بيتنا الارض

بيتنا الارض

اكتشاف كنز الذهب الكبير

اكتب إليك من لاوس وهي دولة في جنوب شرق آسيا لا يعرفها الكثيرون, يعتبرونها متخلفة بل بائسة, لكنني أراها جميلة جدا, صحيح أن معظم شوارع عاصمتها فينتيان لا تزال ترابية وليس بها سيارات تذكر, ومعظم سكانها يطهون طعامهم على نار الحطب في الأفران الطينية, لكن شوارعها هذه مظللة كلها بالأشجار, وليس بها زحام ولا ضوضاء, ثم إن الطعام الذي يعدُّ على نار الحطب الهادئة لذيذ جدا, وأنا أدعوك لتذوقه, وتذوق أنواع الفواكه الطيبة العديدة الموجودة هنا, والتي لا أعرف من بينها إلا المانجو والموز والأناناس والبباي, وجوز الهند طبعا, وسوف نذهب معا في رحلات جميلة على ظهور الأفيال بين الجبال الخضر, فهنا أفيال أليفة كثيرة جدا حتى أن لاوس توصف بأنها (بلد المليون فيل), كما أننا سنبحر في نهر الميكونج الكبير ونجرب حظنا في العثور على الذهب الضائع في رمال الشواطيء والجزر.

تعال ولن تندم.

مع تحية صديق بيتنا الأرض:

(شادي المقداد)

(ملحوظة: مع هذه الرسالة تأشيرة دخول وتذكر طائرة باسمك إلى فينتيان, وعليك أن تتخذ قرار السفر خلال شهر واحد هو فترة صلاحية التأشيرة).

اندهش خضور كثيرا لهذه الرسالة, لكنه قرر المغامرة, فركب الطائرة التي هبطت في بانكوك بتايلاند بعد سبع ساعات, ومن هنا انتقل إلى طائرة أخرى أصغر وأقدم وصلت إلى فينتيان بعد ساعة ونصف. ووجد شادي في انتظاره بصحبة والده ووالدته. لم يغادروا المطار إلى البيت في سيارة تاكسي بل في عربة دراجة تسمى (توكتوك), وخلال الطريق رأى خضور الشوارع الترابية الفسيحة مظللة بالأشجار, وأعجبته البيوت الصغيرة المتوجة بالعليات, كما أنه عرف إجابة الأسئلة الحائرة في ذهنه عن شادي ووالديه.. إنهم لبنانيون, والده تاجر والأم مصممة أزياء, جاءا إلى لاوس وافتتحا مصنعا صغيرا لملابس صديقة للبيئة, قماشها من القطن الخالص أو الكتان أو الحرير الطبيعي, وألوانها الطبيعية من عناصر نباتية لا تدخلها الكيماويات, وهذه كلها متوافرة في لاوس بأسعار زهيدة, وهما يصدران منتجات مصنعهما إلى أوربا بأثمان جيدة.

بعد قضاء يومين في العاصمة انطلق خضور وشادي إلى بلدة تسمى (لوانج بربانج), ليس بها أي وسائل صناعية, ولا سيارة واحدة, ومظهرها لم يتغير منذ مائة سنة, تحيط بها جبال (أناميت) الخضراء من كل جانب, وتتخللها عدة أفرع صغيرة من نهر الميكونج. ركب خضور وشادي فيلاً تجول بهما طويلا في الغابات الجبلية, ثم أبحرا في قارب عبر النهر الكبير, شاهدا بعض الناس على الشواطيء وفي الجزر وهم يغربلون الرمل والحصى بحثا عن الذهب, وأوقفا القارب عند حافة إحدى الجزر في وسط النهر, وأخذا يغربلان الرمل والحصى. مكثا عدة ساعات يفعلان ذلك ولم يعثرا على ذرة ذهب واحدة. وفجأة نهض خضور قائلا إنه يعرف مكان الذهب الحقيقي, (كنز من الذهب يوزن بالأطنان وليس بالجرامات)! توقف شادي متطلعا إليه بدهشة سائلا عن مكان الكنز, لكن خضور قال له إنه لن يخبره بذلك إلا في أول رسالة يبعثها إليه بعد سفره.

الصديق العزيز شادي...

ها هي أول رسالة اكتبها إليك بعد عودتي من فينتيان الجميلة البسيطة التي أحببتها كثيرا.

أولا: لابد أن أوجه الشكر إلى والديك الكريمين اللذين منحاني رعايتهما أثناء وجودي معك في لاوس, كما أشكرك كثيرا على الدعوة والصحبة في تلك الرحلة الممتعة, التي أكدت لي أن الحياة البسيطة قد تكون أجمل من الحياة المعقدة المليئة بضوضاء الزحام والسيارات والآلات والأجهزة الزائدة عن الحاجة الحقيقية للإنسان.

ثانيا: سأخبرك الآن عن كنز الذهب الكبير الذي اكتشفته في لاوس, وهو ليس في ذلك الرمل والحصى الذي إن أعطى لا يعطي إلا القليل جدا جدا من الذهب. أما الكثير الكثير, فهو على ضفاف النهر الخضراء, وفي الغابات التي تغطي التلال والجبال, خاصة ذلك الشجر الذي يأخذون منه خشب (الساج) النادر, والذي عرفت أنه لا يوجد إلا في لاوس وميانمار المجاورة لها, وهو في متانة الحديد ونعومة الحرير. هل تعرف ماذا يسمي السويديون غابات الأشجار الخشبية لديهم? إنهم يسمونها (الذهب الأخضر), وهي تدر عليهم ثروة ضخمة كأنها مناجم للذهب, وهم في المقابل يمنحونها كل الرعاية, يقطعون منها بمقدار ويعوضون ما قطعوه بزراعة أشجار جديدة.

ويبدو أننا جميعا في حاجة إلى اكتشاف ما لدينا من ذهب, وليس ضروريا أن يكون ذهبا أصفر.

أليس كذلك يا شادي?

 


 

محمد المخزنجي