة حزينة, فعرف الجميع أن بها خطبًا ما, ثم اعترفت لأخواتها أنها مغرمة بأمير شاب, وتتمنى لو تحصل على ساقين بدل ذيلها وتعيش معه فوق البر.

ذهبت الحوريات إلى الساحرة, وطلبن منها حلاً لمشكلة أختهن الصغيرة, فقدمت لها حلا صعبًا: يمكنك الحصول على ساقين لكن عليك إعطائي أغلى ما لديك, لسانك الذي يشدو بأجمل الأصوات). لم تستطع الحورية أن ترفض وضحت بأغلى ما لديها لأجل أميرها, لكن الساحرة أفهمتها أن عليها أن تتزوج الأمير لتعيش معه للأبد. أما إذا أحب غيرها, فإن ليلة زفافه ستكون آخر ليلة في حياتها. ومع ذلك, قبلت الحورية الشرط, وأخذت الدواء السحري من الساحرة, وصعدت إلى سطح البحر بينما أخواتها يبكين لفراقها.

عندما وصلت إلى الشاطئ, غسلت الحورية حراشفها بالمسحوق, فتحول ذيلها إلى ساقين, لكنها لم تستطع أن تتكلم وتذكرت أنها صارت من دون لسان.

عثر الأمير على الشابة الجميلة على الشاطئ, وظن أنها خرساء, فعطف عليها وأخذها إلى قصره لتقيم مع عائلته. كان الأمير يحب المشي برفقة الحورية والتحدث إليها, وهو يعرف أنها لن تشي بأسراره لأحد, وذات ليلة, قال لها إنه رأى يومًا في عرض البحر أجمل عينين وأنه منذ ذاك اليوم يحلم بصاحبة هاتين العينين, وأنه لابد أن يجدها, وإن في آخر العالم, لم تستطع الحورية أن تقول إنها هي التي أنقذته في تلك الليلة, لكن سقطت دمعة حزينة منها فقط.

وبعد فترة, اعترف الأمير للحورية أنه سيتزوج قريبًا وأنه عثر على الفتاة التي طالما أحبها في مملكة وراء البحار.

ذهبت الحورية إلى الشاطئ تراقب المياه الجميلة, وتبكي شوقًا لأهلها. ثم ظهرت أخواتها فحكت لهن ما حصل معها, وأن الأمير سيتزوج وهي ستموت ليلة زفافه. سارعت الحوريات إلى الساحرة يطلبن المساعدة, وعدن إلى أختهن ومعهن خنجر, قلن لها إن عليها أن تقتل الأمير وتدع دماءه تبلل ساقيها, لتستعيد ذيلها, وإن لم تفعل ستموت بلاشك.

ليلة زفاف الأمير, وبينما المملكة بأسرها تحتفل, والأمير سعيد بعروسه الجميلة, أمسكت الحورية الخنجر ورمته في البحر, وانتظرت عند الشاطئ وحيدة أن تموت بهدوء.

في الصباح التالي, استيقظت الحورية فوجدت نفسها تطير فوق الغيوم وهي ترتدي الملابس البيضاء, أين أنا? تساءلت: اقتربت منها فتاة بالأبيض أيضًا.

وقالت لها: لقد صرت من بنات الريح وستنتقلين من سماء إلى أخرى, وتنشرين الريح والمطر والنسائم فوق البر والبحر.