عظماء كتبوا للأطفال

عظماء كتبوا للأطفال

ليوناردو دافنتشي وثلاث قصص للأطفال

ولد ليوناردو في بلدة دافنتشي (ومنها أخذ اسمه) وهي قرية صغيرة قرب فلورنس في إيطاليا في العام 1452م, وقد ترعرع في كنف جده وبعد دراسته وممارسته هوايته في الرسم, انضم إلى استديـو فيركيو ثم انضم إلى اتحاد الفنانين.

وفي عام 1468 أصبح فناناً مستقلاً تحت حماية لورنزو دي ميدتشي.

في عام 1482 ترك فلورنس وتوجه إلى ميلانو حيث أقام هناك عشرين عاماً في بلاط لودفيكو سفورزا حيث صقل مواهبه في الرسم والموسيقى والهندسة خاصة في بناء الجسور وتصميم الأسلحة.

في عام 1500 أصبحت فلورنس مكان إقامته حيث صمم حصناً خلفياً للسيد سيزار بورجيا, وأثناء تلك المرحلة رسم لوحته المشهورة الموناليزا (الجوكندا).

حين أصبح عمره 61 عاماً دخل في رعاية جوليا نودي ميدتشي ثم دعاه تشارلز الأول ملك فرنسا للإقامة الدائمة في امبواز, وعاش في قصر (كلو) ضمن رعاية الملك وحاشيته, إلى أن مات في عام 1519.

عُرف عن ليوناردو دافنتشي شغفه إلى جانب الرسم, بالهندسة والميكانيك والاختراع والموسيقى, كما أنه صاحب أشهر مخطوطة وثائقية تروي بالكتابة والصورة أفكاره واختراعاته.

لكنه إلى جانب كل ما سلف لم ينس الصغار فلقد خلّف لهم قصصاً وأساطير تتجاوز الثمانين, وهاكم ثلاث منها رغم أن كثيرين لا يعرفون هذه الموهبة عنه, لكن أرجو أن يستمتع الصغار بها كما استمتع الكبار بمواهبه الأخرى:

عصفور الخير

عاش في قديم الزمان رجل متنسّك في غابة وحيدا لا يشاركه فيها إلا عصفور جميل الريش والتغريد.

جاء المتنسك في أحد الأيام رجلان يسألانه أن يرافقهما إلى قصر سيدهما المريض جداً, علّه يسدي إليه بعض الحكمة في لحظاته الأخيرة.

وافق الناسك على طلب سيد المنطقة وذهب برفقة الرجلين, فما كان من العصفور إلا أن تبعهم خلسة متنقلاً من شجرة إلى أخرى ومن سطح إلى آخر.

حين دخل الناسك غرفة السيد المريض وجده ممتقع الوجه, شاحباً, ويكاد يطلق أنفاسه الأخيرة, وكان معه في الغرفة ذاتها أربعة أطباء يتهامسون بأنه لا أمل يرجى منه.

لكن الناسك حين جلس قرب سرير المريض وبنظرة عفوية لمح العصفور يقف على حافة النافذة المطلة من الغرفة مدققاً النظر في المريض, عندها أفصح الناسك بكل تؤدة أن سيدنا سيعيش.

اندهش الجميع, كما اندهش السيد المريض حاكم المنطقة من هذا القول مستطلعين الأمر, لكن الناسك ألمح بعينيه مخاطباً المريض إلى أن ينظر إلى العصفور.

فلما نظر الحاكم المريض إلى العصفور لم يتوان من الضحك الذي أخذ يسترسل به كما يسترسل الماء الصافي من النبع, فكأن الروح قد عادت تملي انطلاقها, فما كان من العصفور إلا أن غرّد بعضاً من ألحانه التي تبعث النشوة في النفس, وقليلاً... قليلاً.. بدأت الألوان تطفح على وجه السيد المريض إلى أن استعاد روحه واستعاد أنفاسه.

بعد أيام عدة, تعافى السيد الحاكم وجاء قاصداً الناسك في غابته ليشكره على ما أسداه له من نفح حب وتفاؤل. لكن الناسك استدار صوب العصفور ليقول للسيد: أنا لم أفعل شيئاً, إنه هو (أي العصفور) الذي أوحى لي بأنك ستشفى, لأن هذا العصفور الذي يتحلى بالفضيلة والنعمة والذي اسمه عصفور الخير, لو أنه شعر بأنك فعلاً ستموت لكان أدار لك ذنبه وطار, لأنه لا يمكث في أماكن النحيب والنعي, لكن بما أنه مكث على النافذة مدققاً النظر بك شعرت بكل ثقة بأنك ستشفى لا محالة.

هنا نظر الحاكم إلى العصفور بحب وعطف شديدين, وشكره على نعمة الخير التي ينشرها حيث يحل.

ثم شكر الناسك على حكمته وغادر طالباً منهما أن يكثرا من زيارتهما للقصر كلما سنحت لهما الفرص.

الأسد والحمل

في أحد الأيام, أعطي أسد في قفص حملاً ليأكله, لكن الحمل كان بريئاً وصافياً لدرجة أنه لم يخف من الأسد, بل على العكس اقترب منه بحب وبراءة وأخذ ينظر عميقاً في عينيه.

لم يتوقع الأسد حبّاً حقيقياً كهذا, كما أنه لم يصدف من قبل أن بقيت ضحية هادئة وساكنة وغير خائفة قباله مثل هذا الحمل.

لذلك التفّ وابتعد عنه, ثم انبطح أرضاً وأخذ يرمقه بعطف مستهجناًَ.

فما كان من الحمل إلا أن تبعه وجلس بقربه ثم أخذ يثغي ثغاء ناعماً كالحرير.

العليقة

كانت عليقة التوت البري تتشكّى دوماً من غزو الطيور لها وهي حاملة ثمرها اللذيذ خلال فصل الصيف, خاصة أنها كانت ترغب في أن يتلذذ الإنسان أيضاً بخيراتها.

لكن العصافير كانت تقابل شكواها بالهزء والاستخفاف والإكثار من الاقتحام, لدرجة أن أحد العصافير تعرض للشجرة بكلام ناب بكت على أثره بكاء مراً.

لكن في أحد الأيام وقع هذا العصفور بالذات في فخ رجل يهوى اقتناء الطيور, ولسوء مصيره وضعه في قفص مصنوع من قضبان شجرة عليق.

عندها بدأ العصفور يسترحم أغصان شجرة العليق علّها ترأف به وتفسح له في المجال ليطير هارباً, لكن أحداً لم يجب.

 


 

نبيل أبو حمد