بيتنا الارض

بيتنا الارض

محاكمة عاجلة لقنديل البحر!

قرر أعضاء فريق الكوكب الأخضر أن يتخلوا عن أسمائهم الرسمية أثناء ممارستهم للأنشطة البيئية التي تدعو لزيادة مساحة اللون الأخضر على كوكب الأرض. واختاروا لأنفسهم أسماء مشتقة من حروف كلمة أخضر. فإضافة إلى خضّور وأخته خضّورة اللذين ولدا على صفحات هذه المجلة, وتحت قوس هذا الباب, صار هناك خضر, وخضراء, وُخضير - وهو أصغر أعضاء الفريق.

أثناء وجودهم على شاطئ قرية النورس الساحلية, وبعد أن قاموا بغرس مائة (شتلة) لأشجار دائمة الخضرة على الربوة المطلة على الشاطئ, أخذوا يستحمّون. ونزل خُضير المولع بالماء كثيراً ليسبح, لكنه ما كاد يوغل في البحر قليلاً حتى انطلق في الصراخ متألماً ومفزوعاً بشدة.

اندفع خضّور وخضر إلى عمق الماء وسحبا خُضيراً إلى الشاطئ وهو مستمر في الصراخ. وعندما أرقدوه على الرمل ليهدأ, وجدوا خطوطاً حمراء ملتهبة على ظهره وساقيه وكأنه مضروب بسوط من نار. عرفوا السبب بسرعة, حتى قبل أن ينطق هو ويقول من بين دموعه: (قنـ... قنـــ... قنديل بحر لسعني).

حملوا خضيراً الصغير إلى طبيب القرية, فحقنه بدواء مضاد للتحسّس ودهن الجلد الملتهب بمرهم ملطّف. وبعد أن خف الألم وقلّ الالتهاب, قال خضير وقد عاد إلى بعض هدوئه: (لماذا آذاني قنديل البحر وأنا لم أفعل له شيئاً. لابد من تلقينه درساً حتى يكف عن لسع الناس... لابد... لابد).

أمام إصرار خضير, نزل خضّور وخضر إلى البحر ومعهما دلو كبير. أدهشهما وجود الكثير الكثير من قناديل البحر قرب الشاطئ, تبدو مثل قباب من (الجيلي) الشفاف طافية على سطح الماء, لكنها تحت الماء تكشف عن أهداب طويلة كالسياط تتدلى من حواف أجسامها الدائرية, ولم يستطيعا إلا اصطياد قنديل بحر صغير في دلوهما الذي امتلأ بالماء.

عتاب القنديل

تجمّع أعضاء فريق الكوكب الأخضر حول قنديل البحر الصغير في الدلو, وأخذ خضير يعاتبه بغيظ: (لماذا لسعتني... هه... لماذا... وأنا لم أفعل لك شيئاً ولا لأهلك?). ضحك بقية أعضاء الفريق, فاستدار إليهم خضور غاضباً يقول بجدية: (لقد اعتدى عليّ وكاد يقتلني وأنتم الآن تضحكون بدلاً من الثأر لي). قالت خضورة بين ضحك وجدّ: (قد يكون بريئاً, لابد أن نحاكمه قبل أن ندينه). وعلى الفور ردّد بقية أعضاء الفريق: (نحاكمه. نحاكمه. نحاكمه). وتحمّس خضير معلياً صوته: (محاكمة عاجلة.. الآن... فوراً)!

انعقدت المحكمة حول الدلو الذي يطفو في مائه قنديل البحر. طبعاً كان خضير هو المجني عليه, وقنديل البحر الصغير هو المتهم, ومثلت خضورة دور النيابة لأنها تحب خضير الصغير كثيراً, واختارت خضراء دور الدفاع عن المتهم قائلة: إنها قرأت الكثير عن قناديل البحر وظاهرة ازديادها على شواطئ البحار. ولم يبق لخضور وخضر غير دوري القاضي وحاجب المحكمة.

زعق خضر هاتفاً كالحاجب: (محكماااا). فصار خضور في موقع القاضي وقال: (باسم الله نفتتح الجلسة), ودعا ممثلة الاتهام خضورة للحديث, فتكلمت طالبة أقصى العقوبة لقنديل البحر بإلقائه على الرمل الساخن تحت الشمس حتى يلسعه الوهج عقوبة على لسعه ولسع أهله لخضير دون سبب). ثم أعطيت الكلمة لممثلة الدفاع خضراء, فأغمضت عينيها بتأثر قبل أن تتكلم.

دفاع عن قناديل البحر

قالت خضراء بحزن وجد: (يا حضرة القاضي... أنا لن أدافع عن قنديل البحر الصغير هذا وحده, بل سأدافع عن كل قناديل البحر من عائلته المسكينة التي لسع واحد منها خضير... فهذه العائلة التي تنتمي إلى أسرة الهلاميات البحرية (جيلي فش) ليست إلا مخلوقات بسيطة مزوّدة بقناة هضمية تلتقط بقايا الحيوانات البحرية العائمة عند خط الموج العالي لتتغذى بها.

صحيح أن منها نوعاً خطيراً يستطيع أن يقتل بسلعة الإنسان, حتى أن البحارة القدامى أسموه (رجل الحرب البرتغالي), وتشبه لوامسه سياطاً بطول عشرة أمتار, لكن ما نراه على شواطئ بحارنا العربية - خاصة البحر المتوسط - ليست بهذه الخطورة. وهي تعيش محنة كبيرة لأن السلاحف البحرية كانت تلتهم الكثير منها فيبقى القليل ليجد الكثير مما يتغذى عليه في المياه العميقة. لكن لأن البشر يقضون على الكثير من السلاحف البحرية بأكل لحمها أو بيضها المدفون في الرمل أو لأخذ درعها وعمل مصنوعات للزينة منه, فإن أعداد قناديل البحر تزداد بغزارة, بينما تلوّث البحار يقلل من غذاء هذه القناديل, لهذا تهيم دائخة جائعة ويلقي بها الموج على الشواطئ وتمزّقها الزوارق السريعة ورفاصات السفن العملاقة, وقد لا يكون قنديل بحر هو الذي لسع خضير بسياطه, بل قد تكون قطعة عائمة من قنديل بحر ممزق هي التي لامست جلده فكوته بالمادة الكيماوية التي تسيل منها).

في نهاية دفاعها الطويل, لم تطلب خضراء حكماً محدداً من محكمة فريق الكوكب الأخضر, بل قالت إنها تترك ذلك لضمير القاضي.

أما نحن في مجلتكم (العربي الصغير) فإننا نسأل ضمائركم أيها القرّاء: أي حكم تختارون لو كنتم في مكان القاضي خضور?... ونحن ننشر الحكم مقلوباً أسفل هذه الصفحة لتقارنوه بما فكرتم فيه قبل أن تقلبوا الصفحة لقراءته.

 


 

محمد المخزنجي





قنديل البحر











السلحفاة البحرية