غابة غريبة في صندوق!

غابة غريبة في صندوق!

قرر أعضاء فريق الكوكب الأخضر أن يكون لهم ناد, يجمعهم ويجمع معهم المدافعين عن البيئة الطبيعية والداعين إلى نشر لون النباتات الأخضر على كوكب الأرض, واختاروا لناديهم اسم (النادي الأخضر).


استأجروا الطابق الأول في بناية صغيرة, وحرصوا على أن تكون هناك حديقة صغيرة ملحقة بمقر النادي, زرعوا فيها العشب الأخضر وبضع شجرات ليمون وزيتون وعنب, كما زرعوا قرب الجدران شجيرات لبلاب وبهجة الصباح لتنمو وتتسلق الجدران حتى تغطيها تماماً بفروعها وأوراقها, ليبدو النادي الأخضر بحق.


وما إن وضعوا لافتة (النادي الأخضر) على الباب حتى بدأت تتدفق عليهم الهدايا.


جاءتهم هدايا عديدة: سلحفاة صغيرة, وثلاث حمامات بيضاء, وعدة أصص بها شجيرات ورد وريحان, وقفص به ثلاثة عصافير كنارى. أما أعجب الهدايا فكانت في صندوق خشبي مكعب لا يزيد عن نصف المتر, به غابة.. نعم غابة حقيقية من أشجار الدردار, لكنها منمنمة, أرسلها صديق عربي يعيش في اليابان.


واجتمع اعضاء فريق الكوكب الأخضر ليقرروا ماذا يفعلون بهذه الهدايا.

كيف حدث هذا?


أجمعوا على ترك السلحفاة ترعى حرة في الحديقة, وعلى نقل شجيرات الورد والريحان من الأصص إلى الأرض الفسيحة في الحديقة أيضا, وتشاوروا حتى استقروا على رأي في أمر العصافير والحمام.. العصافير يستمرون في رعايتها مع ترك باب القفص مفتوحاً حتى تطير حرة إن ارادت. والحمامات يبنون لها عشاً فوق النافذة ويقدمون لها الماء والحبوب ويتركونها تطير وتحط متى تشاء.


أما الغابة في الصندوق فقد حيرتهم.. أخرجوها من الصندوق ووضعوها بينهم على طاولة الاجتماع..


إنها غابة أشجار حقيقية لكنها مزروعة في إناء صغير وطول كل شجرة فيها لا يتجاوز أربعين سنتيمترا, أي أقل من نصف متر.


تبدو جميلة في لحظة, لكن تأملها طويلاً يجعل الإنسان يشعر بالغرابة ـ هذا ما أجمعوا عليه وهم يتأملون غابة (الدردار) المنمنمة بينهم.


كيف حدث هذا? تساءلوا, وتطوعت خضراء بالإجابة لأنها قرأت كتاباً صغيرا مصورا عن ذلك, أحضرته معها لتريهم إياه. وقالت: هذه غابة (بونساي). وكلمة بونساي تتكون من مقطعين بون ـ ساي, معناهما (نباتات الإناء). وهي طريقة زراعة لتقزيم الأشجار بدأت في الصين منذ آلاف السنين بهدف نقل الأشجار من الطبيعة ووضعها داخل البيوت للزينة. ثم انتقلت إلى اليابان وانتشرت بها واشتهرت هناك. وحتى تصير الأشجار قزمة تنمو في إناء يقومون بعدة عمليات تخضع لها الأشجار منذ الصغر وعلى امتداد عمرها الذي يطول حتى يصل إلى مئات السنين أحيانا. فهم يزرعون هذه الأشجار في أوان خزفية مسطحة تعيق نمو الجذور, ويقصون الجذور كلما طالت, كما يقلمون الغصون, ويلفون أسلاكاً معدنية محكمة حول جذوعها حتى تظل صغيرة وتأخذ الشكل الذي يختارون. كما أنهم يستخدمون طرقاً إضافية لمنع نمو هذه النباتات في الأواني, بتعطيشها ومنع الضوء عنها فيكثر داخلها هرمون يمنع استطالة الخلايا ويوقف تكاثرها ويغلق ثغور الأوراق في النهار فلا تتنفس, ويظل النبات قزماً. ومع تقدم العلم صاروا يضيفون هذا الهرمون المانع للنمو والمسمى حامض (الإيسيسيك) إلى أشجار البونساي حتى تتقزم أكثر.

هل البونساي جميل?


سكتت خضراء عن الكلام, فساد الصمت في المكان بينما كل أعضاء فريق الكوكب الأخضر ينظرون في ذهول إلى غابة أشجار الدردار المقزمة في الإناء الخزفي على الطاولة. ولابد أن كلا منهم كان يشعر بالخوف وهو يتصور نفسه خاضعا لعملية تقزيم حتى يظل صغيراً, بالتجويع, والتعطيش, والحبس في ثياب معدنية محكمة تمنع نمو جسمه.?


فهل يبدو البونساي جميلاً?!

 


 

محمد المخزنجي





غابة دردار مقزمة في الطبق.. عمرها 25 عاما











شجرة بلوط مقزمة، عمرها 120 سنة





شجرة برقوق مقزمة، عمرها 100 سنة