الخيط المشترك

الخيط المشترك

رسوم: دعاء ماهر


أحياناً تجد نفسك في مشكلة ما, وأنت تقف مكتوف اليدين, تبحث عن حل للخروج من أزمتك, فماذا تفعل حين تكون أنت وأحد أصدقائك, طرفين متشابكين لمشكلة واحدة? انظر!... هل ترى شيئاً?! إنهما عصفوران, ماذا بهما? ما هذا الخيط المعقود بعقدة حول قدم كل منهما, ويربط كلا منهما بالآخر? هأنت تصيح:


- هذا عمل قاس... من فعل ذلك لا قلب له!!!


دعنا نقترب من العصفورين, لنرى كيف يواجهان هذا المأزق... انتظر... أنت تصيح مرة أخرى, أعتقد أنك متألم, هذا صحيح, أنت متألم, ولكن الصياح لا يحل المشكلة, ولكنك تقول قولاً جيداً بالفعل:


- عليهما أن يتعاونا على قطع هذا الخيط.


أريد أن أسألك: هل خلقنا جميعاً على صورة واحدة, بداخل أدمغتنا عقل واحد?


أنت الآن تهرش رأسك, وتفكر, سأعطي لك وقتاً لتفكر, ولكن ماذا بشأن العصفورين?


انظر! كان كل عصفور يعمل بمفرده, فالأول أراد أن يطير نحو الشرق, حيث بنى عشه وسط حقل من القمح, وأيّ نعمة, ووفرة طعام, كانت في انتظاره.


أما العصفور الثاني فأراد أن يذهب سريعاً, نحو الغرب, هناك يوجد حقل من الشعير, الذي يحبه, ويقدره طعاماً لذيذاً, ولذلك اندفع كل عصفور يطير إلى وجهته المتعاكسة مع وجهة الآخر, فجأة توقفت الأجنحة, وسقط العصفوران بعنف على الأرض:


- أنا ذاهب إلى حقل القمح!!


- أنا ذاهب إلى حقل الشعير!!


ومن ثم عاد العصفوران للطيران, وكما حدث في المرة الأولى حدث في المرات التالية, والتي تخللها الجذب والشد بكل ما في جسد كل منهما من قوة, حتى ترنّح الاثنان, شاعرين بالتعب, والإرهاق الشديدين, وتقلبا على الأرض حائرين, هاربة منهما الأنفاس. ماذا تقول?! إنك تراهما يرفرفان بالأجنحة, بعد أن حصلا على بعض الراحة, هذا صحيح, ولكن... إنه الجوع, وقد بدأ يلعب لعبته المؤلمة معهما.


صاح العصفور الأول مستبشراً, فقد لمح بعينيه بعض الحبوب المنثورة, فوق سطح أحد المنازل, ولما أراد الهبوط إليها, كان العصفور الثاني قد أبصر بعض الطيور الداجنة تنام حول آنية ممتلئة بطعامها من الحبوب المغرية, خاصة مع بطن خاوية.


- سأذهب إلى هذا السطح.


- سأذهب إلى هذه الآنية.


هل حصل كل منهما على غايته? لا بالطبع, لأن كلا منهما ركب رأسه, وصمم على وجهة نظره, وتمسك برأيه, كانت المشاعر شتى... هل هو الهلاك? لا. لا.. لا تخف, فحل المشكلة يبدأ من اقتحامها, لا الفزع منها, أو الاستعلاء عليها, وهاهو العصفور الأول يقول للعصفور الثاني: سأذهب معك إلى حقل الشعير.


طار العصفوران معاً إلى حقل الشعير, صحيح كان الخيط مازال موجوداً فهو مركز المشكلة, وهو أيضاً السبيل إلى حلها.


ها هما يلتقطان الحب, وقد أعجب العصفور الأول بالشعير, وأثنى على حسن ذوق العصفور الثاني في اختيار طعامه, وعلى الأثر صاح العصفور الثاني:


- سأذهب معك إلى حقل القمح, سأجرّب طعمه.


لماذا تضحك?! هل تضحك لأنك ترى المشكلة مازالت قائمة? معك حق, الخيط الذي يقيدهما مازال يقيدهما, ولكنك لا تستمع إلى حديث العصفورين, استمع إليهما الآن:


- ماذا نفعل في هذا الخيط?


- انظر إليه.. في كل قدم من أقدامنا عقدة.


رفع العصفوران رأسيهما, كان كل واحد منهما ينظر للآخر بدهشة, فالفكرة سطعت في وقت واحد لديهما, صاحا معاً:


- لماذا نملك هذا المنقار المدبب?! إنه الوسيلة... هيا نجرب.


الآن أنت ترى كل عصفور يعود إلى حريته, بعد أن فتت عقدة الحبل بمنقاره, كانا قد عرفا أن اقتحام المشكلة هو الوسيلة الصحيحة لحلها, لا الدوران حولها, والشكوى, والتأسي من نتائجها, والتباكي أمام هول أثرها فقط.


ماذا تقول أنت الآن أيها الهمام?!

 

 


 

محسن يونس