لويس كارول: مفتاح الألعاب الصعبة

لويس كارول: مفتاح الألعاب الصعبة

رسـوم: ممدوح طلعت

(يا إلهي, ما الحياة إلا أرض واسعة من الخيال.

خيال بلا حدود).

تلك كانت حياة (لويس كارول), إنه اسم مألوف, لكن ترى من يكون صاحب هذا الاسم, إنه الرجل الذي قام بتأليف أشهر قصص الأطفال في كل العصور, قصة (أليس في بلاد العجائب)

إنه حالة إنسانية غريبة!

أسرع إلى أمه وهو في السادسة من العمر, وقال: أماه.... أنا أسمع أصواتاً قادمة من مسافات بعيدة, أنا أرى أشياء لا يراها أصدقائي الصغار.

حدث هذا في عام 1838, في قرية بريطانية صغيرة, كانت الأم قد لاحظت على ابنها الصغير تشارلز أنه يحكي قصصاً من مخيلته, دون أن يسمعها من أحد, واندهشت الأم, فهذا طفل غريب, وبدلاً من أن تروي له الحكايات المدهشة. كان الصغير يروي قصصاً كثيرة عما يراه في مخيلته.

وعندما كان الطفل يجلس وحيداً تحت أشجار الغابات, تصوّرت الأم أنه يتخيل المزيد من القصص الجميلة المليئة بالخيال, وسألته عمّا لديه من قصص جديدة, لكنها فوجئت به يخبرها أنه ذهب إلى السوق واستطاع أن يحسب المبيعات التي قام بها الباعة خلال ساعتين من الزمن.

واندهشت الأم وقررت أن تذهب بابنها إلى الكنيسة, وقالت للكاهن:

- أخاف أن يكون الشيطان قد مسّ ابني.

لكن من حسن الحظ أن الكاهن كان من عشاق العلم فقال لها:

- اطمئني يا سيدتي ابنك صاحب خيال واسع, وسيكون له شأن عظيم.

وأصاب القلق الأم أكثر بعد أن عرفت حدود الموهبة الخارقة التي يتمتع بها الابن فهو قادر على أن يؤلف قصة مليئة بالخيال الجميل للأطفال, وفي نفس الوقت يمكنه أن يقوم بمئات العمليات الحسابية المعقدة, دون أن يمسك قلما أو ورقة.

اسمه الحقيقي (تشارلز دودجسون), وقدر له أن تنقسم حياته إلى قسمين غريبين, فقرر أن يكتب قصصاً للأطفال, وعندما ذاعت قصته (أليس في بلاد العجائب) كان اسمه المستعار على غلاف الكتاب, فقد اعتقد أن في داخله شخصيتين مختلفتين.

لكن الناس سرعان ما عرفوا أن لويس كارول هو أيضاً عالم الرياضيات الذي عرف بغزارة كتاباته في علوم الرياضيات, وكان الأمر مثيراً للحيرة: تُرى من يكون هذا الرجل?

قال ذات يوم لصديق عزيز لديه:

- أنا لست عالماً, ولست مؤلفاً... بل أنا شخص يتسلى, وكان هذا هو مفتاح السر في الإنتاج الضخم الذي كان يطلع على الناس به بين كل فترة قصيرة وأخرى, ويردد ضاحكا:

- نعم أنا أتسلى... أفكر في قصة للأطفال فاكتبها وأنا أتسلى, وأفكر في عملية رياضية سهلة, فأدوّنها...

وتأتي التساؤلات: ماذا? عملية رياضية سهلة... إنها عمليات بالغة التعقيد.كان ينشر هذه العمليات الرياضية المعقدة تحت اسم (ألعاب الكلمات) وقالت له أمه ذات يوم:

- عزيزي تشارلز... لن تنسى أبداً أنك كنت طفلاً, فعندما كبرت نظرت إلى الأمور الصعبة على أنها ألعاب.

ولم يكن الابن يفهم هذه العمليات على أنها ألعاب بسيطة مسلية, وأنه يكتبها إلى الناس كي تتسلى, لذا عكف على تأليف كتب من طراز: (كيف تتذكر المواعيد?).

واشترى الناس الكتب لكنهم لم يستطيعوا فهمها بالمرة, بينما أخذ العلماء يقرأون فيها باهتمام, واكتشفوا أنها نظريات علمية جديدة, وذات يوم دعاه مجلس العلماء في الأكاديمية, وسألوه:

- هل هذه أشياء سهلة بالنسبة لك?

ردد:

- إنها تسالي... أشياء من بنات أفكاري وخيالي.

وراحوا يجمعون مؤلفاته واكتشفوا شيئاً بالغ الغرابة, فهو يكتب قصصاً غاية في السهولة للأطفال, كما يكتب كتاباً صعباً للغاية عن عالم الهندسة المعروف (اقليدس) وقال بكل بساطة:

- صدقوني أنا أكتب الأشياء كلها بعقلية بسيطة.

وكان هذا وحده كفيلاً بأن ينطلق المستمعون في الضحك العميق, فلو أن ما يكتبه شيئا سهلا, فما هو الشيء المعقد?

وكانت الإجابة بالغة الحكمة فعلا:

- الناس تكره ما لا تفهمه, وإذا أحبّوا الأشياء الصعبة صار كل شيء في الإمكان.

وراح يكتب بهذه الروح إلى الناس, سواء كانوا أطفالاً يتلقفون رواياته السارة أم للكبار, وذات يوم اقترب منه رجل وفي صحبته ابنه الصغير, وقال له:

- يا سيد كارول. ابني يفهم قصصك بسهولة.. أما أنا فلا أفهم كتابك الأخير (مشاكل الوسادة). ولا أعرف لماذا اخترت له هذا العنوان الغريب رغم أنه في علوم الهندسة والجبر?

وعرف الأب أن الكاتب والعالم (ريتشارد) الذي يعرفه الناس باسم (لويس كارول). يؤلف هذا النوع من الكتب وهو جالس إلى وسادته, وأن التأليف بالنسبة له ليس سوى تسلية.

وانتشرت طريقة (لويس كارول) في عصره بأسرع ما يكون, على الآباء أن يتركوا أبناءهم مع روايات من تأليف الكاتب ذي الخيال الذي لا حدود له, وأن يتمددوا في الفراش يتسلون مع الكتب, وأن أسهل طريقة لطرد مشاكل الحياة اليومية هي أن يتسلوا مع المعضلات الرياضية التي كتبها العالم. وصار هناك شعار (التسلية للجميع).

لا... بل (العلم للجميع).

كان يؤمن بأن الخيال هو العلاج الوحيد للإنسان في كل حياته, ولم يحدد هذا الخيال للأطفال. بل فعل ذلك مع الكبار فقد آمن أن التفكير الرياضي يشغل الذهن بأشياء تسبب له السعادة.
وعندما رحل الرجل المتسع الخيال عن العالم عام 1898 كان قد ترك للمكتبة أكثر من ألف تسلية, أقصد كتاباً مفيداً, ومنها (الحكم في مباريات التنس) و (علم المنطق), العديد من كتب تدريس الحساب والهندسة, وغيرهما.

لذا فليس من الغريب أن تصبح هذه الكتب بمنزلة قدوة لواحد من كبار علوم الرياضة والفلسفة في القرن العشرين, وهو (برتراند راسل) وكذلك العالم (البرت اينشتاين) الذي اخترع أكبر المعادلات الرياضية في عصرنا.

 


 

محمود قاسم