بيتنا الارض

بيتنا الارض

استغاثة من المحيط الدافيء

برقية عاجلة:

إلى فريق الكوكب الأخضر ـ باب بيتنا الأرض ـ مجلة العربي الصغير

انقذونا
حوت العنبر والحبّار العملاق
المحيط الدافيء ـ قرب ساحل سيريلانكا

اجتمع أعضاء فريق الكوكب الأخضر على الفور لاتخاذ قرار عاجل بشأن برقية الاستغاثة, وفهموا أن المحيط الدافيء هو المحيط الهندي, لكنهم لم يفهموا أبداً كيف يتفق هذان الخصمان اللدودان على ارسال برقية استغاثة واحدة بإمضاء مشترك!

قال خضور: إن بينهما صراع حياة أو موت.

وعلقت خضورة: وهناك أساطير كثيرة بين سكان سواحل البحار والمحيطات الدافئة عن هذا الصراع. هل أحكي لكم واحدة?

هتف جميع أفراد الفريق في صوت واحد: (نعم. هيا. هيا).

وحكت خضورة: (يقال إن هناك عدم استلطاف قديما بين حوت العنبر والحبار العملاق. والسبب أن الحبار العملاق مرّ في طريقه بحوت عنبر عظيم. فقال له حوت العنبر: (أنت أيها الحبار, لماذا لا تظهر لي علامات الاحترام? إنني ملك البحار وأنت مجرد حيوان رخوي عادي. لهذا لابد أن تحترمني).

رد عليه الحبار: (هل تظن أنك تخيفني. صحيح أنني مجرد كائن بحري رخوي, لكنني لا أقل عنك شأناً, وأتحداك للدخول في مبارزة).

قال الحوت الواثق من نفسه: (ها.. سأعطيك ثلاثة أشهر لتستعد لهذه المبارزة أيها المسكين).

وفي الموعد المحدد جاء حوت العنبر محدثا ضجة كبيرة ومطلقا نوافير المياه العالية من أنفه. وكان الحبار في انتظاره وفي حوصلته كمية كبيرة من الحبر الطبيعي الذي يفرزه, وصاح متحدياً الحوت: (والآن لن يمكنك أبدا أن تمسك بي), وما إن أنهى كلامه حتى سارع بنشر حبره في وجه الحوت. وبدأ الحوت الذي أعمى الحبر عينيه يصيح: (لكن.. أين أنت.. أين أنت). وكان الحبار يرد عليه ساخراً: (لا.. لا.. لا تقل لي يا ملك البحار أنك لا تستطيع رؤية مجرد حيوان رخوي عادي).

وأحاط الحبار رأس الحوت بمجساته العديدة الطويلة, مغطيا فتحة أنفه ليمنعه من التنفس, حتى كاد يختنق. واستمرت العداوة بينهما, ولم ينقطع العداء حتى اليوم.

ساد الصمت لحظات بين أعضاء فريق الكوكب الأخضر, ثم بادرت خضراء بالحديث: (طبعاً هذه مجرد أسطورة. لكن الحقيقة أن سر العداء بين حوت العنبر والحبار يعود إلى أن الغذاء الطبيعي المفضل لهذا الحوت هو الحبار, والحبار ليس لديه وسيلة للنجاة من فكي الحوت إلا بالحبر والمجسات الطويلة).

بعد المناقشة لم يصل أعضاء فريق الكوكب الأخضر إلى قرار بشأن الاستغاثة, فهي غريبة, ثم إن المكان بعيد بعيد, في المحيط الهندي. وتذكر خضور أن هناك صديقة من أصدقاء فريق الكوكب الأخضر في سيريلانكا هي (حسيبة نادو), وكان القرار أن تتحول إليها الاستغاثة, مع رجاء أن ترسل إلى الفريق برسالة توضح الأمر.

بعد عشرة أيام وصلت رسالة من كولومبو, وكانت المرسلة هي حسيبة نادو التي قالت في رسالتها:

أصدقائي الأعزاء:

وصلتني رسالتكم, وكنت قد قمت بالاستجابة للاستغاثة قبل أن تحولوها إليّ, وعلى زورق سريع مع مجموعة من حماة البيئة وصلنا إلى مصدر الاستغاثة في المياه العميقة على مسافة 50 ميلا من شاطيء سيريلانكا الجنوبي الغربي, كانا حقا حوتا من حيتان العنبر وحبارا من النوع الكبير, وأدهشنا أنهما يسبحان بأقصى سرعتيهما جنباً إلى جنب بدلاً من أن يتعاركا معاً كالمعتاد. لكن دهشتنا تلاشت عندما ظهرت سفينة من سفن صيد الحيتان تطاردهما.

وصار الأمر واضحاً لنا, فحوت العنبر كان يهم بالتهام الحبار, والحبار كان يستعد لرش عيني الحوت بالحبر, لكن في هذه اللحظة ظهرت سفينة صيد الحيتان تريد اقتناص الحوت, لتحطيم رأسه الضخم الذي يصل إلى 6 أمتار ويشكل ثلث طوله البالغ 18 مترا, ففي داخل هذا الرأس يوجد زيت العنبر الذي يستخدم في صناعة العطور الغالية وبعض الأدوية. ارتعب الحوت عندما رأى السفينة وسارع بالفرار, لكن شدة رعبه جعلت الحبار يرتعب هو الآخر, وراحاً يفران جنبا إلى جنب متناسيين عداءهما القديم أمام العدو المرعب الجديد. وأرسلا برقية الاستغاثة معا.

لقد قطعنا بزورقنا الطريق بين سفينة الصيد والهاربين, وأبلغنا باللاسلكي حرس السواحل. ولأن سفينة الصيد اضطرت لإبطاء سرعتها إذ لم نستجب لتهديداتها ـ عبر مكبرات الصوت ـ بالابتعاد, فقد أتيحت لحوت العنبر والحبار فرصة الهرب. اختفى الحبار تحت الموج, وتلاشت آثار حوت العنبر, هذا الكائن العملاق الذي يستطيع السباحة لساعة كاملة بنفس واحد ويقدر على الغوص حتى عمق 1000 متر في قاع المحيط.

وسرعان ما جاء حرس السواحل بسفينتهم الحربية المجهزة تجهيزا جيداً, واقتيدت سفينة صيد حيتان العنبر إلى الشاطيء السيريلانكي موقوفة بالجرم المشهود. فحيتان العنبر صارت على القائمة الحمراء للكائنات المهددة بالانقراض بسبب الصيد الجائر, وصيدها محرم دوليا.

(ملحوظة: لقد كنت أنا من كتب برقية الاستغاثة باسم الحوت والحبار, وطبعا كنت قد تصرفت قبل إرسالها, فقط كنت أريد أن أثير خيالكم وخيال القراء, لنتذاكر معاً محنة بعض الكائنات المهددة بالانقراض).

فعذرا, وشكراً

صديقتكم حسيبة نادو كولومبو

 


 

محمد المخزنجي