مشروع جنة عـدن.. ثامن عجائب الدنيا

مشروع جنة عـدن.. ثامن عجائب الدنيا

ترجمة: أحمد خضر

للوهلة الأولى, قد يبدو مشروع (عدن) في بلدة كورنوول بإنجلترا مثل شيء هبط من الفضاء الخارجي. فهو يقع في حفرة هائلة عمقها 60 مترا داخلها عنقودان يتضمنان عدداً كبيراً من فقاعات ذات لون أزرق باهت, أما سطح هذه الفقاعات فهو مسدس الأضلاع.

وقد يبدو للمرء أن هذه الفقاعات الكبيرة ستنفتح وستخرج منها كائنات فضائية غريبة. لكن هذين العنقودين وفقاعاتهما ليسا من الفضاء الخارجي. إنهما ليسا سوى أكبر بيتين زجاجيين (صوبتين) في العالم, أطلق عليهما اسم حَيَّوِمين (Bioms) (الحيوم: نظام بيئي معين وما يضم من كائنات حية), وهما يضمان الآلاف من مختلف أنواع الأشجار, والشجيرات والأزهار من سائر أنحاء العالم.

إنه أنجح مواقع الجذب السياحي الجديد في إنجلترا, الذي يسميه معظم الناس (ثامن عجائب الدنيا). وكان مشروع عدن, الذي تكلف بناؤه 86 مليون جنيه إسترليني, قد افتتح رسميا في مارس 2001. وهو يجذب سياحاً أكثر حتى مما كان متوقعاً, بمن في ذلك الكثير من الأطفال مع عائلاتهم أو في رحلات جماعية تنظمها المدارس.

وإذا زرت مشروع عدن فمن المؤكد أنك ستتعلم أشياء كثيرة عن نباتات لم تعرفها من قبل. فهناك تروى حكايات النباتات بطرق متنوعة ويرتدي رواة حكايات النباتات أزياء مختلفة من سائر أنحاء العالم. وهناك أيضا نشاطات كثيرة للأطفال , وورشات عمل, ومسرح وموسيقى, ورقص وشعر. ويعمل فنانون من البالغين مع مشروع عدن, وبوسعك أن تشاهد نماذج عديدة نابضة بالألوان لإبداعاتهم الفنية بين النباتات.

ويقع مشروع عدن بالقرب من بلدة سانت أوستل, على بعد نحو 500 كيلومتر جنوب غربي العاصمة لندن. وحتى إذا لم تتمكن شخصياً من زيارة مشروع عدن, فإنه بوسعك الاشتراك في بعض نشاطاته (إذا كنت تعرف بعض الإنجليزية), عبر شبكة الإنترنت, من خلال زيارتك للموقع التعليمي لمشروع عدن على الشبكة. وهذا الموقع مخصص للأطفال بين سن الخامسة والرابعة عشر وعنوانه هو: www.learn.co.uk/edenproject

ويتضمن الموقع مسابقات وألعابا, ويسمح لك بالمشاركة في العديد من ورش العمل المخصصة للأطفال في مشروع عدن. وبوسعك على سبيل المثال الانضمام عبر شبكة الإنترنت إلى جولة في الغابات الاستوائية.

وهناك أيضا موقع رسمي لمشروع عدن على شبكة الإنترنت يتضمن الكثير من المعلومات حول المشروع ونباتاته وعنوانه: www.edenproject.com

والحيوم الأكبر هو الحيوم الاستوائي الرطيب. ويبلغ ارتفاعه 55 متراً, وهو ضخم جداً إلى حد يسمح بوضع برج لندن بأكمله داخله ـ وطوله 240 مترا وعرضه 110 أمتار. والحيوم الآخر هو حيوم المنطقة المعتدلة الدافئة.

والواقع أن بيئة العالم والحياة النباتية فيه تتعرضان لتهديد كبير ومتزايد, وتشير التقديرات إلى أن ربع الأنواع النباتية في العالم ستُفقد إلى الأبد خلال الأعوام العشرين القادمة.

ويتمثل أحد الأهداف الرئيسية لمشروع عدن في إظهار الأساليب العملية التي يمكننا من خلالها الاعتناء بالبيئة. وعلى سبيل المثال, وبدلاً من استخدام المواد الكيميائية المضرة لقتل الحشرات الضارة التي تأكل النباتات وتدمرها, تستخدم هنا أنواع من الطيور والسحالي وضفادع الأشجار لالتهام هذه الحشرات. وهي طريقة طبيعية لحماية النباتات من الحشرات الضارة.
ويضم الحيوم الاستوائي الرطيب فراشات استوائية جميلة, لكن لا يسمح هنا إلا بالذكور منها فقط. وهذا لضمان عدم وجود بيض يمكن أن يتحول إلى يرقات تأكل أوراق النباتات.

ويظهر مشروع عدن لنا الأوجه العديدة المختلفة التي تجعل النباتات حيوية بالنسبة للإنسان. بل إن بعض النباتات لعب دوراً مهما في التاريخ. ولنأخذ البهارات على سبيل المثال, ففي أيامنا هذه معظم البهارات رخيص الثمن, ونتناولها في طعامنا كل يوم تقريباً.

لكن البهارات في الماضي كانت تساوي وزنها ذهباً. حتى أن طرق تجارة البهارات والبحث عن مصادر جديدة لها صاغا شكل العالم.

ويضم حيوم المنطقة المعتدلة الدافئة ليس فقط نباتات البهارات المختلفة, ولكن أيضاً سفينة بهارات خشبية تروي حكايات مغامرات في أعالي البحار.

وتوجد نباتــات كثيرة مهمة بالنسبة لصحتنا فمثلا الثوم مفيد للقلب والنعناع يساعد على الهضم, كما تأتي أدوية عديدة من النباتات مثل الأسبرين الذي يأتي من لحاء شجرة الصفصاف.

ويعتقد العلماء أن العديد من أنواع النباتات في الغابات الاستوائية يحتوي على أدوية كثيرة مهمة مازال علينا أن نكتشفها. وكما يقول لنا مشروع عدن: فإن (أقل من خمسة في المائة من نباتات غابات منطقة الأمازون قد اختبرت فائدتها الطبية).

وكثيراً ما يطلق على شجر البامبو اسم (ذهب الشرق الأخضر). ويستخدم نصف سكان العالم البامبو, في منازلهم, وفي صناعة أثاثهم, وأدواتهم الموسيقية وأدويتهم, وصحفهم ومحافظهم, ودمى أطفالهم وأدواتهم. فقصبات البامبو المجوفة تعني أنه قوي وخفيف في نفس الوقت, لذا فقد استخدم لصناعة الجسور المعلقة والسقالات.

أما أشجار المطاط فقد كانت بالغة الأهمية بالنسبة للإنسان, خاصة فيما يتعلق بتوفير المطاط لصناعة إطارات السيارات. وقد أدى هذا إلى تطوير زراعة المطاط في آسيا في مساحات شاسعة. وظهر المطاط الصناعي لاحقاً, لكن بدأ الآن الاهتمام مجددا بالمطاط الطبيعي المستخرج من شجرة المطاط. ومن النباتات المهمة أيضاً نبات القنب, الذي استخدم في صناعة الحبال, والأقمشة, وأوراق النقد, والملابس الخشنة.

وإذا زرت مشروع عدن فمن المؤكد أنك ستقوم بشراء بعض الهدايا التذكارية من متجر المشروع. ويضم المتجر طائفة واسعة من المنتجات الصديقة للطبيعة من أنحاء مختلفة من العالم ـ فهناك القمصان والكنزات المصنوعة من القطن العضوي, والحقائب المصنوعة من القنب, وملصقات, وعلب أقلام رصاص مصنوعة من الإطارات المطاطية المعاد تصنيعها, وأقلام الحبر. وهناك أيضاً كتب وشرائط فيديو حول مشروع عدن, فضلا عن الحلوى اللذيذة المصنوعة من القشدة المتخثرة التي تشتهر بها بلدة كورنوول.

بعض النباتات التي نشربها أو نأكلها

الفلفل الحار:

يمكنك العثور على نبات الفلفل في مختلف الأشكال والأحجام والألوان. أما مذاقه الحار فيقاس بوحدة تسمى سكوفيل ويوجد في الفلفل المعتدل الحرارة 600 وحدة, لكن الفلفل الشديد الحرارة يمكن أن يصل إلى 350 ألف وحدة.. وهو حار, حار, حار.

الكاكاو والشوكولا:

نمت حبوب الكاكاو لأول مرة منذ آلاف السنين في منطقة الأمازون في أمريكا الجنوبية, عندما كان أبناء قبائل الآزتيك يخلطونها مع الفلفل الأحمر الحار ليصنعوا منها مشروباً. أما أول مصنع يعالج الكاكاو ويخلطه بالحليب والسكر من أجل صناعة الشوكولا فقد افتتح في إنجلترا في القرن الثامن عشر. وفي أيامنا هذه, يأتي معظم الكاكاو من مزارع صغيرة في غربي إفريقيا.

الشاي:

استخدم الصينيون الشاي كدواء لآلاف السنين قبل أن يصبح المشروب الأكثر شعبية في العالم أجمع. واليوم, أعاد العلماء اكتشاف خصائص الشاي المفيدة صحياً, سواء الأخضر أو الأسود, الذي يقينا من السرطان وأمراض القلب.

العلكة (اللبان):

تصنع العلكة الحقيقية من سائل حليبي مطاط. يستخرج من ساق شجرة استوائية. ويطلق على هذا السائل اسم شيكل chicle ـ ومن هنا جاء اسم احد اشهر أنواع العلكة في العالم وهو شيكلتس Chiclets.

الطماطم:

رغم أن الطماطم مكون رئيسي من مكونات الطعام في حوض البحر الأبيض المتوسط, فإنها جاءت أصلا من جبال الإنديز في أمريكا اللاتينية. وعندما جيء بالطماطم لأول مرة إلى أوربا على يد مسافرين في القرن السادس عشر ظن أناس كثيرون أنها نبات سام.

الكولا:

كيف جاءت مشروبات الكولا, مثل الكوكاكولا والبيبسي كولا, باسمها? جاءت بها من اسم شجرة كولا نيديتا Cola Nidita التي تنمو غربي إفريقيا, حيث تستخدم بذورها الغنية بالكافيين لتصنيع مشروبات الكولا.

القطن:

يصنع أكثر من نصف منسوجات العالم من القطن, وهو أكبر محصول غير غذائي في العالم. ويفضل الكثير من الناس ارتداء الملابس القطنية أو ينامون على ملاءات قطنية أكثر من تلك المنتجة من خامات اصطناعية مثل النايلون. فهم يجدون القطن منتجاً طبيعياً مريحاً يسمح لجلودهم بالتنفس. وقد يدهش الكثيرون إذا عرفوا أن زراعة القطن تضر بالبيئة. فكما ستكتشف من مشروع عدن, فإن ربع المبيدات المستخدمة في العالم ترش على القطن وحده. وينمو القطن في طائفة من بلدان الأقاليم المناخية المدارية وشبه المدارية والمعتدلة, ويهاجمه أكثر من 46 نوعاً مختلفاً من الآفات من 32 بلداً مختلفاً. واليوم يزداد الطلب على القطن العضوي, وهو نوع من القطن تتم زراعته من دون استخدام أي نوع من المبيدات والمواد الكيماوية الأخرى.

النيلة:

هل لديك ملابس جينز? إنها مصبوغة بالنيلة ـ وهي الصبغة الزرقاء الشهيرة التي كانت أشهر صبغة في العالم على مدى خمسة آلاف عام تقريبا. لكن النيلة التي صبغ بها الجينز الذي ترتديه مصدرها على الأرجح ليس النباتات, وإنما هي مادة مصنعة, بدأ إنتاجها منذ أواخر القرن التاسع عشر.

وقد استخدم المصريون القدماء النيلة في لفائف المومياءات المصنوعة من الكتان. كما استخدمت المنتجات المصبوغة بالنيلة في ثقافات مختلفة عبر التاريخ للاحتفال بالزواج والميلاد, أو إظهار الغنى أو في ألبسة الجنود.

وقد عثر على النيلة في ستة نباتات شديدة الاختلاف في أنحاء عديدة من العالم, واستخدمت ليس فقط كصبغة, وإنما أيضا كمضاد للعفونة وكطارد للحشرات. وخلال القرن الماضي, أدى تطوير النيلة الاصطناعية إلى اختفاء زراعة النباتات المنتجة للنيلة تقريباً. لكن صناعة النيلة الاصطناعية تخلف بعض المواد الكيميائية شديدة الإضرار بالبيئة, لذا, تبذل حاليا جهود لإحياء إنتاج النيلة الطبيعية.

وفي أوربا, ينتج مشروع (سبنديجو) فصائل جديدة من النباتات المنتجة للنيلة, ويطور تكنولوجيات جيدة لاستخلاص النيلة, وفي مشروع عدن, يعمل فنانان بارزان في مجالي النسيج والأزياء مع علماء مشروع (سبنديجو) من أجل ابتكار صرعات حديثة وفريدة باستخدام خامات تدخل النيلة في تصنيعها ـ بما في ذلك المنسوجات, والملابس, والمجوهرات, وأصباغ الشعر.

 

 


 

سوزانا طربوش