الفيل الفصيح .. المحكمة الخضراء يصيح

الفيل الفصيح .. المحكمة الخضراء يصيح

(هاجمت قبيلة من الأفيال الهائجة معسكراً للجيش في وسط الهند, فحطمت كل ما فيه من أبنية ومدرعات ومدافع ودهست كثيراً من الضباط والجنود, مما اضطر قيادة المعسكر إلى إطلاق النار عليها, فقتلت عدة أفيال وتفرّقت الأفيال الباقية عائدة إلى الغابة).


هل هذا معقول?
هل هذا معقول?
تساءل أعضاء فريق الكوكب الأخضر باندهاش عندما قرأوا الخبر منشوراً في إحدى الجرائد الصباحية, واتفقوا أن الخبر في حاجة إلى تدقيق وتحقيق, وأعطوا لأنفسهم أسبوعاً لجمع المعلومات, ثم عقدوا جلسة لتكوين رأي في هذا الحادث الغريب.


في الجلسة, قال خضور إن المعلومات التي جمعها من (الإنترنت) أكّدت أن الخبر صحيح, وأن الحادث وقع في منطقة (أوتار براديش) عندئذ صاح خضير أصغر أعضاء الفريق بانفعال, (إذن تكون الأفيال مذنبة), فردت عليه خضراء مهدئة: (تمهّل يا خضور... لا تتسرع في الحكم... فالمعلومات التي جمعناها برغم كثرتها لا تعبر إلا عن رأي البشر في الحادث, وهو حادث غريب جداً عن السلوك الطبيعي للأفيال الآسيوية أو الهندية, ولو كان الحادث وقع من الأفيال الإفريقية لما استغربت).


بدت الدهشة على وجه خضير وهو يسأل: (وهل الأفيال الإفريقية تختلف عن الآسيوية?), وأجابت خضراء: (نعم تختلف... فالفيل الآسيوي قابل للتدجين, يتم تدريبه ليخدم الإنسان في حمل جذوع الأشجار الثقيلة المقطوعة من الغابات بخرطومه, ونقل البشر والبضائع على ظهره في الطرق الوعرة, ويلعب في السيرك, ويلوّنونه ليبهج الناس في الاستعراضات والمواكب, كل هذا مقابل أن يطعمه الإنسان ويعتني به, أما الفيل الأفريقي فهو لا يقبل التدجين ويصر على أن يظل حراً, وإذا وقع في الأسر يمرض وربما يموت, وعندما يُجبر على البقاء في حدائق الحيوان يكف عن الإنجاب ويعيش حزيناً... حزيناً جداً).


بعد أن توقفت خضراء عن الكلام, تكلم خضور فقال: (إذن لابد أن نعرف رأي الأفيال نفسها في الحادث, وأقترح أن نستضيف فيلاً من السيرك القريب لنعرف وجهة نظره).


***


حضر فيل السيرك ومعه ابنه الصغير, وعندما سألوا الكبير عن الحادث رفض أن يعبر عن رأيه, كان حزيناً ويؤرجح رأسه ببطء كأنه يتعجل الانصراف, وسُمع صوت خضير يسأل: (هل هذا الفيل آسيوي أم إفريقي?), عندئذ ارتفع صوت الفيل بصيحة مدوية مطوحا خرطومه في الهواء في غضب وتكلم: (أنا وأبي فيلان آسيويان... صحيح أن جباهنا ناتئة وآذاننا أصغر وحجومنا أقل وظهورنا محدّبة إذا قورنا بشكل الأفيال الإفريقية, لكننا لا نقل عنها حبّاً للحرية... إننا نعاني بسبب ميلنا للسلام فنختطف وتقتلع أنيابنا ويستعبدنا الإنسان فنعيش في تعاسة نكتمها في قلوبنا وتعبر عنها نظرات عيوننا التي تظل حزينة حتى ونحن نجبر على الرقص في السيرك, أما عن حادثة تدمير أهلنا من الأفيال لمعسكر الجيش في (أوتار براديش) فوراءها قصة أليمة, فهذا المعسكر بُني على حساب الغابة التي كانت تعيش فيها الأفيال منذ مئات السنين, قطع الجيش آلاف الأشجار وأزال النباتات والعشب فجاعت الأفيال, وعندما اضطرت الأفيال الجائعة للرحيل الجماعي بحثاً عن الطعام اعترض المعسكر طريقها فاجتاحته, وأفزعتها طلقات الرصاص فزاد هياجها وزاد الدهس... فهل الأفيال مجرمة??).


بعد أن ألقى الفيل الصغير سؤاله, سكت, وظل أعضاء فريق الكوكب الأخضر ساكتين, وساد في المكان صمت عميق.

 


 

محمد المخزنجي