أنا صديقكم يوسف وسوف أدعوكم اليوم إلى رحلة من أطول الرحلات في وطننا العربي, رحلة تبدأ من الكويت عند أول نقطة في المشرق العربي على شاطئ الخليج, وتنتهي فوق قمم جبال الأطلسي حيث توجد بلادي, المغرب , ولعلكم تعرفون القصة القديمة التي تقال عن القائد المسلم عقبة بن نافع, فعندما قامت جيوش الإسلام بفتح بلادي حمل هذا القائد سيفه وخاض في مياه المحيط وهو يصيح: (يارب, لو أنني أعلم أن خلف الماء أرضا أخرى لفتحتها في سبيلك), في ذلك الوقت كان الجميع يعتقد أن بلادي هي نهاية العالم, وأن البحر الذي يرقد خلفها هو بحر الظلمات, وأن السفن التي تدخل فيه لا تعود أبداً, لم تكن القارات الجديدة قد اكتشفت, ولا المحيط الأطلنطي قد أصبح أليفاً.

لا يوجد بلد عربي كثير التنوع مثل بلادي, ففيها الصحراء الحارقة, وجبال الأوراس التي تغطيها الثلوج, وفيها الفلاحون في السهول, ورعاة الغنم على قمم الجبال, وفيها السواحل الممتدة, وهي بالمناسبة أكبر بلد عربي ساحلي, وفيها غابات الأرز والصنوبر والفلين. بل إن كل مدينة في المغرب لها مذاق خاص يختلف عن الأخرى, فالدار البيضاء بطابعها الأوربي تختلف عن مدينة فاس التي تتكون من متاهة من الأزقة الضيقة. ومدينة مراكش بسقوفها الحمراء تختلف عن مدينة مكناس المليئة بالأقبية والقلاع. بل إن اللغات تختلف فيها أيضاً, اللغة العربية هي الرئيسية, ولكن بجانبها لغة البربر الذين يشكلون جانباً مهما من سكان البلاد بجانب العرب, ورغم رحيل الاستعمار الفرنسي منذ سنوات طويلة إلا أن بقايا اللغة الفرنسية مازالت ظاهرة على بعض الألسن, وتختلط اللغات الثلاثة أحياناً لتنتج نوعاً من اللغة الدارجة لا يستطيع التحدث بها سوى أهل المغرب.

كازابلانكا... عروس البحر

هأنذا أقف في انتظاركم في مطار الدار البيضاء, أو كازابلانكا كما يحلو للأوربيين أن يطلقوا عليها, ومدينتي خليط من الاسمين معاً, فوجهتها التي تطل على البحر هي أوربية, أما في الداخل فهي عربية صميمة, وتتشارك مدينتي في ذلك مع العديد من المدن التي تطل على البحر, وهي أكبر مدن المغرب ومركزها التجاري ويسكنها حوالي 3,5 مليون نسمة, وفيها تصدر كل الصحف المهمة, ورغم أن العاصمة الرسمية في الرباط إلا أنها تعتبر مدينة هادئة بجانب الدار البيضاء التي تزدحم بالأنشطة الثقافية والسياسية.

وإذا سرت في أي مكان في المدينة سوف تلمح مآذن مسجد الملك محمد الخامس, إنه واحد من أكبر المساجد في العالم الإسلامي, ويقع على شاطئ المحيط والأذان الذي يرفع منه يسمع في كل مكان في المدينة, وقد استخدم في بناء المسجد كل مهارات الفن اليدوي في المغرب ولعلكم تعرفون أن المغرب هو بحق بلد الفنانين الذين يحفرون على الخشب ويطرقون النحاس ويعشقون الزجاج الملوّن, لذا فقد جاء هذا المسجد تحفة فنية بحق, ورغم أن هذا المسجد قد بني في عهد الملك الراحل محمد الخامس إلا أن الشعب المغربي كله قد ساهم في إنشائه, وهذا الأمر كان إحياء لتراث إسلامي قديم يجعل من إنشاء المساجد مهمة الناس وليس الحكام.

وإذا فرغنا من الصلاة فإنني أدعوكم إلى المكان المفضل عندي في الدار البيضاء, إنه (حي الأحباس), وهو حي يقع في وسط المدينة وقد أخذ طابع المعمار الأندلسي القديم, من أروقة وأعمدة وممرات مسقوفة, وهو حافل بالمكتبات ومحلات الهدايا والمصنوعات اليدوية.والمغرب كما تعلمون واحدة من أشهر الدول التي تنتج مشغولات جلدية, وهي تحتل في أوربا مكانة فنية مميزة.

القبو المخيف في مكناس

والآن سوف أصحبكم إلى مكناس مدينة مولاي إسماعيل, الذي كان حاكماً قوياً حكم المغرب في القرن السابع عشر واستطاع أن يهزم الأوربيين الذي كانوا يحتلون مدينتي طنجة والعرائش, وكما ترون أمامكم هذه بعض من التحصينات العسكرية والأسوار التي بناها هذا الحاكم القوي الذي أراد أن يحمي مدينته, وقد استطاع أن يخضع لسلطته كل القبائل المتمرّدة وأسس دولة يطلق عليها الدولة العلوية, وقد حوّل مكناس بعد ذلك إلى مدينة للعلم والفن وملأها بالقصور والمساجد الرائعة.

ولكنني رغم ذلك, سوف آخذكم إلى مكان يثير الرعب والفزع في هذه المدينة الرهيبة, إنه سجن مولاي إسماعيل, أتعرفون مكانه, إنه تحت أقدامنا الآن, أجل, فهو عبارة عن نفق مظلم يقع تحت أرض مكناس, وهو واسع وممتد ومظلم, وبقدر ما تكون مكناس مشرقة فوق سطح الأرض, تتحول إلى كابوس إذا هبطت إلى أسفل, ومنذ أعوام قليلة هبط بعض السياح ويبدو أنهم قد ساروا طويلاً حتى اختفت أثارهم في هذا الجوف المظلم, وبحثت السلطات عنهم حتى وجدتهم على حافة الهلاك من الجوع والعطش, ومن يومها اضطرت السلطات إلى بناء سور يضيق قليلاً من مساحة هذا السجن الذي يقال إنه يمتد لمسافة عشرة أميال تحت سطح الأرض.

فاس وأزقتها

في فاس لا توجد أماكن مرعبة, ولكن تبقى هناك الإمكانية أن تتوه وأن تضل طريقك وسط دروب المدينة الضيقة والمتداخلة, فاس مدينة فريدة في نوعها, وقد جعلتها منظمة اليونسكو الدولية محمية أثرية يجب ألا يمسها أحد أو يغير من معالمها الفريدة, تخيل أنك تتجول في مدينة مسقوفة, لا تدخلها السيارات, ولا تنقل البضائع في أرجائها سوى البغال, وهي بغال مدرّبة لا تمد فمها أبداً إلى البضائع التي تزدحم بها المحلات الضيقة, وهي مثل العديد من المدن الإسلامية القديمة, يقع المسجد في منتصفها وتمتد حوله بقية بيوت المدينة في دوائر, لذلك فإن السير في فاس يحتاج إلى خبير حقيقي حتى لا تظل تدور حول نفسك طوال الوقت.

وقد بنى فاس مولاي إدريس الثاني في القرن التاسع, ويقال إنه حين أراد أن يبني المدينة بحث عن موقع مناسب لها, وكانت أدوات البناء مازالت بدائية, وعندما كان العمال يقومون بالحفر اكتشفوا فأساً من الذهب مدفونة تحت الأرض, وقد أخذوا هذه الفأس وصنعوا منها مئات الفئوس من الحديد وبواسطتها استطاعوا أن يبنوا المدينة, وأطلقوا عليه الاسم نفسه. ولكن التاريخ يقول لنا إن بعض المهاجرين جاءوا من تونس وأقاموا على الضفة اليسرى لنهر فاس وأقاموا حيّاً أطلقوا عليه حيّ القرويين, ثم جاء المهاجرون من الأندلس وأقاموا على الضفة الأخرى من النهر وكوّنوا حي الأندلسيين, ومن هذين الحيين تكوّنت المدينة التي أصبحت فيما بعد أقوى عواصم المغرب, وبني فيها مسجد ضخم هو مسجد القرويين الذي ما لبث أن تحول ليصبح واحداً من أكبر الجامعات الإسلامية في المغرب العربي.

مراكش وساحتها العجيبة

والآن سوف آخذكم إلى مدينة أعتز بها بشكل خاص, لأن الذي أسسها يحمل اسمي, أو بالأحرى أنا الذي أحمل اسمه, إنه يوسف بن تاشفين بطل المرابطين, وهم الأبطال الملثمون الذين كانوا يقومون بحماية الثغور الإسلامية من غزوات الفرنجة, والثغور هي الموانئ. لقد استولى يوسف على المغرب وأسس مراكش, تلك المدينة الجميلة وجعلها عاصمة ملكه, وفي عهده, أي في بداية القرن الحادي عشر, كانت بلاد الأندلس قد تفتتت وأصبح يحكم كل قطعة منها ملك ضعيف, أطلق عليهم ملوك الطوائف, وكان الملك الفونسو يهددهم جميعاً بغزو مدنهم, وأرسل الملوك الضعاف يستعينون بالملك المرابط الكبير الذي عبر البحر إليهم وتقابل مع ألفونسو في معركة رهيبة هي (الزلاقة) وانتصر عليه, وأفتى العلماء وقتها أن من حقه أن يعزل كل ملوك الطوائف الضعاف هؤلاء وأن يقيم دولة واحدة تجمع بين المغرب والأندلس, وقد فعل ذلك ودامت دولته فترة طويلة.

لقد أخذت المغرب اسمها من هذه المدينة, وكلمة moroco في اللغة الإنجليزية تعني مراكش, ولعل أشهر مكان فيها هو (ساحة الفنا) وتحيط بها أسوار المدينة من كل جانب ولا تهدأ فيها الحركة في الليل أو النهار, ويمكنك أن تجد فيها كل شيء, السحرة والحواة الذين يتميزون بالخفة ومهارة اليد, الراقصين وعازفي الطبول والمغنين الشعبيين, باعة الأطعمة والحلوى, المصنوعات اليدوية والسجاد المغربي الفاخر. إنها جولة لن تنساها, ولا يوجد مكان في العالم بغرابة وازدحام هذه الساحة العجيبة.

وكما قلت لكم, فبلادي متنوعة في الطبيعة وفي الثروات أيضاً, فهي أغنى البلاد العربية في الثروة السمكية, وهي أيضاً من البلاد المهمة في تصدير الفوسفات وهو أحد المعادن المهمة التي تستخدم في الأسمدة الزراعية. كما يشتهر المغرب أيضاً بمنتجاته الزراعية وخاصة الحمضيات, أما التحف اليدوية التي يقوم صنّاع المغرب بصناعتها فلا مثيل لها في أي مكان في العالم.