بيتنا الأرض


بيتنا الأرض

ساعة دقيقة.... باتساع حديقة

ليست هي أكبر ساعة في العالم, لكنها من أكبر الساعات, وحتى نراها لابد أن نرجع لأكثر من قرنين في الزمان. تصوروا. نحن الآن في القرن الثامن عشر نقف مع عالم نباتات أوربي اسمه كارل لينوس. نطل من شرفة قصره على حديقة واسعة مليئة بالزهور والنباتات المختلفة. هو يمسك بمنظار وليس معه ساعة. ونحن لدينا ساعة لنختبر بها دقة ساعته. ننظر في ساعتنا ونسأله : كم الساعة الآن يا بروفوسور لينوس, فيرفع منظاره إلى عينيه وينظر إلى حديقته ويخبرنا بالساعة. نكتشف مندهشين أنه لايخطئ في تحديد الوقت. نكرر التجربة على مدار اليوم ونكتشف دائما أنه يحدد الوقت بدقة وكأنه ينظر إلى ساعة لانراها في حديقته. نتصور أن في الأمر خدعة ما. لكننا بعد التحري والتفتيش لا نكتشف أي خدعة. ولما أعيانا البحث عن سر ساعة لينوس العجيبة تلك سألناه, فأخبرنا بالسر وهو يضحك مسرورا : إنه يعرف الوقت من الزهور, فالزهور لديها مواعيد محددة تتفتح فيها كأنها تصحو من النوم, ومواعيد أخرى تنغلق فيها لتنام. والزهور تتفتح أو تنغلق تبعا لإحساس بتلاتها بالضوء. كارل لينوس عكف على هذه الظاهرة سنوات طويلة. يلاحظ ويدرس ويدون ملاحظاته واستنتاجاته. وفي النهاية حصل على تصنيف دقيق لأوقات انفتاح الزهور وأوقات انغلاقها. وبالنظر إلى الزهور يستطيع تحديد الوقت وكأنه ينظر إلى ساعة. فكل زهرة في مكان معين لها وقت معين تصحو فيه متفتحة, ووقت معين تنغلق فيه وتنام. فزهرة الهندباء تتفتح في السابعة صباحا. وزهرة أذن الفأر تتفتح في الثامنة. وزهرة قطيفة الحقل تتفتح في التاسعة. وزهرة حلمة السنط تنغلق في الساعة العاشرة. وزهرة الآلام تتفتح في الثانية عشرة ظهرا. وزهرة الخصب القرمزية تنغلق في الساعة الواحدة. أما زهرة زنبق الماء فهي تنام في الخامسة عند الغروب.

تدهشنا ساعة كارل لينوس هذه حتى أننا نظل نستمتع بسؤاله عن الوقت وهو يجيبنا بعد أن يتطلع إلى الزهور في حديقته الكبيرة. كأنه ينظر في ساعة باتساع حديقة. وهي ليست أكبر ساعات العالم. فالعالم نفسه بمجراته ونجومه وكواكبه هو ساعة هائلة ساحرة الدقة. فلنودع عالم النبات كارل لينوس ونعد إلى زماننا. لكننا بعد العودة سنجد أنفسنا ننظر بدهشة وفرح إلى الزهور في النهار, وإلى السماء في الليل.

 

 


 

محمد المخزنجي