بيتنا الأرض

بيتنا الأرض

الخروج من حصار القرود

كانت السيارة الحمراء تقل أربعة من أعضاء فريق الكوكب الأخضر - بسام وفرح وحمودة وعلي - في رحلة بمدينة الكاب بجنوب إفريقيا. وعلى الطريق المحاذي لمياه المحيط الأطلسي في سفح هضبة (رأس الرجاء الصالح) اضطرت السيارة المسرعة للتوقف فجأة. كان هناك قرد صغير من قرود (البابون) يعبر الطريق وأفزعه صوت مكابح السيارة واحتكاك عجلاتها بالأرض فقفز مسرعاً إلى جانب الطريق الآمن في ظلال الهضبة وارتمى مرعوباً في حضن أمه.

أخذت القردة الأم ابنها في حضنها وكان القرد الأب إلى جوارهما يتلفت مراقباً الموقف بغضب وتقدمت مجموعة كبيرة من القرود تطل على المشهد من أعلى صخور الهضبة.

تمهّل السائق المرشد ولم ينطلق على الفور في الطريق الخالي لأنه أراد أن يرى الأولاد قرود (البابون) جيداً وأخذ يشرح لهم كيف أن هذه القردة ذات الأبواز الطويلة التي تشبه أبواز الكلاب تعيش في قطعان ويقودها أكبر الذكور وأقواهم ويتراوح عدد قطعانها بين ثلاثة وأكثر من مائة وخمسين و... توقف السائق المرشد فجأة عن الكلام وبدا غاضباً جداً لأن أحد الأولاد ألقى بلفافة طعام إلى أسرة القرد الصغير وحاول السائق أن ينطلق مسرعاً بالسيارة, لكنه توقف يائساً إذ كانت عشرات القرود أسرع منه في الهبوط إلى الأرض والإحاطة بالسيارة وقطع الطريق أمامها.

أخذ السائق المشرف يصيح غاضباً وطلب من الأولاد أن يخرجوا تذاكر الدخول إلى منطقة رأس الرجاء الصالح ويعيدوا قراءة التعليمات التي على ظهرها والتي طلب منهم منذ البداية أن يقرأوها جيداً وينفذوا ما بها من تعليمات.

كانت التعليمات تشدّد على أن منطقة رأس الرجاء الصالح محمية طبيعية يُعاقب بالحبس والغرامة كل من يعتدي على نباتاتها أو حيواناتها أو يُلقي بأي شيء فيها خاصة الأطعمة التي تحذر التعليمات من تقديمها لقرود البابون الكثيرة في المحمية.

قال السائق المرشد إن السيارة محاصرة بالقرود التي تريد طعاماً كالذي ألقي لأسرة القرد الصغير ومهما قُدّم لها من طعام ستظل تحاصر السيارة طلباً للمزيد وهو لا يستطيع أن يتحرّك لأنه لو دهس قرداً سيقبض عليه ويوضع في السجن لعدة سنوات بحكم قانون الحفاظ على البيئة الطبيعية في بلاده.

ارتعب الأولاد لكن السائق المرشد لم يكترث برعبهم وقال لهم إنه سيتركهم يتلقون هذا العقاب الجماعي لأن أحدهم أخطأ ولم يحترم قانون المحمية ثم استرخى في مكانه وأمال رأسه على مسند مقعده وأغمض عينيه و.... نام.

لماذا نام السائق المرشد وترك الأولاد يتعذّبون وهم يشاهدون القرود تحاصر السيارة? وكيف انتهى هذا الحصار?...
اقرأ نهاية الحكاية في الإطار المقلوب..

نام السائق المرشد لأنه كان يعرف أنه لا يوجد حل للمأزق إلا في الليل. فقرود البابون تسعى على الأرض وفوق الصخور في النهار, لكنها لا تنام ليلاً إلا فوق أغصان الأشجار العالية حتى لا تفترسها السباع.

أقبل الليل ورمى على الدنيا عباءته السوداء المرصعة بالنجوم وعلا هدير موج المحيط فأخذت القرود تنسحب تباعاً وتتسلق الهضبة متجهة إلى الأشجار العالية لتتسلقها وتنام.

أضاءت السيارة أنوارها وانطلقت على الطريق الخالي وكان الأولاد يتهللون فرحاً بالنجاة لكنهم سرعان ما ناموا في أماكنهم مُتعبين من الرعب والجوع طوال نهار كامل قضوه في الحصار.

 


 

محمد المخزنجي