البحرين... لؤلؤة وسط مياه الخليج
البحرين... لؤلؤة وسط مياه الخليج
أنا صديقتكم ليلى وأعمل مشرفة في متحف الغوص واللؤلؤ في البحرين. وأود أن أصحبكم في جولة إلى هذا المتحف الصغير, والجميل في الوقت نفسه, وأنتم تعرفون طبعاً أن البحرين هي مجموعة من الجزر القريبة من بعضها التي تقع في وسط الخليج العربي, ويبلغ عددها 33 جزيرة. أشهرها هي جزيرة البحرين التي أخذت منها البلاد اسمها, وهناك جزيرة أخرى هي المحرق التي أصبحت ترتبط بالبحرين بجسر حديث. وكذلك جزيرة سترة التي توجد فيها مصافي البترول الحديثة. بلادي هي قلب الخليج, فقد نشأت فيها العديد من الحضارات, وكانت ولاتزال واحدة من أهم الطرق التجارية بين الشرق والغرب, ولا يعرف البشر هذا فقط, ولكن الطيور المهاجرة تعرف ذلك أيضاً, فهي تحل ضيفة على جزر البحرين لشهور عدة في السنة, وهي تجد في الجزر الصخرية التي لا يسكنها بشر ملاذاً آمنا لها. هل تعرفون لماذا سُميت البحرين بهذا الاسم? سميت كذلك بسبب عيون الماء العذبة التي تحيط بها, وقد يبدو غريباً أن توجد عيون عذبة وسط البحر المالح, ولكن أهل البحرين كانوا يعرفون مكانها, وكان البحّارة يذهبون إليها بسفنهم ويأخذون منها زادهم قبل الرحيل, وبسبب امتزاج البحر العذب بالبحر المالح سميت البحرين, وبسبب هذه الظاهرة أيضاً, تكون اللؤلؤ في قاع البحرين, ويقال إنه كان من أجود أنواع اللؤلؤ في العالم. الغوص على اللؤلؤ تعالوا إذن نعرف تاريخ البحرين من خلال التجول في قاعات متحفنا الصغير والذي سوف يحكي لكم تاريخ الناس على أرض هذه الجزيرة, هذا المبنى القديم الذي يحتله المتحف, كان قديماً قاعة للمحكمة, وكان قد دفن بفعل الزمن تحت الأرض التي أقيم فوقها مثل العديد من المباني في البحرين. وكان أمير البحرين نفسه هو الذي يقوم بمهمة القاضي, كانت الحياة وقتها بسيطة يا أصدقائي, ولم تكن هناك جرائم كبرى أو خلافات وشجارات, أو حتى سرقات بسيطة. فقد كان المجتمع البحريني يعرف بعضه بعضاً, ولم تقع منذ إنشاء المحكمة حتى تحويلها إلى متحف إلا جريمة قتل واحدة, كان القاتل فيها رجلا غير بحريني. نحن الآن في قاعة الصيد البحري, وصيد السمك هو الحرفة الرئيسية التي مارسها أهل البحرين, وكان السمك هو طعامهم الرئيسي, وأشهر أنواعه هو الهامور والصافي والكنعد. أما المهنة الثانية, فقد كانت الغوص بحثاً عن اللؤلؤ. جزيرة الخلود ذكرت الأساطير القديمة أن البحرين هي جزيرة الخلود, وسبب ذلك أن الحياة قد وجدت عليها منذ وقت مبكر. انتشرت فيها أشجار النخيل بسبب ما فيها من عيون عذبة. وقد عرف أهلها الغوص بحثاً عن اللؤلؤ منذ حوالي 2000 عام قبل الميلاد. وقد قال الرحّالة العربي المسعودي إنه(أي الغوص) أشق مهنة رآها في حياته. وهناك موسم خاص للخروج للغوص يبدأ من شهر يونيو وينتهي في أكتوبر. وعليكم أن تتخيلوا الحر الشديد في شهور الصيف هذه. ومع ذلك فإن الرحلة تبدأ بالفرح والاستبشار في الحصول على حصاد وفير وأن يكون الموسم جيداً. هاهو صوت (النهّام) يعلو بالأغاني معلناً عن بداية الرحلة, النهّام هو اسم المغني القديم الذي يرحل مع كل سفينة ليغني لبحارتها, ويرفع من روحهم المعنوية, ويشاركه بقية البحارة بالإيقاع والتصفيق. بينما تقف النساء والأطفال على الشاطئ يودعون آباءهم وإخوانهم بالزغاريد, وبالعيون الدامعة, فالرحلة شاقة يا أصدقائي, والبحار عندما يغوص في قاع البحر يكون عرضة لهجوم أسماك القرش المفترسة, كما أن السفن هي أيضاً تكون عرضة للعواصف المدمّرة التي قد تغرق السفينة ومَن عليها. لابد من التعب في مقدمة السفينة يقف (النوخذة), أي ربان السفينة, وبجانبه نائبه أي (المجدمي) ثم الغواص الذي يهبط إلى الماء ليجمع المحار الموجود في قاع البحر. هل تعرفون كيف يتكون اللؤلؤ? عندما تفتح المحارة نفسها أحياناً يدخل فيها أحد الأجسام الغريبة, قد تكون حبة من الرمل, أو قطعة من الطحالب, ولكن المحارة تغلق فمها وتبدأ في إفراز مادة فضية حول هذا الجسم الغريب, وتتحول هذه المادة إلى كتلة صلبة ومستديرة ما تلبث أن تكون اللؤلؤة التي نعرفها. وليست كل المحارات تحتوي على اللؤلؤ, بل إن القليل منها هو الذي يحتوي على ذلك, لذلك على الغواص أن يغوص عشرات المرات في اليوم الواحد وأن يجمع في سلته كل ما يقدر عليه من المحارات, وهو يقضي في كل مرة حوالي دقيقتين ونصف تحت الماء, ويصعد ليغوص من جديد, وأحياناً يصل عدد مرات الغطس حوالي 70 مرة. وبعد ذلك, تبدأ عملية فتح المحار, وتبدأ صيحات الانتصار أو خيبة الأمل. الانتصار عندما يجد البحار لؤلؤة, وخيبة الأمل عندما يجد المحارة فارغة, وبين هذا وذاك تتواصل رحلة الغوص بحثاً عن (الهيرات) المناسبة, والهيرة هو مكان يعرفه قبطان السفينة حيث يوجد فيه اللؤلؤ بكثرة. وفي نهاية هذا اليوم الشاق, يجلس الغواصون ليأكلوا وجبتهم الوحيدة وهي كالعادة تتكون من الأرز والسمك الذي يصيدونه وبضع حبات من التمر, وهي وجبة ليست كافية في معظم الأحيان, لذلك نجد الغواصين دائماً في غاية النحافة. ولكن ما يغري الغواص حقاً هو سماعه لصوت النهام وهو يغني في هدوء الليل. وقد لعبت الموسيقى دوراً بارزاً في حياة أبناء البحرين, وهي هنا صدى لإيقاع البحر حيث تنعكس العلاقة بين الإنسان والبحر بالكلمة والحركة والإيقاع. عادات شعبية تعالوا ننتقل معاً إلى بقية قاعات المتحف, هاهي قاعة الأزياء الشعبية, فالمرأة في البحرين قد امتازت بذوق جميل مما جعلها قادرة على اختيار الألوان المختلفة ومزجها معاً, وتطريزها بالنقوش الغزيرة. وتُلبس الأثواب الفخمة في المناسبات والأعياد. والثوب المحبب لدى المرأة هو ثوب (الكورار) وهو معقد بعض الشيء, ومشغول بخيوط الذهب, وعند خروج المرأة من بيتها تلبس العباءة التي تغطي الجسم كله من أعلى الرأس حتى أخمص القدم. والآن.. هاهو المطبح البحريني, إنه مطبخ مميز مليء بالأكلات الشعبية, وقبل اكتشاف النفط والغاز, كانوا يستخدمون الفحم والخشب من أنواع معينة من الأشجار مما يجعل للطعام نكهة خاصة. وفي الولائم, يحرص أهل البحرين على تقديم الطعام في صينية مستديرة ويوضع فوق سفرة مستديرة أيضاً, بحيث يكون الجميع متساوين عند تناول الطعام. وتقضي العائلة البحرينية معظم يومها في غرفة المعيشة, وهي غرفة بسيطة تجلس فيها ربّة المنزل لتزاول أعمالها وتستقبل أقاربها. وأجمل ما في العادات البحرينية هي حفلات العرس, ورغم دخول العديد من الأساليب العصرية, إلا أن هناك الكثير من تقاليد الزواج مازالت كما هي في البحرين, فبعد الخطبة والهدايا والولائم تحضر غرفة العروس وتسمى (الفرشة) وفيها تغطى كل الجدران بالمرايا ويغطى السقف باللون الأحمر, وتعلق الزينات في كل مكان. وفي ليلة الزواج تقوم الفرق الشعبية بالغناء والرقص وتستمر الحفلات يوماً أو يومين, حتى سبعة أيام حسب إمكانات العريس. أشياء كثيرة عن البحرين يحكيها هذا المتحف الصغير, فلا تنسوا أن تزورونا كلما جئتم إلينا, وجميع مَن في البحرين يعرفون مكاننا.
|
|