حكاية هند


حكاية هند

رسوم : محمد يونس

عندما عادت هند من المدرسة وجلست إلى مائدة الطعام, لاحظت جفاء بين أمها وأبيها, فقد بدا أنهما غير سعيدين في ذلك اليوم, شعرت بذلك من طريقة تناولهما الطعام, وعدم تحدثهما بشيء, كان صوت الملاعق والأطباق هو كل ما تسمعه هند وصوتها الداخلي الذي يخبرها أن شيئًا جديدًا قد حصل بين أبويها ليلة البارحة, كانت قد سمعت صوت شجار صادرًا من غرفتهما, وعندما بكت هند وضربت باب الغرفة احتضنتها أمها وباتت معها تلك الليلة.

في كل يوم هند تسمع شجار والديها, ويعلو صوتهما, ولمرات عدة تحملها أمها وتذهب بها إلى بيت جدتها حتى يأتي اليوم الذي يأتي فيه الأب فيتصالحا ويعودا للمنزل, لكن شجارًا وخلافًا دائمًا ما يدب بينهما.

تذكرت هند أنها في المدرسة كثيرًا ما ينشب الخلاف والشجار بينها وبين زميلاتها في الفصل, كذلك يحدث الشجار في الساحة بين تلميذات الفصول المختلفة, كما أنها رأت ذات مرة حارسي المدرسة وهما يتشاجران, وأطفال الجيران يلعبون معًا ثم يتشاجرون ثم يعودون للعب معًا وكأن شيئًا لم يحدث!

تساءلت هند في نفسها: لماذا يحدث الخلاف والشجار بين الناس? وهل يحدث ذلك بين الحيوانات? وتذكرت أن القطط في حيهم لا يكف مواؤها وشجارها في كل ليلة عند براميل القمامة وفوق السطوح, لكنها تتصالح وتعود الصحبة بينها إلى أن يحدث شيء يستدعي الشجار.

ذات يوم علا صوت الأم والأب أمام هند ولم يطلبا إليها أن تدخل غرفتها, ولم يدخلا هما أيضًا إلى غرفتهما ويغلقا الباب ويتشاجرا بالداخل, شعرت هند بالخوف ودقات في قلبها, أمسكت سماعة الهاتف واتصلت بجدتها التي حضرت بعد وقت واصطحبتها إلى منزلها, شعرت هند بالطمأنينة في بيت جدتها, لكنها ظلت دائمًا تنتظر أمها وأباها ليعودا لاصطحابها لكنهما لم يفعلا.

في صباح الإجازة, جلست الجدة مع هند في الحديقة وقالت الجدة: سأحكي لك حكاية صغيرة يا هند, وسرّت هند وأخذت تصغي لجدتها.

حكت الجدة: في أحد البساتين, عاشت حمامة صغيرة مع أمها وأبيها, كانوا يمرحون جميعًا في عشهم وفوق الأشجار, وفي يوم سافر الأب في رحلة يكتشف فيها أنحاء البستان, وقاده جناحاه إلى قرب النهر الكبير, هنالك وجد أشجارًا أخرى ووجد طيورًا أخرى, وسرّ بمعرفتهم ورغب بنقل عشه إلى حيث تسكن بقية الطيور, عندما عاد الأب من رحلته, وأخبر الأم بما رأى وشاهد لم توافقه على نقل العش قرب النهر الكبير لأنها تفضل العيش في البستان ولا تريد أن ترحل بعيدًا عنه, وأصرّ الأب على الذهاب, وأصرّت الأم على البقاء, وأصبح الشجار والخلاف هو السائد بينهما, حتى أن الحمامة الصغيرة ابنتهما كانت تشعر بالخوف والاضطراب من التغير الحادث في حياتهما, وقرر الأب والأم أن يوقفا الشجار والخلاف بينهما, واتفقا أن يذهب الأب لبناء عش عند النهر الكبير, وتبقى الأم في عشها في البستان.

بتأثر شديد, قطعت هند قصة جدتها وسألت: ولكن ماذا حدث للحمامة الصغيرة يا جدتي?

أجابت الجدة: كانت حمامة صغيرة لكنها كانت ذكية وقوية, بكت في الأيام الأولى لما حدث, لكنها عرفت أن البكاء لن يعيد أمها وأباها للعيش معًا, وفكرت أن كل المخلوقات في الوجود من حقها أن تكون في المكان الذي يناسبها, لقد احترمت الحمامة الصغيرة قرار أمها وأبيها وكانت تقول لقد أصبح لدي عشان, واحد قرب النهر الكبير وآخر في البستان.

همست الجدة: هل فهمت يا هند?

أخفضت هند رأسها وفكرت: أجل يا جدتي قد فهمت.

 


 

لطيفة بطي