أبطــــــــال مـــــن البسطــــــاء

أبطــــــــال مـــــن البسطــــــاء

حامد عويس.. أصبح ابن قرية (كفر منصور) بمحافظة بني سويف علامة بارزة في الحركة الفنية المصرية والعالمية, حتى استحق بجدارة جائزة الدولة التقديرية للفنون في العام الماضي. وإذا كان تقديره قد تأخر في بلده حتى بلوغه سن الثمانين, فإن كثيراً من متاحف العالم تقتني لوحاته منذ أربعين عاماً, مثل متحف درسدن في ألمانيا ومتحف بوزنان في بولندا ومتحف بوشكين في موسكو ومتحف الفن المعاصر في مدريد, غير متاحف القاهرة والإسكندرية. وقد فاز بجائزة جوجنهايم الدولية بأمريكا عام 1956, كما صدر كتاب خاص عن لوحاته. بألمانيا عام 1962, وكتب عن فنه كبار النقاد الدوليين وسجلت أعماله في عدد من موسوعات الفن العالمية.

ومحمد عويس صاحب اتجاه فني يكاد ينفرد به في الحركة الفنية منذ نصف قرن, وهو (الواقعية الاجتماعية), حيث يستلهم أشكال رسومه من واقع المجتمع وهمومه وقضاياه, وهو دائم التفاؤل بغد أفضل, ويميل إلى الإيحاء الرمزي وتبسيط الخطوط والأشكال حتى يمكن أن نطلق على رسومه السهل الممتنع.

فهذا الفنان قادر على لمس مشاعر الإنسان البسيط بمقدرته نفسها على لمس مشاعر المثقف أو المتخصص, بسبب ما يتمتع به فنه من صدق وشفافية وابتكار.

عبر عويس في لوحاته الزيتية عن الطبقات الكادحة في المجتمع. عن العمال في المصانع, والزراع في الحقول, والذين يقومون بإصلاح خطوط السكك الحديدية, والصيادين في البحر, والكادحات في البيوت, دون أن ينساق إلى الوصف التسجيلي لحياتهم وأعمالهم, بل يحاول أن يجعل منهم رمزاً للإنسان ككل, في مواجهة الظروف القاسية, وإصراره على صنع حياة أفضل, كما عبّر في لوحات أخرى عن أحداث مهمة في التاريخ العربي مثل تأميم قناة السويس, والعدوان الثلاثي على مصر 1956 وحرب أكتوبر 1973 والمقاومة الفلسطينية وهو بهذا يثبت مقولة أن الفنان الحقيقي هو ضمير أمته.

ولد محمد حامد عويس في 8 مارس 1919 لأسرة ريفية بسيطة, بقرية تبعد عن مدينة بني سويف ـ جنوب مصر ـ بـ 12 كيلومترا, ولم تكن بها وسيلة للتعليم غير (الكتّاب) الذي يتم فيه حفظ القرآن الكريم والإلمام بمبادئ القراءة والكتابة والحساب, وصمم والده على أن يستكمل ابنه تعليمه بمدرسة القرية المجاورة, فكان يذهب إليها سيراً على القدمين. وعندما أتم مرحلة التعليم الإلزامي ذهب إلى المدرسة الابتدائية في بني سويف, وهناك شاهد لأول مرة في حياته السينما الصامتة, وراح يجمع إعلانات الدعاية عن الأفلام التي تحمل صور الممثلين والممثلات المرسومة يدوياً, حتى تكونت لديه مجموعة كبيرة منها كانت بمثابة معلمه الأول في الفن, إلى جانب كتب الدراسة الإنجليزية التي كانت تتضمن الصور الملونة للحيوانات والطيور والحشرات, فكان يسهر الليالي ليقلدها. وكان يوجد في الشارع الذي يقيم فيه نقاش يدهن الجدران ويرسم فوقها رسوماً ملونة, فذهب إليه طالباً أن يتتلمذ على يديه, فنصحه الرجل بالالتحاق بمدرسة الصنائع قسم الزخرفة, لكن والده رفض لأنه كان يحلم بأن يكون ابنه ضابط شرطة, ولكن إزاء تصميمه وعناده تركه أبوه يدخل مدرسة الصنائع, لكنه فوجئ بأنه قد تم إلحاقه بقسم الحدادة وليس بقسم الزخرفة كما كان يتمنى.. فترك المدرسة غير آسف والتحق بالمدرسة الثانوية حتى أتم الدراسة بها.

ثم انفجرت مشكلة أخرى بينه وبين والده, حيث كان حامد يريد أن يلتحق بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة, فيما يصر والده على إلحاقه بكلية البوليس وانتصرت إرادة الأب في النهاية وأذعن الابن, لولا أن تدخل القدر ورسب حامد في امتحان القبول بهذه الكلية, وهكذا دخل الفتى كلية الفنون الجميلة عام 1939, وتتلمذ على أيدي فنانين كبار مثل أحمد صبري ويوسف كامل وحسين بيكار.

وبعد تخرجه عام 1944 اشترك مع مجموعة من الفنانين الشبان في تأسيس (جماعة الفن الحديث) التي رفعت لواء الفن الثوري وقضايا التقدم الاجتماعي, وكان لها دور مهم في مسار حركة الفن الحديث في مصر بعد ذلك.

وعقب افتتاح كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1957 عين عويس أستاذا بها ثم رئيساً لقسم التصوير عام 1975 ثم عميداً للكلية عام 1977, ثم انتخب نقيباً للفنانين التشكيليين بفرع الإسكندرية عام 1982 حتى عام 1986.

 


 

عزالدين نجيب