واحة الفن الجميل
واحة الفن الجميل
قسطنطين برانكوزي النحات التجريدي قسطنطين برانكوزي نحات روماني, ولد سنة 1876 في مدينة بيشتاني غورك في رومانيا. درس في مدارس الرسم في مدينة بوخارست عاصمة رومانيا, وفيما بعد في فيينا عاصمة النمسا, ثم في مدينة ميونيخ الألمانية سنة 1904. ذهب إلى باريس وكان في الثامنة والعشرين من عمره, فدخل مدرسة الفنون الجميلة, وقضى سنوات قاسية مليئة بالفقر. تعرّف إلى النحات الشهير (رودان) الذي نصحه بترك المدرسة, وعمل برانكوزي بنصيحته, لأنه كان مقتنعاً بأن العمل الحر والاختبار هما اللذان يفيدانه أكثر من الدراسة. لم ينتظر طويلا ليعرض النحّات رودان عليه العمل كمساعد له, لكنه رفض قائلاِ جملته الشهيرة (لن تنمو شجرة أخرى في ظل شجرة البلّوط). لقد شبّه رودان بتلك الشجرة الكبيرة والقوية لأنه كان فنّاناً كبيراً وشهيراً, ولن يستطيع برانكوزي الحصول على الشهرة التي يستحقها إذا بقي يعمل مساعداً له. أراد برانكوزي أن يختبر النحت بنفسه وأن يبتكر بدلاً من تنفيذ إرادة غيره. ككل النحاتين كان برانكوزي يصنع الموديل (النموذج) الصغير للمنحوتة قبل أن يبدأ العمل بنحتها, لكنه لم يلبث أن توقف عن ذلك وصار ينحت مباشرة على المادة, مثل الحجر والخشب. كغيره من النحاتين كان يعمل بالطريقة الواقعية, لكن بعد سنوات قليلة قام بتحطيم تمثال كان ينحته, وبدأ بتطوير أسلوب جديد من النحت التجريدي, وبذلك كان واحداً من النحاتين الأوائل في ذلك الاتجاه, وترك تأثيراً كبيراً على النحت الحديث, فقد قام أسلوبه الجديد على إبعاد كل التفاصيل الواقعية, مختصراً الشكــل, أو الفكرة التي ينحتها, وما تقدمه له من إيحاء, من أجل اختيار الموضوع للمنحوتة. فمثلاً كان يفضّل ترك المساحات اللماعة للحجر أو المعدن, والسطح المتشقق الخشن للخشب, وكثيــراً ما كان يزيـــد من تأثير المــادة باللجوء إلى ضدها, مثل وضع شكل سمكة من المعدن اللمّاع فوق قاعدة من المرايا. في سنة 1926 كان برانكوزي في الخمسين من العمر عندما أقام معرضاً لأعماله في مدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية. حصل المعرض على شهرة واسعة جدا بسبب الدعوى التي رفعها برانكوزي ضد سلطات الجمارك الأمريكية, لأنها خالفت قانون إعفاء الأعمال الفنية من الرسوم الجمركية, وطالبته بدفع مبلغ من المال, من أجل السماح له بإدخال منحوتته الصغيرة (طائرفي الفضاء), لأنها اعتبرتها حجراً وليس منحوتة. كسب برانكوزي الدعوى, وكسب معها اهتمام الناس لرؤية أعماله وشرائها, بعدما قرأوا عن ذلك في الجرائد, واستطاع أن يحقق كسباً وفيراً من معرضه. بعد عودته إلى باريس قرر برانكوزي أن ينحت قطعاً كبيرة الحجم, فعمل منحوتة (العمود الذي لا نهاية له) بلغ ارتفاعها حوالي 30 متراً, من أجل الحديقة العامة بالقرب من مكان ولادته في رومانيا, ثم زار الهند لكي يصمم معبداً للمهراجا (أندور). أقام برانكوزي معرضين لأعماله في الولايات المتحدة الأمريكية عرض فيهما أعمالاً من مختلف مراحل حياته الفنية, ولاقت أعماله إعجاباً كبيراً لأنها امتازت بالابتكار, وباختزال الأشكال الطبيعية وجعلها قريبة من التجريد المطلق والبساطة, ذلك الأسلوب الذي يترك تأثيراً عميقاً في مسار النحت في القرن العشرين, وتأثر به العديد من النحاتين الكبار في العالم. مات برانكوزي في 16 مارس سنة 1957م في باريس عن واحد وثمانين عاما بعدما ترك محترفه إلى الحكومة الفرنسية, بما فيه من منحوتات, بالإضافة إلى نسخ من معظم أعماله, ثم أعادت الحكومة بناء محترفه في مركز (جورج بومبيدو) في باريس حيث يتوافد الزوار من كل انحاء العالم لرؤية تلك الروائع النحتية, كما توجد مجموعة من أعماله في متحف فيلادلفيا للفنون في الولايات المتحدة الأمريكية, ولدى الكثيرين من الذين أحبّوا فنه وقدّروه.
|