أعجوبة الصين الثامنة.. مهرجان البلّور الرقراق..

أعجوبة الصين الثامنة.. مهرجان البلّور الرقراق..

عجائب الدنيا - كما نعلم- سبع, وإحداها (سور الصين العظيم), الذي يمتد إلى (2710) كم, وهو البناء الوحيد في العالم الذي يراه رواد الفضاء, وهم يحلّقون بمركباتهم في الأعالي الشاهقة فوق الأرض. لكن (الصين) أضافت أعجوبة ثامنة في زمننا, تأسر زوارها, وتخلب أبصارهم بمشهدها الخلاب... وهذه الأعجوبة هي: مدينة الجليد الساحرة شمال شرق الصين.


30 درجة تحت الصفر


ظل حلم زيارة هذه المدينة يراودني منذ وصلت إلى الصين في الشتاء, وتحقق الحلم في صباح مبكر من يوم الخامس من يناير الماضي, بعد رحلة طويلة من العاصمة (بكين), إلى أقصى الشمال على الحدود بين الصين وروسيا.. وحين بدأت ملامح المدينة تطالعنا, أومأ مرافقي الفنان الشاب (لين سونغ) مشيراً:


- هذه مدينة (هاربين) إحدى مدن مقاطعة (هيلونجيانج) قريباً من مجرى نهر (التنين الأسود). وعلى أحد روافده (شونجوا) الذي يتجمد ستة شهور في السنة, وتتعطل حركة الملاحة فيه تماماً, حيث تهبط درجة الحرارة إلى 35 درجة مئوية تحت الصفر.


ما إن لمـــح (لين سونـــغ) علامات الدهشة في وجهي, حتى بادرني:


- ولكن هذا الطقس القاري القاســـي, لا يخلـــو من ميزة.. ففي مثل هذا اليـــوم من كل عـــام تبدأ أنشطـــة مهرجان فريد من نوعه في العالم.. مهرجـــان الجليد, الحافــل بمجموعات خلابة من التماثيل الضخمة, المستوحاة من الأساطير والأحداث التاريخية والفكرية.. مما يضفي على المدينة تألقاً باهراً, لا يُتاح في أي مكان آخر من الصين.


ألف لوحة فنية منحوتة من الجليد


يبدأ المهرجان في وقت مبكر من شهر ديسمبر, حيث يشرع الفلاحون والعمال المتطوعون في استخراج كتل ثلجية من نهر (شونجوا), وتقوم الجرافات والجرارات بنقل الكتل إلى حديقة (جاولين) الفسيحة في وسط المدينة, وطوال ثلاثة أسابيع ينحت الفنانون بأدواتهم الخاصة كتل الجليد الخام, ويشكّلونها حسب التصاميم التي يريدونها, ثم تُفصل وتُحك وتُصقل من فوق سقالات خشبية مرتفعة, وتُلحم القوالب بعضها مع البعض الآخر بصب الماء الحار عليها من الغلايات, ليكتمل البناء أو الشكل. وعندما يحل الخامس من يناير, تفتتح فعاليات المهرجان بدعوة الجمهور الذي يحتشد من كل مكان, للتجول بين مجموعات من التشكيلات الجليدية الناصعة, ومشاهدة أكثر من ألف عمل من الأعمال الفنية الراقية بين قصور وقلاع وتماثيل ومعالم عمرانية, نابضة بالحياة بكل معنى الكلمة. لكن السحر الأشد روعة للمهرجان, يتجلى مع حلول الظلام, حين تسطع من قلب الجليد الرقراق أشعة آلاف المصابيح وأضواء النيون بألوانها الصاخبة, التي تحيل مدينة البلّور إلى تحفة نادرة وحلم أسطوري لا يتكرر, سواء بالنسبة لسكان (هاربين) أولغيرهم من ضيوف المدينة القادمين من كل صوب, الذين يتوقفون طويلاً أمام المنحوتات الرائعة, مأخوذين بالإبداع الساحر الذي نفذته سواعد الفنانين الشباب.


حلم عمره ثلاثة أسابيع


ويستمر تدفق الزوار إلى الحديقة حتى منتصف أبريل عندما يبدأ الطقس بالاعتدال, فتهدم التماثيل قبل أن تذوب بسبب الحرارة, حرصاً على سلامة الناس, ويختتم مهرجان البلّور بالموسيقى والغناء. طالت جولتنا بين الأعمال الفنية, وكان سحر الإبداع الفني قد تملّكني, حين أخبرني مرافقي بأن تقاليد النحت في الجليد بمدينة (هاربين) تعود إلى عدة قرون ماضية, وبالطبع لم يكن المهرجان يحظى بأي تقدير مادي حتى عام 1963, حيث بدأ بتقديم مكافآت وجوائز لمبدعي أجمل الأعمال الفنية...


وعند بوابة الحديقة الخارجية, بدأت أعود إلى نفسي, كأنني كنت في عالم آخر تماماً, وتمتمت في سرّي:


- هل نحن في فصل الشتاء حقاً, وفي درجة حرارة 30 تحت الصفر? لماذا إذن لا أشعر بالبرد القارس, وملء جوانحي دفء حميم?

 


 

محمد مروان مراد





بناء شكله جميل ولكن هل يمكننا العيش في بان مثلها؟

















لم يكتمل العمل بعد، ولكن ملامحه واضحة.