وداعـا.. بابا بهجت عثمان

وداعـا.. بابا بهجت عثمان

رسوم: حلمي التوني


تظل ذاكرة الإنسان دائماً وأبداً صندوقاً صغيراً يمدنا بكل ما هو جميل.. الذكريات المختزنة والتي نستدعيها كلما قست علينا الحياة.


ولا بد أنك في كثير من الأحيان تتذكر رسوم وألوان الفنان بهجت عثمان التي أسعدتك كثيراً في مجلتك العربي الصغير, والكثير من مجلات الأطفال الأخرى. تتذكر تلك اللوحات التي قدمها لك الفنان مرسومة في الشكل واللون, منتزعة من قلب الحياة مرة, ومن قلب التراث الشعبي مرات.


جِمَال المحمل في طريقها إلى الحج لبيت الله الحرام.. القراقوز فن الفرجة القديمة.. شاعر الربابة وعازف المزمار.. نخلة الحب ومرجيحة الأطفال.. لعبة التحطيب الباقية من فروسية العرب.. اللوحات التي كانت تصاحب القصص المرسومة بالمجلة.. صور جواري ألف ليلة وليلة المغنيات.. والحيوانات الصغيرة المدهشة.. والأطفال الذين يركبون البساط السحري ويطيرون عبر ألوان من البهجة, وأفق جميل يزهر بأشكال الزهور الرائعة.


تَذَكرتْ كل هذا?


إذن فلقد تذكرت مبدعها الفنان الراحل بهجت عثمان.


إنها بعض رسوم عاشق الأطفال الفنان الكبير الأب بهجت عثمان.


لقد غاب عنّا هذا الفنان وودعنا بطمأنينة من أدى دوره في الحياة, لقد أغمض عينيه راضياً, تاركاً بيننا ذلك الأثر الجميل حيث غمرنا به طوال عمره, وتركه, مقيماً في أرواحنا, مؤكدا على معنى: أن الأعمال الطيبة لا تفنى ولا تضيع.


كما تعرف يُغيّب الموت أجسادنا, ولكن أعمالنا الطيبة باقية, وأخلد الأشياء الباقية هي الفنون لأنها تثير فينا الدهشة, وتفتح عيوننا على الرقي والجمال ومحبة الدنيا.


وكم أثار دهشتنا بهجت عثمان, وكم فتح عيوننا على كل ما أثرى وجداننا مثل لحن من الموسيقى دائماً ما يتردد في وعينا.

كنتُ أعرف العم بهجت, وكان كلما قابل كاتباً موهوباً يقول له مبتسماً: (نفسي أتصور معك, ويعني بذلك:نفسي أرسم لك قصة.


كلمات تشع بالمحبة, ولغة يحتويها الأدب, وخطاب يصدر من جيل صنع لنا دائماً النور, والبهجة, وعشق كل ما هو طيب.


الفنان بهجت عثمان من هذا الجيل الذي لن يعوض.


جيل الآباء البررة الذين علمونا معنى الحرية, وشجاعة الكلمة, وساهموا في رقي أذواقنا, ووضعوا أمامنا على الطريق علامات فارقة تعلمنا من خلالها كيف نجابه المظالم ونكره أي اعتداء على حرية الفرد والجماعة ومن ثم الأمة.


ينتمي بهجت عثمان لجيل الوسط الذي مارس الرسم منذ منتصف الخمسينيات, الجيل الذي كشف عن مواهبهم الصحفي القومي الكبير الراحل أحمد بهاء الدين, والفنان الكبير الراحل حسن فؤاد في مجلتي روزاليوسف وصباح الخير أيام عزهما القديم.. جيل صلاح جاهين وبهجت عثمان وجورج البهجوري ورجائي ونيس وغيرهم, هؤلاء الذين أبدعوا مدرسة جديدة في فن الكاريكاتير العربي.


مدرسة بدأت الرسم في مناخ يموج بالأسئلة, ويشتعل بالمد القومي العربي, يقاوم الاستعمار ويحلم بأفق جديد من حرية ينتزعها, يطرح شعارات الوحدة والتحرر وإحياء تراث الأمة الثقافي والحضاري, ويخوض المعارك الحقيقية لتحقيق ذلك.
في هذا المناخ المشتعل بالأسئلة القومية كانت رسوم بهجت عثمان تعكس قيم هذا الوقت, وتعبّر عن أحلام الفقراء المشروعة في مجتمع تسوده المساواة ويتسم بالبحث عن صيغ مصرية وعربية تشكل وعياً جديداً في عالمنا العربي.


بعد هزيمة يونيو 1967 انكسر حلم هذا الجيل بالهزيمة المفاجئة والمروّعة, إلا أنه عاد للمقاومة من جديد مدافعاً عن روح أمته في مواجهة الهزيمة حتى انتصرت الأمة في أكتوبر 1973, والتي أعقبها عصر من الانفتاح الاقتصادي والصلح مع العدو التاريخي والتقارب مع الغرب, ونشوء طبقة جديدة وبروز التيار السلفي, إلا أن هذا الجيل عاد من جديد للدفاع عن القيم التي دفعوا أعمارهم في التعبير عنها.


كانت هذه أخصب فترات إبداع بهجت عثمان.. تصدى فيها لكل مظاهر الظلم الاجتماعي في الواقع, وعبر بالرسم عن تجاوزات السلطة الرسمية, وأصدر رسومه وأبدع شخصيته التي لا تنسى (بهجاتوس) في كتابه (الديكتاتورية للمبتدئين) والذي دفع بسببه ثمناً غالياً بالمنع مرة, ومصادرة رسومه مرات. وحين اشتد الحال وأوغل العمر في الكبر, وتغيّرت المناخات, عند ذلك اختار بهجت عثمان أرضاً جديدة يلوذ إليها بقاربه الفني, وكانت الأرض الأخيرة.. أرض الرسم للأطفال.


لقد اختار العم بهجت الرسم للطفل, وطناً, والتعبير عن أحلام أطفال عالمنا العربي, منهجاً, ومساحة من اللون تشع بالفرح, وتضوي بالبسمة والدهشة.


في كتابه الجميل (كان ياما كان) يقول الفنان الراحل بهجت عثمان: (عزيزي الطفل.. اسمح لي أن أقول لك... أنت محظوظ... محظوظ لأنك من أبناء آخر القرن العشرين.. هذا القرن الذي بدأ من عام ألف وتسعمائة وسينتهي بنهاية هذا العام.. أنت محظوظ لأن هذا القرن قدم للعالم من الاختراعات أكثر بكثير من كل الاختراعات التي تمت منذ بدء الخليقة حتى الآن (...) ومن يدري?.. ربما تضيف أنت أيضا اختراعات في القرن الواحد والعشرين أول الألفية الثالثة كما يطلقون عليه. مع أطيب أمنياتي).


بالضبط, تلك هي لغة بهجت عثمان ذلك الحكّاء الذي علّمنا سحر الكلمات, والذي كان يدخل عليّ بمكتب مجلة العربي الصغير قائلا: (اسمع يا جدع يا فلاح.. أنا كنت البارحة في اجتماع الحرافيش).. ثم يصمت قليلاً, بعدها ينفجر بالضحك, ويحكي نادرة لا تنسى من نوادر أستاذنا نجيب محفوظ.


وأنا أنظر إليه في غاية الامتنان, بضميري يقين بالأمن, ومحبة الدنيا, وبداخلي قول الشاعر:


البيت العتيق
أحس بدفئه الخمري في اللون
يتسرب من الحواس إلى العقل.

وداعاً عم بهجت.. أيها الفنان الذي عشق الأطفال.. من تآنسنا بحضورك بيننا, فأنت داخل قلوب الأطفال مثل وردة, ولون, ولحن لموسيقى لا تغيب.

 


 

أماني سالم





























الحنطور كان مثل السيارات الملاكي الفاخرة للأسر الغنية، وكان يجره حصان واحد. وكان يوجد منه نوع بالإيجار، مثل الليموزين ويجره حصانان.





الأرجواز كان هو المسرح الشعبي المتنقل ولكنه أقرب إلى المسرح العرائس. أما السينما فكانت صندوق الدنيا





في الأعياد كنا نجري إلى الحدائق العامة ونمرح فيها طوال اليوم





كانت قافلة الجمال وسيلة النقل للمسافات البعيدة في السفر للحج وغيره، اي شركة الطيران. وكان من الأفضل أن يسمى الجمل طائرة المسافات الطويلة بدلاً من أسم سفينة الصحراء.





لرواي أو الحكوتي أو منشد السيرة الهلالية وغيرها، كان البديل عن المسلسلات التلفزيونية الآن. ولكن من دون مقدمة باسماء الأبطال ويغير إعلانات قبل عرض المسلسل





بابا بهجت يرسم الشعر