من الأدب اليوغسلافي.. الرسم ليس عملاً سهلاً

من الأدب اليوغسلافي.. الرسم ليس عملاً سهلاً

ترجمة: د. جمال الدين سيد
رسوم: نصحي إسكندر

كان بودو يتأمل كيف ترسم أخته بالقلم والألوان كل ما يعطونها من واجبات في المدرسة. وبعدما تنتهي من رسم كل واجباتها, تبدأ في رسم ما تريده.


ولا يهتم بودو حينما تكتب أخته واجبات الحساب أو تقوم بأداء أي واجب تحريري آخر. ولا يهتم بالأمر إلا حينما ترسم الأخت. وحينئذ ينتظر أن تفسد أخته إحدى الصفحات, فيرجوها أن يرسم على وجهها الآخر.


ولكن أخته لم تكن تمنحه بسرور القلم والألوان, ولذلك حاول بودو أن يحل هذا الأمر بطريقة أخرى.
فخاطب والده قائلاً:


- يا والدي, هل سيكون عيد ميلادي في القريب?
فأجاب الوالد:


- لا, لن يكون في القريب العاجل! لقد مضى عيد ميلادك منذ شهر فحسب. وسيأتي عيد ميلادك ثانية بعد أحد عشر شهراً.


- وهل هذه فترة طويلة يا والدي?


- أجل فترة طويلة, طويلة جداً.


- ولماذا يجب الانتظار هكذا فترة طويلة على عيد ميلادي? ألا يمكن لعيد ميلادي أن يسرع قليلاً في الحضور?


- ولماذا يا بودو?


- لكي تشتري لي في عيد ميلادي كرّاسة رسم وألواناً حتى أستطيع أن أرسم مثل أختي.


- خذ يا بودو قلماً وورقة وارسم. وأنا سأسأل في الغد أيمكن أن يأتي عيد ميلادك بسرعة وسأقول لك.


وحينما استقبل بودو في الغد والده على الباب لكي يعرف ماذا حدث بشأن عيد ميلاده, قدم له الوالد كرّاسة رسم وعلبة ألوان جديدة.


وصاح بودو في سرور:
- لقد أسرع! يعيش عيد ميلادي!
وبالطبع لم يستطع أحد التحدّث مع بودو بعد ذلك, فقد سلّم نفسه للرسم. وحينما يستكفي من الرسم يخفي الألوان وكراسة الرسم في أحد الأماكن ويذهب للعب. وفي المساء, يضع كراسة الرسم تحت وسادته, وهكذا كان ينام مع كراسة الرسم.


وفي إحدى الأمسيات حينما كان بودو في امبراطورية الأحلام, خرج من كراسة رسمه وعل له قرنان عجيبان, ملتويان وغير متساويين بشكل غريب, وكانت له ثلاث سيقان فحسب, ووقف الوعل أمام بودو وأخذ يلعق يده ثم أنفه وقال:


- أترى يا بودو مقدار قسوتك, لقد رسمت لي ثلاث سيقان فحسب, وحطمت حياتي كلها, كيف سأجري على ثلاث سيقان إذا أخذت الكلاب تطاردني?


سأفقد حياتي على وجه السرعة.
وحزن بودو أشد الحزن بسبب الوعل لدرجة أن الدموع طفرت إلى عينيه.


وبعد ذلك, ظهر دب من أحد الأماكن وأخذ كراسة الرسم وفتح تلك الصفحة التي رسم فيها بودو ثمار الكمثرى وتناول واحدة ثم ثانية فثالثة, وأكلها كلها. ولما أكل ثمرة الكمثرى الأخيرة نظر شزراً وقال لبودو:


- لماذا توفر اللونين الأحمر والأصفر مما يجعل ثمرات الكمثرى عندك ليست لذيذة بدرجة كافية? إنها مرّة إلى حد كبير, ومن الآن عليك أن تراعي ذلك عندما ترسم ثمار الكمثرى, ارسم الثمار أكثر نضجاً وإلا فسأمزّق كراسة الرسم كلها وأحطّم الألوان وأسحقها.


وبعد ذلك, أخذ يبكي العصفور الذي رسمه بودو ونسي أن يضع له منقاراً.


وقال العصفور في حزن:
- لا أستطيع أن آكل أو أن أغرّد! ما هذا الذي فعلته? أيّ قلب هذا الذي تملكه في صدرك! إنه حجر وليس قلباً!

وأحسّ بودو وكأنه حقيقة يملك حجراً في صدره وتملّكه الحزن الشديد.


وعندئذ ظهر أمامه طيار شاحب الوجه في غاية الإرهاق وقال له:


- انظر, أي طائرة رسمتها لي! لقد ارتفعت قليلاً ثم سقطت على الفور وكسرت ساقي ويدي! ومَن المسئول عن ذلك?
وأحسّ بودو بضيق شديد ولم يعرف بماذا يردّ عليهم, وكان يود أن يساعدهم جميعاً, ولكن لم يعد بإمكانه أن يحرّك قدميه أو يديه لأنه كان مشدود الوثاق. ولم يعرف مَن الذي شدّ وثاقه, وحاول أن يفك قيده ولكنه لم يفلح.


ولما استيقظ في الصباح, بحث عن كراسته للرسم, ولكنه لم يعثر عليها تحت وسادته, ثم وجدها على الأرض تحت السرير وأخذ يتصفّحها, ووجد بها الوعل بسيقانه الثلاث, ولم يكن يجرؤ على الذهاب إلى أي مكان, وظل موجوداً أيضاً العصفور الذي لم يكن يستطيع الأكل أو التغريد, ولم تعد هناك أي ثمرة من ثمار الكمثرى, لقد أكلها الدب, ولم تعد هناك طائرة, لأنها سقطت في أحد الأماكن من علوّ شاهق, وأودت بحياة الطيار.


ومسح بودو العرق من على جبهته, وقال:
- الرسم عمل عسير, عسير للغاية, وله مسئولياته.

 

 


 

جريجــــور فيتـــز