المغنية والقـط

المغنية والقـط

ترجمة: حسام علوان
رســـوم: سعدالدين شحاتة


منذ عدة أعوام, بنيت نافورة في ركن حديقة بيتي بالعاصمة الإيطالية روما, ووضعت بالنافورة عدة أسماك ذهبية اللون.


قط عائلتي جلس يشاهد الأسماك لساعات, وأصبحت عادة لديه أن يفعل ذلك كل يوم, وأحياناً كان يحاول دون أن يحالفه الحظ اصطياد سمكة بقدميه ذات المخالب حتى عرف بيننا باسم (الأرنب البري), ثم أطلقنا عليه بعد ذلك اسم (جيرمي) بعد شخصية (جيرمي صياد السمك), في الرواية بالعنوان نفسه من تأليف بياتريكس بوتر.


الأسماك الذهبية وضعت بيضاً, وما لبث أن أصبح هناك نسل صغير للأسماك الكبيرة يسبح بين نباتات الماء. وتولت الأسماك إطعام نفسها لسنوات مما كان موجوداً في الماء دون أن نمنحها أي شيء إضافي.


وبعد ذلك, حدث أنه ذات يوم, وأثناء عودتها من رحلة إلى العاصمة الفرنسية باريس قامت بها من خلال المدرسة, أحضرت ابنتي هدايا لكل العائلة, ولم تنس الأسماك الذهبية, حيث أحضرت لها طعاماً مما وجدت في سوق يسمى (سوق البرغوث), وهو محل متخصص في طعام الأسماك, فنثرنا حفنة من الطعام في الماء, فأتت الأسماك مسرعة إلى سطح الماء لتأكل.


في اليوم التالي, وضعت للأسماك قدرا آخر من الطعام, ولم تمر عشر دقائق بعدها حتى سمعت صوتاً في الحديقة ينبعث بالغناء, وكان صوت امرأة شابة موهوبة.


فكرت في البداية أنني بالتأكيد قد تركت جهاز المذياع يعمل, ولكن لا... كان صامتاً, بعدها اقتربت من النافورة لأكتشف أن المغنية كانت سمكة ذهبية, فمها يرتفع بالكاد فوق مستوى سطح الماء, وكان مفتوحاً عن آخره.


من المحتمل أنك تريد أن تسألني ماذا كانت تغني , ويجب أن أسلم بأنني كنت مأخوذاً إلى درجة أنني لا أستطيع الآن أن أتذكر. ولكن على أي حال, فقريباً بعد ذلك, حينما واصلت السمكة الغناء بعد كل كبشة طعام, تيقّنت أن كل الأغاني التي كانت تؤديها كانت من بين الأغاني الموجودة على شرائط الكاسيت الخاصة بنا, لأنه قبل وبعد كل شيء كانت السمكة قد عاشت في النافورة ولم تسمع أي شيء غير ما نسمعه نحن. و (الريبورتوار) أو (حفلات الإعادة) التي كانت تقوم بها تضمنت أغاني شعبية وأغاني خاصة بالبحر, وأغاني بوب من ويتني هيوستون, وأغاني فرنسية لأديث بياف, والأغنية الأكثر تأثيراً (وربما فكر المرء أيضاً أنها الأكثر تهكمية إذا ما قارنّاها بقصتنا هذه) هي أغنية تذكارية رائعة من ألبوم (القطط) لأندرو ليويد ويبر.


وبعد ذلك, خطر في بالي أن أشتري شريطاً مسجلا عليه أوبرا (لابوهيم), استمعنا إليه مرتين أو ثلاثا في الحديقة, ويمكنني أن أقول دون مبالغة أنه قبل نهاية الأسبوع, كانت سمكتنا غير العادية قادرة على غناء الجزء الخاص بـ(ميمي) كاملاً, دون خطأ وبصوت أوبرالي قوي, حلو, ومثير للمشاعر.


كان شيئاً فاتناً, والشخص الوحيد الذي لم يكن متفقاً معنا على ذلك هو (جيرمي) القط الذي جثم أسفل المقعد الذي كان عادة ما يجلس فوقه, مطلقاً صوتاً مثل دمدمة مستديمة أكثر مما كان صوت خرخرة.


عاجلاً بعد ذلك, بدأنا ندعو أصدقاءنا في المساء للاستمتاع بعرض مطربتنا التي اخترنا لها اسماً فنياً هو (ديفا), وتلك الأمسيات السعيدة استمرت لشهور عدة حتى حدث قبل عدة أسابيع فقط أن انتهت بحدث حزين. إذ إنه بعد عودتي إلى البيت, بعد ظهيرة يوم ما, وجدت جيرمي يجلس القرفصاء على الطاولة بالصالة, وطرفت عيناه ببطء وهو ينظر لي وقد بدا معتداً بنفسه أقصى الاعتداد.


على الفور, استشعرت أن شيئاً سيئاً قد حدث, وأسرعت خارجاً إلى الحديقة, ونثرت حفنــة طعام في الماء, وكل الأسماك جاءت بحركة رشيقة إلى السطح, ما عدا مغنيتنا التي لم تظهر بعدها أبداً.


إذا كنت أكتب حدوتة مفبركة, فربما أضفت إليها دون شك النهاية الساخرة محتملة الحدوث, وهي أن جيرمي الآن, وقد فعل ما فعل بحيث لا يغيب عن فطنة القارئ, أنه كان يجلس على المائدة ويطق الغناء بصوت ليس مثل صوت القطط, ولكنه حزين بشكل مؤلم.

 

 


 

جيمس ويلكيز بارري