الدلفينة الوفية

الدلفينة الوفية

التقى أعضاء فريق الكوكب الأخضر في مدينة نويبع الواقعة على شاطئ خليج العقبة المتفرع من الجزء الشمالي من البحر الأحمر ـ شرق سيناء. كان المنظر رائعا حيث الجبال حمراء ومياه البحر زرقاء فيروزية ورمال الشاطئ بيضاء بلون اللؤلؤ.

راحوا في استرخاء يستمتعون بنسيم البحر وأشعة الشمس الذهبية وأقبل كلب عجوز يتمشى ببطء على الشاطئ, ثم توقف قرب المياه وأخذ ينظر طويلا إلى أفق البحر.

طالت وقفة الكلب على الشاطئ حتى أقبلت سيدة عجوز ونادته قائلة بصوت حنون لكنه مرتفع: هيا... هذا يكفي.. لن يأتي اليوم.. سيأتي غدا.

ولم يتحرك الكلب إلا بعد أن كررت عليه النداء, لكن قبل أن تنصرف السيدة وبصحبتها الكلب رجاها خضور أن تتوقف, وسألها عن سر تحديق الكلب في أفق البحر.

قالت السيدة إن زوجها مخرج يعد فيلما عن قاع البحر الأحمر, وقد ذهب جنوبا إلى منطقة (راس محمد) مع فريق إعداد الفيلم على ظهر زورق كبير أقلع من النقطة نفسها التي يتوقف عندها الكلب, وهو ينظر إلى البحر منتظرا عودته.

قال خضير الصغير متحمسا: طبعا طبعا.. فالكلب هو أكثر الحيوانات وفاء للإنسان. عندئذ ابتسمت السيدة قائلة: ليس الكلب وحده بل معظم الحيوانات يمكن أن تكون صديقة وفية للإنسان إذا عاملها بود. وسأحكي لكم حكاية حدثت هنا في نويبع ونشرت تفاصيلها مجلة (الحياة البرية) الإنجليزية.

منذ سبع سنوات خرج الصياد (عبد الله مقيطن) بزورقه من نويبع إلى عرض البحر يلتمس الرزق, وقبل أن يلقي بشباكه لمح ظلا كبيرا يعوم تحت سطح الماء قرب الزورق, مد عبد الله يده ولمس هذا الشيء برفق, كانت دلفينة طمأنتها لمسة اليد الطيبة فأخرجت رأسها من الماء وزقزقت لعبد الله بصوت طفولي. ومنذ هذه اللحظة ظلت الدلفينة تصحب الصياد في جولاته داخل البحر وتلعب معه عندما يسبح قرب الشاطئ, وصارت مشاهد هذه الصداقة مما يحب رؤيته السائحون الذين يأتون إلى نويبع من كل أنحاء العالم.

تحير علماء البحار في تفسير سلوك هذه الدلفينة, لأن الدلافين من نوعها تعيش دائما في قطعان يتراوح عددها بين 3 و1000 من أفرادها, ورجحوا أنها ضلت طريقها وتاهت عن القطيع وظلت خائفة ومختفية تحت الماء, وعندما لمستها يد عبد الله أنست إليه وصادقته بديلا عن أهلها الذين فقدتهم.

كان هذا تفسيرا صحيحا لأن الدلفينة عندما وجدت قطيعها الذي مر من جديد قرب نويبع, أخرجت رأسها من الماء وظلت تزقزق بصوت مرتفع حتى سمعها الصياد ونزل إليها وسط الماء.

ودعته بلعب كثير وظلت تلوح له بذيلها وهي تمضي مع القطيع الكبير من أهلها حتى اختفت في أفق البحر. ولم تمر عدة أشهر حتى عادت الدلفينة إلى نويبع لزيارة عبد الله, وكان معها دلفين صغير هو ابنها لأنها تزوجت دلفينا من أهلها وصارت أما. سبح الصياد مع صديقته الدلفينة ولاعب ابنها الصغير كثيرا, ثم حانت لحظة الوداع فانصرفت الدلفينة مع ابنها وهما يلوحان بذيليهما لصديقهما الذي لم ينسياه أبدا, فكثيرا ما كانا يعودان لزيارته كلما مر قطيعهما قرب نويبع.

لم يصدق أعضاء فريق الكوكب الأخضر الحكاية حتى عادت إليهما السيدة في اليوم التالي ومعها صور منشورة لعبد الله الصياد وصديقته الدلفينة. تبادل اعضاء الفريق النظر إلى الصور باندهاش, ولم يكفوا بعد ذلك عن النظر إلى أفق البحر لعل الدلفينة الوفية تجيء ومعها ابنها الصغير.

 


 

محمد المخزنجي





الدلفينة تقفز لالتقاط حبارة يقدمها لها عبدالله عند الغداء





عبدالله يلعب مع صديقته الدلفينة بفرح