سيوة واحة الجمال والأسرار
سيوة واحة الجمال والأسرار
واحة سيوة, إحدى الواحات الخمس للصحراء الغربية المصرية. الواحات الأربع الأخرى هي: الداخلة, الخارجة, البحرية, الفرافرة. لكن واحة سيوة الأكثر بعداً عن وادي النيل تظل الواحة الأشهر عبر أرجاء مصر ببلحها وزيتونها وبجمالها الأخاذ وأسرارها العديدة. الطريق إلى سيوة تقع واحة سيوة على بعد 305 كيلومترات جنوب غرب مدينة مرسى مطروح الساحلية وعلى بعد 550 كيلومترا غرب القاهرة. وحينما قررنا الذهاب إلى سيوة كان علينا أن نختار بين طريقين: الطريق الأول هو السفر إلى مرسى مطروح ومنها إلى سيوة, أما الطريق الآخر فهو الطريق الذي يبدو أقصر جُغرافياً والذي يتمثل في عبور الصحراء من القاهرة وصولاً إلى سيوة مروراً بمنخفض القطارة. ونظراً لأن الطريق الثاني غير آمن لكونه غير معبد, فقد اخترنا الطريق الأول. كان بامكاننا أن نركب الطائرة إلى مرسى مطروح ومنها إلى سيوة, ولكننا فضلنا أن نشم هواء الإسكندرية, فأخذنا القطار إلى الإسكندرية ومنها أقلنا الباص إلى مرسى مطروح ومن مرسى مطروح أقلنا باص آخر إلى سيوة, واستغرقت الرحلة 11 ساعة تقريباً. الوصول إلى سيوة أول ما يُبهر من يصل إلى الواحة قادما من المدن تلك الرائحة المختلفة, والهواء النقي, والجو الحار والجاف. كنا في الشتاء, وكان ذلك رائعا لأننا كنا قد غادرنا مدنا باردة. بمجرد وصولنا رأينا أناسا بسطاء جدا, وكذلك الفندق الذي نزلنا به كان بسيطاً. في الأيام الأولى, حيث كنا نتجول بحرية استكشافا للمكان, أعجبتنا كثرة المساجد, وهو ما أعطانا إحساساً بأن أهل سيوة طيبون, نقيون, وحريصون على الدين. للتنقل داخل واحة سيوة يتطلب الامر الاعتماد على وسيلة مواصلات من بين وسيلتين متوافرتين بالواحة: الوسيلة الأولى هي (الكاريتة) ذات العجلتين والحمار الواحد, وهي وسيلة التنقل الأساسية لأهالي سيوة حيث تمتلك كل عائلة (الكاريتة) الخاصة بها. وسيلة المواصلات الثانية هي الدراجات ويستخدمها الموظفون العاملون في الواحة وقليل من الأهالي. وبالتنقل داخل واحة سيوة, فإن الواحة تعرض للزائر من أمثالنا أكثر مما يتخيل من مواطن جمال خلابة: بساتين النخيل وافرة العدد والمتجمعة حول ينابيع المياه العذبة والبحيرات المالحة, الممرات الجبلية الوعرة والتلال الرملية المهولة. بالدرجة نفسها من الجاذبية آثار موقعي مدينتي أغورمي وشالي المدمرتين واللتين تمثلان نموذجاً خلاباً لمدن صحراوية مبنية على شكل متاهات من الطين. بالإضافة إلى ذلك تعد الثقافة السيوية محط دهشة وإبهار للزائر, وذلك من خلال الأزياء التقليدية البدوية والحلي الفضية رائعة التصميم وأيضاً اللهجة السيوية والتي هي إحدى اللهجات البدوية المميزة. وفوق كل هذا بكل تأكيد الأسرار الخفية الكثيرة لسيوة التي لا تكشف عن نفسها بسهولة. حكاية مدينة (شالي) أول المواقع التي تجذب زائر سيوة إليها والتعرف على حكايتها هي مدينة (شالي). ويعود تاريخ إنشاء شالي إلى سنة 1203م على يد سبع عائلات أغورمية - نسبة إلى مدينة (أغورمي) - وتعني كلمة (شالي) في اللغة السيوية (المدينة). أعضاء العائلات الأغورمية السبعة المؤسسون لـ (شالي) يعرفون باسم (الأسلاف الأربعون) أو (الأجواد) ويحكى أنهم كانوا الأقوى بين جميع السيويين. مدينة (شالي) مبنية من (الخرسيف) وهو نوع من الطين المالح الذي يتحول إلى اسمنت صلب بعد ان يجف. وبعد (الخرسيف) عرفت سيوة نوعاً آخر من الطين يستخدم في البناء هو (السجداف) الذي يُعشق بحجر جيري أبيض ويساعد على ترطيب وتلطيف الجو داخل البيوت السيوية. بعد بناء شالي حرم الأجواد أو كبار الأغورميين على عائلات (شالي) العيش خارج أسوارها. وكلما تزايد عدد السكان أضاف أصحاب البيوت أدواراً إضافية إلى بيوتهم, بينما حدد الأجواد المسافة الواجب وجودها بين كل بيت والآخر بما يكفي لعبور (كاريتة) وهو ما نتج عنه متاهة من البيوت والحواري الضيقة. من الأشياء المشهورة أيضاً عن شالي حكايات العنف المتبادل بين العشائر في غرب شالي والعشائر شرقها وذلك بعد نمو المدينة, وتطورت المعارك بين العشائر عبر القرون المتعاقبة من استخدام الطوب والعصي إلى استخدام البنادق, وذلك حتى تم إنشاء مجلس لعموم المدينة يقع في المنتصف بين العشائر الغربية والعشائر الشرقية, ودور هذا المجلس يتمثل في حل الخلافات والنزاعات بين العشائر, هذا بينما ظلت شالي لوقت طويل مدينة مغلقة في وجه البدو العابرين وجباة الخديوي والمكتشفين. سيوة تحت الحكم المصري سنة 1820 أرسل الوالي محمد علي جيشاً مؤلفاً من 600 جندي ليتم إعلان واحة سيوة تابعة لمصر الحديثة.وفي سنة 1917 وأثناء الانتداب الإنجليزي على مصر أرسلت قوات إنجليزية ليعلن أهالي سيوة قبولهم بالحكم المصري تحت الانتداب الإنجليزي. وتحت الحكم المصري في ظل الانتداب الانجليزي كانت هناك سيطرة تامة على سيوة بقوات خيالة حرس الحدود ودوريات السيارات الإنجليزية. وبعد زيارة الملك فؤاد لواحة سيوة سنة 1928 تم إرسال خبراء الزراعة إلى الواحة وإنشاء أول مدرسة بها وكذلك إمداد مساجد الواحة بأئمة من الدارسين في الأزهر الشريف. لاحقاً, وفي ظل الحكم الجمهوري, وتحديداً منذ سنوات الثمانينيات أجري العديد من التحديثات في واحة سيوة وذلك في مجالات الصحة والتعليم والطرق, حيث تم إنشاء مستشفى عام بعد أن كان يتطلب علاج أي فرد من أهالي سيوة السفر خصيصاً إلى مرسى مطروح, وحصل عدد لا بأس به من أبناء سيوة على فرص التعليم الجامعي, كما تم اكتمال وصل سيوة بمطروح عبر طريق ممهد سنة 1984, وهو ما وسع مجال السياحة إلى سيوة وشجع على تصدير البلح والزيتون من الواحة. وفي سنوات التسعينيات من القرن العشرين تم افتتاح مصانع للمياه المعدنية, بالإضافة إلى إقامة عدة مشاريع لاستصلاح الأراضي, كما توجد الآن بسيوة الفنادق المجهزة التي تؤوي الزائرين. أغورمي وجبل الدكرور بواسطة (الكاريتة) أو السير لأقل من نصف ساعة على الأقدام من مدينة سيوة وذلك عبر حقول النخيل, نصل إلى (أغورمي) والتي تقع بالقرب من التل حيث بنى السيويون الأوائل موطنهم الأول. المعلم الرئيسي بين بقايا أغورمي القديمة هو (معبد تتويج الإسكندر). حائط منقوش وملون وكتل هائلة من الحجارة الدبش هو كل ما تبقى من المعبد. والمنظر الطبيعي الذي شاهدناه من أغورمي يستحق بالتأكيد الذهاب إلى هناك لمشاهدته, وهذا المنظر يتكون من بحيرتين مالحتين, وجبل الدكرور, ومدينة سيوة على مبعدة, وعدد لا يحصى من أشجار النخيل. على مسافة عشر دقائق سيراً على الأقدام في حقول البرسيم وأدغال النخيل - وذلك من أغورمي - نخرج في الصحراء بالقرب من جبل الدكرور. من فوق جبل الدكرور يمكن للزائر أن يرى مناظر طبيعية خلابة. ففي تضاد مع خضرة الواحة وفضية البحيرة المالحة, يتيح الجبل رؤية مناظر جمالية جديدة تتعلق بالكثبان الرملية والهضبات مستوية السطح منحدرة الجوانب التي تخص بحر الرمال الأعظم. احتفالات سيوة الاحتفالات السيوية هي الجزء الأكثر ظهوراً للزائر الغريب من ثقافة سيوة شديدة الخصوصية, وتشهد فترات الاحتفالات في سيوة إقبالا شديداً من الزوار المقبلين للاطلاع على ثقافة الواحة. يولي أهالي سيوة الاحتفالات الدينية أهمية كبيرة, فإلى جوار الاحتفال بعيدي الفطر والأضحى, يظل يوم (عاشوراء) - العاشر من محرم - يوم احتفال خاص للسيويين يقومون فيه بإشعال أغصان النخيل المغطسة سلفاً في زيت الزيتون تيمناً بما لدى الواحة من خيرات. احتفال آخر يبدأ كل عام مع اكتمال القمر في شهر أكتوبر, بالقرب من جبل الدكرور, حيث يمارس أكثر من 9000 سيوي الاحتفال بالرقص والغناء لمدة ثلاثة أيام, ويطلق على هذا الاحتفال اسم (مهرجان السياحة). الثروات الطبيعية لسيوة تقوم الحياة في سيوة على زراعتين مهمتين هما زراعة النخيل وزراعة الزيتون. فتوجد في سيوة حوالي 300000 نخلة و70000 شجرة زيتون. المياه المعدنية تعد أيضاً من الثروات الطبيعية المهمة في سيوة, وذلك نظراً لعذوبة مياه سيوة الشديدة, وتقوم على هذه المياه الآن عدة مصانع للمياه المعدنية. الملاحات كذلك من الثروات الطبيعية في سيوة, نظراً لوجول مياه مالحة كثيرة جافة, وأكبر البحيرات المالحة في سيوة بحيرة (بركة زيتون). أسرار الواحة المُلغزة إلى جانب أسرار الحياة اليومية التي لا يسهل على الغريب أن يطلع على تفاصيلها الدقيقة, فإن للواحة أسرارا أخرى تحاط عادة بوهج يحولها إلى أساطير. ولعل أشهر الأساطير هي عن الواحات التي كانت موجودة ذات يوم قبل أن يبتلعها بحر الرمال الأعظم, وفي سيوة يُزعَم وجود مخطوط نادر يسمى بـ (مخطوط سيوة) مدون فيه كل أسرار الواحة عبر الحقب المختلفة. وسواء كانت هذه الأسرار مزاعم أو حقائق, فإن هذا التلغيز الذي يقترن بالواحة الخلابة يجعل لكل منظر يراه الزائر جمالاً خالصاً ونادراً. نظرة تاريخية وسيوة مثل أرض مصر كلها, مرّعليها الكثير من الغزاة والفاتحين, وتزخر أرضها بآثارهم, وتلك المعالم الدالة عليهم. فلقد زارها الفاتح المقدوني الإسكندر الأكبر في عام 331ق.م وتوج في أحد معابدها ابنا للإله آمون. كما كانت مزرعة القمح الرومانية, ومخازن المحاصيل لروما, وتوجد بها الكثير من الآثار والآبار, والمعابد الرومانية قائمة حتى الآن. وجاء منها الغزو النازي عبر إيطاليا بقيادة القائد الألماني الشهير رومل, ودارت على أرضها الكثير من معارك الحرب العالمية الثانية. - مدينة شالي. - منظر عام لمدينة أغورمي. - أرض مُستصلحة للزراعة في واحة سيوة.
|
|