الحمامة ونقار الخشب

الحمامة ونقار الخشب

من الطبيعي أن يحب طائر نقار الخشب نَقر خشب الأشجار. لكن مشكلته أنه لا يتوقف عن نقر الشجر, ولا يحب أن يترك شجرة دون أن ينقر فيها.

الكثير من الطيور, في الغابة الهادئة تعبت من نقره المتواصل: بك بك بك. أرادوه أن يفعل أحياناً شيئاً آخر على سبيل التغيير.

لكن نقّار الخشب لم يُرد ذلك.

وذات يوم, استيقظ مبكّراً, وبدأ النقر في جذع شجرة بلوط عجوز, وما إن بدأ النقر, حتى خرجت البومة تصرخ فيه:

- مَن الذي يدق بابي بات بات بات... رات رات رات...?
قال نقّار الخشب: إنه أنا نقّار الخشب.

- وماذا تريد?

قال: لاشيء. أنقر بحثاً عن شيء آكله.

قالت البومة غاضبة: تقول لا شيء... توقظني من نومي وتسمي ذلك لا شيء!

قال: آسف... لا أحد يحبّني في هذه الغابة.

وطار للبحث عن شجرة أخرى.

وحطّ على شجرة من أشجار التنوب, وما إن بدأ ينقر في جذعها, حتى خرج له السنجاب قائلاً:

- مَن الذي يدق على بابي بات بات بات... رات رات رات...?

قال: أنا نقّار الخشب... كنت أمر من هنا...

صرخ فيه السنجاب: وماذا تريد?

قال: لاشيء. أنا أنقر بحثاً عن شيء آكله.

صاح السنجاب وهو يتقافز حوله, ويلوح بذيله الكثيف:

- تقول لاشيء... كنت أعد البندق الذي أخزّنه... وجئت أنت بنقرك فنسيت ما عددته...

قال نقّار الخشب: آسف... لا أحد يحبّني في هذه الغابة.

وطار, حتى جاء إلى شجرة صنوبر, وما إن بدأ ينقر بسعادة, حتى برز له غراب قائلاً:

- مَن الذي ينقر بابي بات بات بات... رات رات رات...?
قال: أنا نقّار الخشب, كنت مارّاً من هنا..

صاح الغراب: وماذا تريد?

قال: لا شيء.. أنقر فقط بحثاً عن شيء آكله.

قال الغراب في غضب: جئت تزعجني وتخرجني من عشّي وتقول لا شيء!

قال نقّار الخشب: آسف.

وطار ليقف على فرع شجرة قريبة قائلاً: لا أحد يحبّني في هذه الغابة, لا أحد يريدني أن أنقر في شجرته.. ماذا سأفعل... إنها مشكلة..

قال طائر يقف بالقرب منه: يو.. هو... أنا أستطيع حلّ مشكلتك.

صاح: أنت!

قال الطائر: اسمي حمامة... وأنا أسلم رسائل السلام في هذه الغابة.

قال نقّار الخشب: وما علاقة ذلك بي?

قالت الحمامة: الكثير. حين أحمل رسالة في فمي, أجد صعوبة في الدق على الشجرة, بل إن ذلك مستحيل, أحب أن تأتي معي حين أسلم الرسائل, وتدق على جذع الشجرة لتنبّه الطائر...
قال: فكرة رائعة... بذلك يمكنني أن أنقر جذوع الشجر دون أن يضايقني أحد. والمهم أن الجميع سيحبّني.

قالت الحمامة: يو يو يو هو هو... نقّار الخشب جميل وأحب معرفته.

احمرّ وجه نقّار الخشب, ووضع منقاره الطويل تحت جناحه وقال:

- أنت تقولين أشياء جميلة.

قالت الحمامة: افرد ريشك... لدي رسالة لابد أن أسلّمها إلى البومة الآن.. هيا.

ومن الصعب أن نقول مَن الذي كان أكثر سعادة:

نقّار الخشب... أم الحمامة... أم البومة.

 


 

أحمد عمر شاهين