الأزتيــك هل كانت حضارة مخيفة?

الأزتيــك هل كانت حضارة مخيفة?

سوف نرحل اليوم لنشاهد آثار حضارة قديمة نشأت في الجانب الآخر من العالم, إنها حضارة (الآزتيك) التي سادت في أمريكا الجنوبية قبل أن يصل إليها الرجل الأبيض وامتدت على مساحة كبيرة شملت كل المكسيك حتى حدود جواتيمالا, ولكن قبل ذلك سوف أحكي لكم حكاية عن العلاقة بين الحضارات المختلفة.

كان المصريون القدماء يتساءلون دوماً عن المكان الذي تشرق منه الشمس, وتقول الحكاية القديمة, إنهم جهّزوا سفينتين ضخمتين واحدة منها اتجهت إلى الشرق, والأخرى اتجهت إلى الغرب, ولم يعرف مصير الرحلتين, ولكن الشواهد تقول إنه قد اكتشف بعد ذلك آثار للأهرام في المكسيك, ثم حدث الشيء نفسه في اليابان, ولأن شكل الهرم نادر في الحضارات القديمة, فقد ربط العلماء بين هذه الحكاية القديمة وظهور الاثار, هل استطاعت هاتان السفينتان حقاً السير عبر هذه المسافات البعيدة والبحار الهائجة كي تصلا إلى هذين البلدين البعيدين? وهل كانت صناعة السفن متقدمة لهذه الدرجة كي تتحمل السفر عبر كل تلك القارات والمحيطات, إن المؤرخ المشهور (ميري) يستدل من هذه الحكاية على أنه لا جديد تحت الشمس, وأن تطور الحضارات هو نتيجة التفاعل المستمر بين الحضارات, كل حضارة تعطي شيئاً وتأخذ شيئاً, وهذا القول صحيح حتى ولو لم تكن الحكاية صحيحة.

القارة المفقودة

ومنذ زمن بعيد والعلماء لا يكفون عن محاولة الربط بين الحضارتين, الحضارة الفرعونية التي ظهرت في مصر, والحضارة التي ظهرت في المكسيك, وكان وجود الأهرام في كل منهما هو الذي استدعى هذا الربط, وحتى الآن هناك العديد من الدراسات التي تدور حول هذا الموضوع, ويقال إنه كان يوجد في المحيط الأطلنطي قارة تسمى (أتلانتا) هي التي كانت همزة الوصل بين هاتين الحضارتين, هذه القارة لم تعد موجودة الآن, فرغم تقدمها الكبير إلا أنها لم تستطع أن تقاوم الزلزال الكبير الذي ضربها وشق أرضها وهدم البيوت والمعابد, وكانت النتيجة أن غمرتها مياه البحر وأغرقتها, وبذلك انقطعت همزة الوصل التي كانت تربط بين الحضارتين.

تقول الأسطورة إن شعب الأزتيك جاءوا من مكان ما في الشمال يدعى الأزتك, وأنهم أخذوا اسمهم من هذا المكان, كانوا يبحثون عن أرض يقيمون فيها, وكان الطائر الطنّان هو الذي يقوم بإرشادهم إلى هذه الأرض, حتى وصلوا إلى وادي المكسيك, وقال لهم الطائر إنها هي الأرض المناسبة لهم, كانت مرتفعة عن سطح البحر, وكان الجو فيها لطيفاً ومعتدلاً طوال العام, وهنا استقروا وأسسوا العاصمة ذات الاسم الطويل (تينو - ختي - تلان) أي المكان الذي تنبت فيه الأشجار الشوكية, وكانت تقوم على جزيرة وسط بحيرة تتصل بالشاطئ عبر قنوات وجسور.

حضارة مخيفة

ولكن المؤرخين يقولون عن هذه الحضارة إنها كانت حضارة مخيفة, فقد كانت تؤمن بأن الآلهة التي يعبدونها لا تعيش إلا على دماء البشر, لذلك كانوا يقومون بتقديم القرابين لهذه الآلهة التي لا تشبع, وكان الأزتيك يشنون الكثير من الحروب على أعدائهم, والهدف من هذه الحروب هو الحصول على الأسرى الذين يقدمونهم قربانا لآلهتهم, ولكن هذا الأمر لم يكن يقتصر على الغرباء فقط, بل أن الأساطير تقول إنه أثناء رحلة البحث عن الأرض اضطر قائدهم للتضحية بابنته حتى يعثر على المكان المناسب لإقامة المدينة.

ويرد بعض المؤرخين من أهل المكسيك على هذا الأمر بأن هناك مبالغة كبيرة قد أشاعها الإسبان عندما قاموا بغزو المكسيك ليبرروا قضاءهم على هذه الحضارة القديمة, فقد سادت هذه الحضارة منطقة واسعة من العالم وأقامت الكثير من المنشآت التي مازالت موجودة حتى الآن, وعندما كان الخبراء في العاصمة مكسيكوسيتي يقومون منذ سنوات بالحفر من أجل مترو الأنفاق وجدوا تحت الأرض أثارا لأحد الأهرامات الصغيرة, وقد حافظوا عليها ولازال هذا الأثر موجوداً في إحدى المحطات.

عادات وتقاليد

وكان للأزتيك طريقتهم في قياس الزمن, وكانوا يقسمون العام إلى 260 يوما فقط, والشهر يتألف من عشرين يوماً, وكانت أيام السعد عندهم يحددها الكهنة كل عام, وفي هذه الأيام يقومون ببذر المحاصيل وبناء البيوت والزواج والخروج إلى الحرب, ومن المؤكد أنهم كانوا يحاربون كثيراً.

ويتكون المجتمع من أربع طبقات رئيسية هي النبلاء والعامة والأتباع والعبيد, وفي مجتمع قائم على الحرب مثل هذا لابد أن تجد الكثير من العبيد الذين كانوا أسرى في حروبهم مع القبائل الأخرى, وكان النبلاء يملكون معظم الأرض, ويعمل فيها الأتباع والعبيد.

ويقيم (الأزتيك) احتفالاً كبيراً كل 52 سنة يطلقون عليه مهرجان ربط السنوات, أو النار الجديدة, وفي هذا الاحتفال يطفئ جميع الأزتيك نارهم القديمة, ويوقد الكهنة ناراً جديدة, ويقوم الجميع بوخز أصابعهم ليضعوا قطرات قليلة من دمائهم على هذه النار حتى تزداد قوتها وتظل مشتعلة للسنوات القادمة, ثم يأخذون منها جذوات يوقدون بها النار داخل بيوتهم.

وكانت نساء الأزتيك ماهرات في حياكة الثياب, فكن يقمن بصناعة الثياب الفضفاضة المزيّنة بالنقوش والتطريز, ويرتدي الأغنياء ملابس مصنوعة من القطن, بينما يرتدا الفقراء ثياباً مصنوعة من الصبار, وقد بنوا بيوتهم من الطوب اللبن, وغطوا سقوفها بالقش, وقد عرفوا الحمامات البخارية منذ وقت مبكر, وكذلك اهتموا بتزيين البيوت والمعابد, وهم أكثر النحّاتين إتقاناً في أمريكا كلها, وأشهر أثر أزتيكي مازال موجوداً حتى الآن هو حجر التقويم, وهو حجر ضخم يمثل الكون كما يرونه, قطره حوالي 3,5 متر, ويوجد في وسطه وجه إله الشمس, تحيط به نقوش أخرى كل واحد منها يمثل أحد شهور العام, وكذلك رموز دينية أخرى تتعلق بالشمس التي كانوا يعبدونها ويعتبرونها أقوى الآلهة.

ضياع إمبراطورية

أصبح الأزتيك إمبراطورية قوية في القرن الخامس عشر الميلادي, وسيطروا على كل المدن التي تحيط بهم, وقد اشتهر من ملوكهم (منتزوما) الأول الذي يعتقد أنه حكم البلاد حوالي عام 1444 م, وكان من الواضح أنه كان قاسياً جداً لأنه أخضع لحكمه مساحات شاسعة من الأرض, وجعل المدن المغلوبة تدفع الضرائب الباهظة, وقد خلفه منتزوما الثاني عام 1502م, وأصبحت تلك الامبراطورية الممتدة في أعلى قارة أمريكا الجنوبية في ذروة قوتها.

لم يكن أحد يدري أنه قد حانت ساعة النهاية, بل إنهم اعتقدوا أن هذه هي مقدمة خلاصهم وسيادتهم على العالم.

ففي عام 1519 م أقبلت سفن الرجل الأبيض, وذلك عندما رسا المكتشف الإسباني هرناندو كورتيز على الساحل الشرقي للمكسيك, وسار بجنوده الذين يحملون البنادق والمدافع الحديثة إلى عاصمة الأزتيك وقد انضم إلى جنوده عدد من رجال القبائل الغاضبين الذين كان الإمبراطور يرهقهم بمطالبه وضرائبه, ولكن المدهش أن الملك منتزوما لم يتصد لهجوم الإسبان, لأن الأزتيك كانوا يعتقدون أن هناك إلها أبيض اللون قد ضل طريقه في البحار منذ أعوام طويلة, إن هذا الأبيض القادم هو ذلك الإله, ولعل المصادفة قد لعبت دوراً إضافياً في هذا الأمر, فقد كان اسم الإله الغائب (كتزل) وهو شبيه باسم القائد الإسباني الغازي (كورتيز), وهكذا وقع منتزوما في أسر الإسبان بسهولة, وحين خضع للتعذيب حتى يعترف بمكان الكنوز المخبأة, أدرك أن هذا الأبيض ليس إلها وإنما مجرد لص يريد أن ينهب أرضه وذهبه, وثار منتزوما هو وقومه وحاولوا طرد الإسبان, ولكن المعركة لم تكن في صالحهم, وقد جرح الملك في هذه المعركة ومات بعد ذلك.

لقد دمر الإسبان الكثير من معالم الأزتيك, ودمّرت العاصمة (تينو - خيني تلان) وبنيت على أنقاضها عاصمة المكسيك التي لاتزال موجودة حتى الآن (نيو مكسيكو), ولكن الآثار كشفت عن وجود المعبد الكبير, وحوالي 6 آلاف قطعة أثرية تحتوي على المجوهرات والخزف والتماثيل وبقايا القرابين, ولاتزال العديد من المدن المكسيكية تحمل الأسماء الآزيتية القديمة, ويوجد حوالي 3 ملايين من نسلهم يتحدثون بلغة خاصة بهم هي بقايا اللغة الأزيتية القديمة, كما أن العديد من الأسماء التي استخدموها أصبحت شائعة حول العالم مثل اسم فاكهة الأفوكادو وحلوى الشيكولاتة وثمار الطماطم.

 


 

بقلم : محمد سيف





عيد النار الجديدة وأحد الكهنة يقوم بإيقاد النار





تمثال إله الحرب عند الأزتيك