واحة الفن الجميل

واحة الفن الجميل

أوغست رودان النحات الجريء

اوغست رودان نحات فرنسي, ولد في 12 نوفمبر سنة 1840 في باريس, أي في القرن التاسع عشر إبان حكم الملك لوي فيليب. والده من مقاطعة نورماندي وأمه من مقاطعة لورين الفرنسيتين. عاشا حياة بسيطة, لكنهما اهتما بتوفير التعليم الجيد لابنتهما ماري ولابنهما أوغست, وأحاطاهما بمحبة وعطف كبيرين. لم يكن أوغست تلميذاً ممتازا, فترك المدرسة عندما أصبح في الرابعة عشرة من عمره. ظهرت موهبته في الرسم, لكن والده الذي أراد أن تكون لابنه مهنة أفضل, تردد كثيرا قبل أن يوافق على تسجيله في مدرسة الرسم المجانية, إلا إنه وافق أمام إلحاحه. وهناك لفت رودان نظر معلميه إلى موهبته وميله للنحت, ولم يكن أمام الوالدين إلا الموافقة على دخوله إلى اكاديمية الفنون الجميلة, لكن ذلك كان صعباً جدا, فقد رفض ثلاث مرات متتالية ولم يستطع دخول الأكاديمية أبداً. كان عليه متابعة دراسته بالإضافة إلى كسب عيشه, فعمل مع مقاول بناء وديكور وكان عمله متعبا جداً, ثم عمل مع نحات شهير وتعلم منه المهارة الفنية والسرعة في تنفيذ الأعمال, وهكذا جمع الموهبة مع الخبرة. كان في الثانية والعشرين من عمره حين ماتت اخته الوحيدة الراهبة ماري بطريقة مأساوية, فحزن كثيراً, أصيب بصدمة وقرر أن يصبح راهباً مثلها. لكن لحسن حظه, كان المشرف الديني عليه رجلا مثقفا جدا وساعده على اكتشاف نفسه, وتأكد أنه نحات ولن يكون غير ذلك, وساعده المشرف على إيجاد مكان ينحت فيه.

عاد رودان إلى عمله في ديكور الأثاث, وخصوصا أثاث الفنادق, دون أن يتخلى عن النحت. بعد سنتين أرسل عمله (قناع الرجل ذو الأنف المكسور) ليعرضه في صالون الفنون الجميلة لكنه رفض.

سافر إلى بلجيكا وإلى إيطاليا حيث عمل وشاهد أعمال كبار النحاتين في العالم. لكن عندما عرض عمله الكبير الأول في باريس, اتهم بأنه أخذه عن قالب جص لإنسان حقيقي, لكن زملاءه الفنانين دافعوا عنه وأكدوا أن الإتقان كان بسبب براعة رودان وإبداعه في العمل, وأسكتوا المنتقدين. لم تكن تلك المرة الوحيدة في حياة رودان التي لاقى فيها مثل ذلك. المرة الثانية كانت عندما كلفته جمعية الكتاب الفرنسيين بصنع تمثال للأديب الفرنسي الكبير بلزاك, الذي كان قد مر اثنان وأربعون عاماً على وفاته. أراد رودان أن يطلع على شخصية بلزاك فقرأ الكثير من كتاباته, وأجرى الكثير من الأبحاث عن شكله, وقابل الخياط الذي كان يخيط ثياب بلزاك أيضا. أراد رودان أن يظهر شخصية الكاتب في المنحوتة وليس شكله فقط. ونفذ التمثال بالبرونز. لكن عندما عرضه بعد سنوات من العمل الشاق, حدثت أكبر فضيحة في تاريخ النحت, لأن جمعية الكتاب قالت إنه لا يمثل بلزاك أبداً, ورفضت تسلمه. للمرة الثانية وقف زملاء رودان ودافعوا عنه, وأرادوا أن يجمعوا المال لشراء التمثال, لكن رودان الغاضب جدا, أخرج تمثاله من صالة العرض قائلا إنه لن يعرضه في أي مكان آخر, وأخذه إلى بيته في بلدته (مودون), كان يعتبر التمثال أهم عمل قام به وهو المفضل لديه. لكن ما سبب ذلك الرفض لبعض أعماله?

السبب كان في أسلوبه المبتكر في عصر محافظ وتقليدي اعتاد فيه الناس على نمط معين من النحت. لكن كل ذلك لم يجعل رودان ييأس من المحاولة ومتابعة التجديد في العمل. تلك المثابرة جعلته معروفا في العالم بعض الشيء, وفي بداية القرن العشرين, سنة 1900, أقام معرضا لأعماله وكان ناجحا جدا, وكلف عمل تماثيل نصفية للعديد من الفلاسفة والمشاهير من السياسيين وغيرهم, استعمل فيها مواد عديدة مثل البرونز والرخام والحجر والجص. استطاع رودان أن يشتري فندق (بيرون) وأقام فيه مكاناً لعمله.

قضى السنوات الأخيرة من عمره ينتقل بين بيته في باريس, يحضر لإقامة متحفه الخاص الدائم فيه, وبيته في مودون الذي حوله إلى متحف ثان. ظل رودان يعمل إلى آخر أيام حياته, ومات أشهر نحات أشخاص فرنسي في 17 نوفمبر سنة 1917 وهو في السابعة والسبعين من عمره, في بيته في مودون, بعدما ملأ الدنيا وشغل الناس بأعماله المتجددة التي أثارت الكثير من الجدل آنذاك.

 


 

نهى طبارة





تمثال لرودان بعنوان القرفصاء





أشهر تمثال لرودان : المفكر





أحد أعمال رودان في حديقة عامة