بيتنا الأرض

بيتنا الأرض

وباء تجارة الفراء

الحكاية حقيقية, حدثت منذ مائة سنة على سواحل كاليفورنيا في أمريكا, وابتدأت باكتشاف التجار الربح الكثير الذي يدرّه بيع فراء ثعالب البحر لتصنع منها المعاطف الأنيقة للسيدات الثريات.

كثر اصطياد ثعالب البحر, وقتلها, وسلخ جلودها, حتى أن شواطئ كاليفورنيا باتت لا تطاق بسبب رائحة جثث الثعالب المسلوخة الملقاة على الرمال في كل مكان.

هجر المصطافون الشاطئ, وبدأ اليأس يجتاح الصيادين لأن شباكهم راحت تخرج من الماء خالية من الأسماك, ولم يكن هناك أحد يدري بما يدور تحت الماء.

إن الطعام المفضل لثعالب البحر هو قنافذ الماء, وقنافذ الماء طعامها المفضل هو الأعشاب البحرية. وعندما قلّت أعداد ثعالب البحر, زادت أعداد قنافذ الماء, وزاد استهلاكها للأعشاب البحرية حتى أوشكت غابات هذه الأعشاب على الاختفاء.

مع اختفاء غابات الأعشاب البحرية جاءت الأسماك التي تتغذى على العشب, ولم تعد تجد مكاناً آمنا لتضع بيضها فيه, وراحت تيارات الماء تجرف البيض وتدمّره.

أخذت الأسماك الكبيرة تنقرض, ولم يعد هناك بيض يفقس ويعطي أسماكاً جديدة, وصارت شباك الصيادين تخرج من الماء خالية من الأسماك.

اكتأبت نفوس الصيادين, وأغلقت مطاعم الأسماك أبوابها, وتوقف العمل بمصانع تعليب الأسماك التي يعمل بها عشرات الآلاف من البشر.

انتشرت البطالة على شواطئ كاليفورنيا, وعمّ الحزن كل الناس, وتصـــوّر تجـــّار الفـراء أنهم وحدهم الرابحون والناجون من الكارثة.

لكن هيهات...فشواطئ كاليفورنيا كلها عمّها بؤس البطالة, وأفلست المصانع, ولم يعد في المتاجر بيع ولا شراء.

تكدّست قطع الفراء المسلوخة عن أجساد ثعالب البحر, فلم يعد هناك من يشتريها, إما بسبب الفقر الذي انتشر كالوباء في كاليفورنيا, أو بسبب نفور الناس من شراء بضاعة هذه التجارة المجرمة.

ووصل الفقر والبؤس إلى تجار الفراء أنفسهم!

 


 

محمد المخزنجي