مشاهير كتبوا للأطفال

مشاهير كتبوا للأطفال

مشاهير كتبوا للأطفال

تشارلز دكنز وقصة الأمير العاشق

ولد الكاتب تشارلز دكنز في 7 فبراير 1812 في مدينة بورتموث البريطانية, لكنه قضى طفولته وحياته ما بين لندن وكنت. دخل المدرسة وهو في التاسعة من عمره, لكنه اضطر للانقطاع عنها بعد حبس والده لعدم تسديد ديونه, مما دفع تشارلز للعمل في مصنع لأصباغ الأحذية, انعكست آثار هذه التجربة على حياته وأعماله مخلفة لديه الشعور بالوحدة والانطواء وهما ما يظهران في عمله الأدبي (ديفيد كوبرفيلد).

لكن دكنز الذي ثقف نفسه ذاتيا استطاع أن يحظى بعمل ككاتب بسيط في الدوائر الحكومية, مكنه من الانتقال لاحقاً للعمل في المحاكم القضائية ومجلس النواب البريطاني كاتبا للتقارير عما يحصل من أحداث ومداولات, ما خلق لديه القدرة الكبيرة على امتلاك ناصية اللغة وعرض المشكلة والتعرف على نفسيات البشر.

دفعه كل هذا إلى طريق لا مفر منه, وهو طريق الأدب والفن الروائي, وقد سيطرت إمكانية السرد والهيمنة على أدواته في الإبداع وقدرته أيضاً على أدب الطرافة والتفكه.

كتب تشارلز دكنز العديد من الكتب منها: (أوراق بيكويك) و(نيكولاس نيكلبي) و(توقعات عظيمة) لكن اهمها رواية: (قصة مدينتين) حيث يصور العلاقة التاريخية بين لندن وباريس ويستعرض من خلالها قصة الثورة الفرنسية بدقة وإبداع إنساني.
لم ينس دكنز الأطفال فقد ألف لهم الكثير من (الأناشيد) والقصص القصيرة ورواية (أوليفر تويست) الشهيرة.

لكــن هــذه القصـة القصيرة التي نقدمها لكم, والتي لها طابع الأسطورة, كتبها دكنز للاطفال من وحي حمامات بلدة (باث) Bath البريطانية التاريخية.. الذي نرجو أن تستمتعوا بمطالعتها.

الأمير العاشق

كان يا ما كان, يوجد ملك عظيم يحكم أراضي كبيرة وشاسعة من الجزيرة البريطانية, وكان له ابن وحيد.

كانت للملك هيبة كبيرة وطموحات أكبر وحب للمعرفة والرقي.. ما دفعه لإرسال ابنه وهو في العاشرة من عمره إلى أثينا لتعلم الفكر والفلسفة والاطلاع على الثقافات, مسبغا عليه رعاية من قبل معلمين أجلاء, حيث قضى الابن مدة ثماني سنوات متواصلة نهل خلالها العلم والمعرفة والجمال من الأراضي الهلينية من مدينة سقراط وأفلاطون.

كانت فرحة الملك عارمة واعتداده لا حدود له لرؤية ابنه حين عاد بطلته الشابة وحكمته وثقافته العالية, مما دفعه إلى أن يطلب منه الزواج المبكر لينعم برؤية أحفاده. مقترحاً عليه أميرة ذات حسن لمّاح ابنة ملك يحكم قطاعاً آخر في الجانب الآخر للجزيرة البريطانية.

لم يضيع الملك وقته, إذ أرسل فوراً وفداً كبيراً محملاً بالهدايا والنفائس لجاره الملك الآخر طالباً يد ابنته الأميرة لابنه الأمير. واعداً بالتعاون الكبير بين المملكتين وبين العائلتين اللتين ستهيمنان على ثلاثة أرباع البلاد, ملمحا له بالأسلوب الذكي بأنه في حال الرفض سيضطر لغزو مملكته وتنفيذ الزواج ولو بالقوة, مما جعل الملك الآخر يفكر ملياً ويدرس بحذر موازين القوى, التي جعلته في النهاية يميل للقبول والموافقة.

في أثناء كل هذه المساعي والعروض والتلويح باستعمال القوة والموافقة التي حصلت بسرعة بين المملكتين كان الأمير الشاب يعيش ظروفا قاسية وحزنا لا يطاق, لأنه كان يعيش قصة حب أخرى مع فتاة قابلها أثناء دراسته في أثينا, فتاة ريانة فائقة الجمال والثقافة. أسرّ لأبيه بأنه لا يريد زواج الأميرة, وأنه يفضل الاقتران بابنة أثينا. لكن الملك استشاط غضباً وأثيرت حفيظته ورفض رغبات ابنه وهدده بأوخم العواقب, التي منها حبسه في برج ناءٍ حتى يعود إليه الرشد وينصاع لنصيحة أبيه الذي يود لعروق الملكية ودم السلطنة أن يتواصلا لأحفاده من خلال التصاهر مع عائلة ذات أرومة وفخامة.

عند إصرار الأمير الشاب على موقفه لم يجد الملك حيلة إلا أن يرمي بابنه في ذلك البرج البعيد وسط الوحشة كسجين يستأهل التأديب, علّ التفكر والحكمة تثنيانه عن عناده. محيطا إياه بحراسة مشددة.

مرت أيام وشهور والأمير الشاب في حبسه على عناده وتصلبه, لكنه استطاع كسب ميل حرّاسه وصداقتهم لدرجة أن أحدهم سهّل له الفرار والانطلاق.

لكن هذا الحارس لقي عقابه القاتل فيما بعد حين عرف الملك كل قصة الهروب.

تنكّر الابن وتخلى عن كل مظاهر اللياقة والأناقة وتوارى بين العامة والفلاحين ساعياً للانطلاق مجددا نحو أثينا ممنيا النفس بركوب البحر.

مرّت أيام طويلة وصعبة وحلمه لا يتحقق إلى أن حطّ به الزمان في إحدى القرى النائية ليجد الناس فرحة سعيدة تحتفل بهرج ومرج كبيرين فاختلط بهم سائلاً عن السبب وراء كل هذا الابتهاج, إلى أن أخبره أحد الفلاحين أن الملك (الذي هو والده) أعلن أن فتاة أثينا التي يحبها ابنه قد تزوجت من نبيل في بلادها, وأن ابنه الأمير لا بد عائد إليه ليزوجه الأميرة التي اختارها له.. ونحن بالحقيقة فرحون لأن الأمير أخيراً سيتزوج أميرة جميلة تناسب مقامه وعائلته وهي مازالت تنتظره حتى الآن.

دبّ الحزن الشديد في أعماق الأمير الشاب وشعر بغصة عميقة تقطع نياط قلبه فغادر المكان مطأطئ الرأس خائبا يمشي الهوينا, إلى أن قعد على صخرة ملساء في مرج شاسع الخضرة, يبكي حبه العاثر بحرقة ولهفة ودموع ساخنة.

ظلت الدموع تنهمر من عينيه لتتدحرج على خديه, ثم تسقط على أرض هذا المرج لتنغرس في طيات تربته لردح طويل من الزمن.

حين تهالك هذا الأمير من الأسى والبؤس عاد إلى أبيه الملك, فاحتضنه بكل اللهفة والشوق الذي يكنّه الأب لابنه, وأسبغ عليه كل النعم ومظاهر الأبهة ليزوجه الأميرة التي كانت على عهدها تنتظره. ليخلّفا أحفاداً من الأمراء والأميرات.

بعد أجيال طويلة, وفي غفلة مفاجئة تفجّرت تحت تلك الصخرة الملساء التي كان يبكي فوقها الأمير المفجوع بحبه, تفجرت ينابيع حلوة وعذبة حوّلت المكان إلى مقصد تتهافت عليه البشر من كل أصقاع الجزيرة للشرب والاستحمام والاستمتاع بأجواء الطبيعة الخيرة, مما أسس لقيام مدينة تاريخية اسمها (باث) أي مدينة الحمامات, ومازالت حتى اليوم... تذكّر وافديها بقصة الأمير العاشق.

 


 

نبيل أبو حمد