في بيتنا (فاكس)

في بيتنا (فاكس)

انتهى اليوم الدراسي, فجريت لألحق بـ (هاتش), إذ كان لدي ما أخبره به.. فقد اشترى والداي, بالأمس, مبرقة إلكترونية, أو جهاز فاكس, وهما يضعانه في حجرة مكتبهما بالمنزل.
قال هاتش: إنه مدهش يا بارني.

قلت: فعلاً.. مدهش أن يتم الاتصال بالرسائل المكتوبة, وبمجرد الضغط على زر!.. سرعة ودقة!.. ألا تحب أن تأتي معي لترى الفاكس وهو يعمل?!

وكنت متعجلاً, أكاد أطير إلى المنزل لأجلس إلى الآلة الجديدة, ولكن هاتش لم يبد حماساً كحماسي, بل كان قلقاً وقال: لا أريدك أن تنسى أن أمامنا حفلاً سنحييه مساء السبت القادم.

قلت أطمئنه: وكيف أنسى ذلك, والملصقات تملأ شوارع المدينة, تعلن أن فريق المدرسة سيعزف في حفل مساء السبت?!
إننا ثلاثة أصدقاء, نكون هذا الفريق الموسيقي.. هاتش وأنا نعزف على الجيتار, وثالثنا (ماتي) ضابط الإيقاع.

عاد هاتش يقول: اسمع يا بارني.. كلنا يعرف مدى شغفك بالآلات الحديثة, ولكنني أخشى أن تنسى كلمات أغنيتنا الجديدة إن أنت قضيت الوقت كله تلهو بآلة الفاكس!

صحت, معترضاً: أنا ألهو?!!.. وهل الفاكس أداة لهو مثل ألعاب الفيديو?.. لا يا صديقي.. لا.

على أي حال, عليَّ أن ألتمس العذر له, فهو لا يعرف أنني استخدم الفاكس في أمور جدية, فبالأمس, فور وصول الجهاز, لم أنتظر, وقررت تجريبه, وأرسلت اقتراحاً إلى النائب البرلماني لمنطقتنا, أدعو فيه إلى اختصار العام الدراسي, لننعم بعطلة صيفية أطول!.. إنني أعرف فيم يستخدم الفاكس.. إن هاتش لا يعلم, أيضاً, أنني شاركت بهذه الآلة السحرية في مسابقات تلفازية, وأجبت على رسالة وصلتني بالفاكس, تحمل إرشادات لتربية الأرانب, وعلى رسالة إعلانية أخرى بها طريقة عمل هلام العنب. ولم يكن ذلك لهوا, فهي أمور جادة.. ثم إن الإنسان يحتاج إلى تشغيل مثل هذه الآلة المستحدثة, ليعتاد عليها.

عدتُ أحدث هاتش, ليطمئن قلبه: اليوم هو الثلاثاء.. أمامنا ثلاثة أيام كاملة لحفظ كلمات الأغنية, أما اللحن الأساسي, فإنني أعرفه جيداً.

قال هاتش: إنها ثلاثة مقاطع.. تذكر هذا!

ولم يشأ أن يرافقني إلى منزلي, ولكنه سجل لديه رقم الفاكس.

في طريقي إلى المنزل, لفت نظري أن نافذة أحد المطاعم مغطاة بإعلان كبير, وأدهشني أنه كان يبشر سكان المدينة بأن مجموعة من المطاعم سترسل لهم, في منازلهم, فاكسات بقوائم الطعام الذي تقدمه لعملائها. وبالفعل كان نصيبنا ثماني قوائم, استقبلها جهاز الفاكس في بيتنا, ووجدتها حال عودتي للمنزل.

بينما كنت أراجعها, دخلت أختي الصغيرة إلى حجرة المكتب, وقدمت لي شطيرة, ونظرت إلى قوائم الطعام, وقالت: واضح أنك جائع!

وكنت جائعاً فعلاً, فأنا أغفلت وجبة العشاء بالأمس.. نسيتها, إذ شغلني الفاكس تماماً! شكرت أختي فاستدارت خارجة من الحجرة, وقد ارتفع صوت الموسيقى من مذياع صغير بيدها.

قبل أن تغادر الحجرة, توقف صوت الموسيقى, وارتفع صوت مذيع, يعلن: يسرنا أن نلبي رغبات مستمعينا, ونقدم لهم المعزوفات التي يحبونها.. اتصل بنا هاتفياً الآن.. أو إذا كنت قد دخلت عصر التكنولوجيا الإلكترونية, فارسل إلينا فاكساً!

وكان جهاز الفاكس مفتوحاً أمامي, فأسرعت أرسل إلى محطة الإذاعة قائمة بطلباتي من المقطوعات الموسيقية.. ولم أتمكن من التأكد من استجابة المحطة لطلباتي, إذ كانت أختي قد ابتعدت, كما أن المذياع الخاص بي موجود في حجرتي بالطابق الأعلى, ولم أكن أريد أن أغادر حجرة المكتب, إذ ربما تصلني فاكسات جديدة, فأستقبلها!!

وبعد قليل, أطل أبي برأسه من باب الحجرة, وقال: لا تنس يا بارني أن تكلفة الفاكس تضاف إلى قائمة حساب الهاتف!
قلت: لا تخف يا أبي.. إنني أجيد التعامل مع الإلكترونيات.
وسمعت الهاتف يرن, ولم يلبث صوت أمي أن ارتفع من جهة المطبخ: مكالمة لك يا بارني.

رفعت السماعة. كان هاتش يكلمني: لعلك الآن تراجع كلمات الأغنية لتحفظها يا بارني!

قلت: انتظر يا هاتش.. إنني مشغول للغاية الآن, وسأتصل بك لاحقا..

وكنت مضطرا لإنهاء المكاملة لأن جهاز الفاكس كان يستقبل رسالة في هذه الآونة, وظننت أنها رسالة مهمة, ولكنها, للأسف, لم تكن أكثر من ورقة سخيفة, من تلك البيانات الدعائية التي يرسلها إليك شخص ما, من مكان ما, دون أن تطلبها, فتشغل وقتاً وتستهلك ورقاً, دون فائدة. وهذا نموذج من هذه الاتصالات المزعجة.. إن الورقة المرسلة تخبرني بأن (أغنامي) سينمو صوفها بمعدل أسرع إن أنا قمت بتكييف هواء الحظيرة!!.. ونحن لا نملك أغناماً ولا حظيرة!

سمعت أبي ينادي: ارفع السماعة يا بارني.. صديقك (ماتي) على الخط..

بادرني ماتي بالشكوى: إنني أجد صعوبة في حفظ أغنيتنا الجديدة, فكلماتها تبدو لي معقدة.. هل لديك مانع أن أنضم إليك لنحفظها معا?

ابتسمت, وقلت: حسناً يا ماتي.. أنا متأكد أن هاتش هو الذي دفعك إلى هذه المكالمة, وأستطيع أن أذكر لك نفس الكلمات التي حدثك بها: (اتصل بصديقنا المشوش بارني, واجعله يعطي بعض الاهتمام لعملنا المشترك!).

احتج ماتي, قائلاً: لا يا بارني.. إنه لم يفعل.. ليست هذه هي كلماته بالضبط!!

وتلا ذلك أن أرسل لي هاتش فاكساً عبارة عن كلمات الأغنية, بحروف كبيرة. أعلم أنه يرسل فاكساته عن طريق جهاز في صيدلية مجاورة لبيته, وذلك يكلفه بعض النقود. أخذت أتأمل محتوى رسالته الإلكترونية, وخطرت لي فكرة.. أنا واثق من أنني سأحفظ كلمات الأغنية, ولن أنساها, ولكن من باب الاحتياط, سألصق الورقة المحتوية على رسالة هاتش.. سألصقها بظهر مكبر الصوت أمامي, ليسهل عليَّ التقاط الكلمات إذا احتجت إلى ذلك.

وفي مساء يوم الجمعة, كنا نعدُّ آلاتنا الموسيقية التي سنعزف عليها مساء الغد. والحقيقة, أنني للأسف, لم أكن قد حفظت كلمات الأغنية بصورة مرضية, لذلك فقد تعمدت ألا اتكلم مع هاتش, قبل أن نبدأ حفلنا, حتى لا يبدأ في طرح أسئلته المحرجة! وكنت قد كلفت أختي الصغيرة بأن تحضر الحفل, وتقوم بتعليق الفاكس (إياه) على ظهر مكبر الصوت المواجه لي مباشرة, وأوصيتها بأن تكون حريصة ولا تجعل أحداً يلاحظ الورقة المعلقة. ومن ناحيتي, فقد تظاهرت, طول الوقت, بالنظر لأعلى.. إلى أوراق الزينة اللامعة المعلقة بسقف القاعة. ولما جاء وقت الأغنية الجديدة, بدأنا نعزف اللحن, وبدأت أنظر إلى الورقة على ظهر مكبر الصوت, وأقرأ الكلمات, لأغنيها, فقرأت: أمطار خفيفة هذا المساء!.. متوسط درجة الحرارة ستين فهرنهيتي!!

نطقت بالكلمات, فعلاً قبل أن اكتشف غرابتها.. فلا يمكن أن تكون هذه كلمات أغنية. وفي لحظات قليلة, أدركت أنني قد أخذت الفاكس الذي أرسلته لي مصلحة الأرصاد الجوية, وفيه تقرير عن حالة الجو هذا المساء!! وأسقط في يدي. وحاول هاتش أن يتدارك الموقف, فأخذ يتحدث إلى أصدقائنا المجتمعين في الصالة ليستمعوا لغنائنا.. وأعدنا العزف, وتكفل ماتي وهاتش بالغناء, واكتفيت أنا بالعزف على أوتار الجيتار.

إن حكايتي مع الفاكس لم تتوقف عند هذه النقطة, فقد اضطررت للعمل, لبعض الوقت, في (سوبر ماركت), لأوفر بعض النقود لأغطي الزيادة الكبيرة في قيمة (فاتورة) الهاتف, فقد أصر أبي على أن أتحملها أنا, لعلني استخدم الفاكس, مستقبلاً, في المهم والضروري من الأمور.