أين ذهبت أضواء الحباحب?

أين ذهبت أضواء الحباحب?

- 1- قال الكاتب لخضور: - هيا سنذهب لنشاهد أجمل عرض حيّ للأضواء في العالم? ابتهج خضّور, وأخذ يمطره بالأسئلة, ويتلقى الأجوبة: - هل هي ألعاب نارية? - بل نور بغير نار. - هل هي أضواء مدينة باريس أو لاس فيجاس أو هونج كونج? - لا ليست في أي مدينة, بل في الريف, وعلى الشاطئ, والعارضون ليسوا بشراً, ولا يستخدمون أي وسائل صناعية. تحيّر خضّور, وازداد فضوله, حتى أنه ألحّ على الكاتب أن يحكي له عن العرض قبل الذهاب إليه, وفاجأه الكاتب بأنه لن يحكي فقط, بل سيريه قبل المشاهدة على الطبيعة فيلماً مسجّلاً على (CD) وسيعرضه على الكمبيوتر.


-2- فتح الكاتب الكمبيوتر, ووضع الـ(CD) في فتحة سواقة الأقراص, وضغط على أزرار الكمبيوتر ولوحة المفاتيح, فظهرت مشاهد الفيلم على الشاشة مصحوبة بصوت المعلق المنطلق من السمّاعات:


-3- أطفأ الكاتب الكمبيوتر, ومكث خضّور صامتاً للحظات وهو مدهوش, ثم هزّ رأسه وقال للكاتب: - لكن هل يعني ذلك أننا سنذهب إلى إنجلترا أو البرازيل أو أستراليا لنشاهد عرضاً حيّاً لهذه الأضواء الحيوية? قال الكاتب: - لا. لسنا في حاجة إلى ذلك. فالحباحب أو حشرات سراج الليل والتي تنتمي إلى عائلة تسمّى أحياناً ذباب النار, يوجد منها 2000 نوع. ولدينا هنا على شواطئ خلجاننا وبحيراتنا العربية الدافئة نوع يعيش وسط شجيرات القرم المنتشرة في العديد من بلدان الخليج العربي, فهو أقرب إلينا لنستمتع بعروض أضوائه. ثم إن الذهاب إلى ريف الجنوب الإنجليزي لا يعني أننا سنحصل على عرض لهذه الأضواء الحيّة. فالتلوث الناتج عن الاستخدام المفرط للمبيدات والأسمدة الكيماوية في الزراعة, وعوادم السيارات السامّة كالدخان المحتوي على الرصاص, وانتشار الأضواء الصناعية الساطعة والضوضاء, كل هذه قضت على قدرة الكثير من الحباحب على الإضاءة في قرى الجنوب الإنجليزي, فلننتظر قدوم الليل, ونذهب إلى غابة القرم لدينا..


-4- ارتدى الكاتب وخضّور أحذية مطاطية طويلة, وخاضا في مياه الساحل وسط شجيرات القرم. التزما الصمت التام والسكون حتى تطمئن الحباحب وترسل أضواءها. لكن وقوفهما طال كثيراً, وطال صمتهما وسكونهما, ولم ترسل الحباحب التي كانت تتقافز بين الأغصان أي ضوء. ثم اضطربت المياه بشدّة, وعلا صوت مزعج, وسطعت أضواء سفينة عملاقة متجهة إلى الميناء القريب.

 


 

محمد المخزنجي