الصغار يركبون مكوك الفضاء

الصغار يركبون مكوك الفضاء

من المؤكد أنه ليس هناك عمل أكثر صعوبة وإثارة من عمل رائد الفضاء, فإن البشرية لم تشهد منذ فجر التاريخ, ما هو أعظم وأخطر من غزو الإنسان للفضاء الخارجي.

ومن المعروف أن (روّاد الفضاء) قليلون جداً, نظراً لصعوبة المهمة, وبسبب ما تتطلبه من لياقة بدنية واستعداد علمي لا يتوافران إلا لعدد محدود, وبعد المرور بمراحل وبرامج وتدريبات شاقة, ولكن لأن الأمر يتعلق بــ(المستقبل) كله, فقد بدأوا في أمريكا تجربة لكشف الستار عن أسرار الفضاء أمام الصغار والفتيان, فقد وجدوا أنه من المهم للغاية أن يتعرّف هؤلاء الذين سيكون منهم علماء وروّاد الغد, على ذلك العالم المجهول وأن يستعدوا لمواجهته وببساطة, أقاموا لهم.. معسكراً للفضاء!
الفكرة.. لفون براون:

على الرغم من أن تنفيذ فكرة (معسكر الفضاء) لم تبدأ إلا منذ سنوات معدودة, فإن الفضل فيها يعود إلى واحد من مشاهير العاملين في ذلك الحقل, هو (فيرنر فون براون) مهندس الصواريخ الألماني الأصل. فعندما كان براون يدير مركز طيران الفضاء في (هانسفيل) بولاية (ألاباما) الأمريكية, بدا له أنه يجب العمل على إقامة معسكر للفضاء, على الأقل على غرار المعسكرات التي تقام للألعاب الرياضية كالتنس وكرة السلة. وقد ظلت الفكرة تتأرجح زمناً, حتى أنشئ المعسكر بالفعل في عام 1982, على أن يكون (مؤسسة تعليمية). وتلتحق بالمعسكر, منذ ذلك الوقت, أفواج متتابعة من الصغار والفتيان الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و 16 عاماً.

برنامج خاص ومدرّبون خبراء:

يخضع المتدربون لبرنامج تدريبي متطور, يضم الفوج الواحد ما بين أربعة إلى مائة متدرب, ولأن المعسكر يقع بجوار مركز (ألاباما) للصواريخ والفضاء, والذي يشرف خبراؤه على برامج التدريب, فإن الصغار المشتركين في البرامج التدريبية تتاح لهم زيارة هذا المركز أيضاً ومشاهدة الأجهزة والمعدات (الحقيقية) التي تتوافر منها في المعسكر نماذج طبق الأصل. كذلك فإن وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) تحرص على تزويد المعسكر بمعدات (حقيقية) من تلك التي تستخدم في التدريبات الخاصة بالرواد وبرامج الفضاء أو التي استخدمت فعلاً في رحلات فضائية سابقة, كذلك توفد (الوكالة) باستمرار بعض خبرائها للتحدث مع المتدربين ومناقشتهم.

بدء العدّ... ثم الانطلاق:

والحقيقة أن الاقتراب من الصورة, ومشاهدة الصغار أثناء التدريب, يمكن أن يعطي فكرة عمّا ينطوي عليه البرنامج من إثارة. فها هو أحد المسئولين يغلق باب نموذج المكوك الفضائي متمنياً حظاً سعيداً لروّاد الفضاء الصغار السبعة الذين سيبدأون بعد لحظات رحلتهم إلى الفضاء الخارجي. يشد طاقم رواد المكوك (ديسكفري) الأحزمة على أكتافهم الصغيرة. ويثبتون مكبّرات الصوت - التي تربطهم بالمراقبة الأرضية - على رءوسهم, وتبدأ الرحلة, في ذلك الوقت, تكون الأنوار البيضاء والحمراء قد أضيئت على امتداد جانبي نموذج المكوك. ثم يعقب ذلك صدور نداء من غرفة المراقبة يعطي العد العكسي, وفي نهايته يلف المكوك وروّاده هدير قوي. وعند بدء العد مرة أخرى, يتضاعف صوت المحركات وتبدأ كبسولة الفضاء بالاهتزاز قاذفة بفريق الرواد على الرغم منهم, بينما تكون صورة انطلاق مكوك حقيقي قد ملأت شاشة جهاز (الفيديو) في مقدمة الكابينة.

وبعد برهة, يضيف الصوت أن المكوك ينطلق وأن سرعته توازي سرعة الصوت, تخفّ حدة الاهتزازات, بينما يجلس طاقم الروّاد بهدوء لفترة قصيرة قد لا تتجاوز دقيقة واحدة, وقد غمرهم شعور من يطفو فوق الماء!

إن التدرب على مكوك الفضاء, بما في ذلك إطلاقه وتشغيله وإعادته إلى الأرض, يكاد يكون هو الجزء الرئيسي في برنامج المعسكر كما يؤكد مدير المعسكر الذي يقول: إن الصغار الذين يأخذون مهمتهم بجدية كاملة, ينظرون إلى المكوك وكأنه آلتهم الخاصة بهم, وأنهم يفهمونه جيداً, ويعون أنه يقلع كالصاروخ ويهبط كالطائرة, فهو وسيلة السفر الخاصة بهم, كما أن محطة الفضاء التي أطلقت فيما بعد, ستكون في نظرهم مكانهم المفضل.

 

 


 

محمد مراون مراد