بيتنا الأرض

بيتنا الأرض

قذيفة بحرية.. لها قدرة
تدميرية وليست حربية

انتشر الفزع في خليج (لامبرت) على الساحل الغربي لمدينة الكاب. ولم يعد الصيادون يخرجون بزوارقهم إلى مياه المحيط الأطلسي وراء بوغاز الخليج الصغير. فأكثر من قارب جرى تحطيمه وإغراقه وهو يعبر البوغاز. فجأة تنطلق من تحت الماء قذيفة ذات لون أبيض رمادي. تضرب الزورق العابر فينقلب أو يتحطم. وسرعان ما يختفي في الأعماق أحد الصيادين! أرسلت القوات البحرية سفينة حربية مجهزة بوسائل حديثة للكشف عن الغواصات والألغام البحرية, لكنها لم تعثر على شيء من ذلك, فمن يحل هذا اللغز؟

أنا أحل اللغز.

يصفني كثيرون بأنني قاتل غبي ومتعطش للدماء, لكن الذين يعرفونني جيداً من علماء البحار والغواصين الأبرياء يدركون عدم صحة هذه الاتهامات. فأنا مخلوق بحري عادي, أصيد لآكل وآكل لأواصل الحياة, وعندما أكون شبعان لا أؤذي أحداً, بل أسمح لهواة الغوص البريء بلمسي واللعب معي, لكن ما حدث لي غيّر طبيعتي وحوّلني إلى هذه القذيفة البحرية التي نشرت الرعب في خليج لامبرت. وتخيّلوا.. لقد قطعوا زعانفي ورموني في البحر بين الحياة والموت. فعلوا ذلك مع مئات قبلي وبعدي لكنني الوحيد الذي لم أمت, إنهم يفعلون ذلك من أجل المال الكثير, فهم يريدون زعانفنا لبيعها بأثمان عالية في تايوان وهونج كونج. هناك يصنعون منها عقاقير يزعمون أنها تمنح الناس حيوية ومرونة وقوة أجسام. قطعوا لأجل ذلك وبهدف الحصول على الثروة زعانف مئات منا ثم ألقوا بنا في الماء. نحن ليس لدينا أكياس هوائية تجعلنا نطفو مثل معظم الأسماك, لهذا لا نتوقف عن السباحة وإلاّ غصنا في الأعماق. عندما قطعوا زعانف المئات منّا وألقوها في البحر غاصت عاجزة ونزفت حتى الموت في قاع البحر وسط الظلام والبرودة والصمت. أمّا أنا فبعد أن قطعوا زعانفي رموني في المياه عند البوغاز فوقعت على صخرة مغمورة بالماء لكنها لا تبعد عن سطحه إلا بمسافة متر واحد. عضّني الجوع وكوتني جراح زعانفي المقطوعة, لكن بصري وحاسّة الشم القوية عندي جعلاني ألتقط ظلال زوارق الصيادين التي تمر فوقي وأشم رائحة مَن فيها. وجعلني الألم والجوع صياداً قاسياً للبشر. ما إن يمر فوقي زورق حتى أقلص جسدي وأنتفض بكل ما بقي عندي من قوة وأنطلق عالياً كقذيفة. أضرب بطن الزورق فيتحطم أو ينقلب وأفتح فمي الكبير وأقضم بصفوف أسناني العديدة من حمولة الزورق ما يسكت جوعي ويهوّن ألمي. لم يتوقف النزيف من جراح زعانفي المقطوعة, ولم تعد زوارق الصيادين تعبر البوغاز فوقي. تخور قواي وأدرك أن نهايتي قريبة, لهذا أعترف وأود أن أقول لكم شيئاً قبل أن أموت... إن زعانفي وزعانف غيري التي قطعوها لن تمنح أحداً أبداً تلك المرونة والقوة التي نتميز بها لأنها ليست وليدة غذاء أو دواء. مرونتنا وقوتنا سببها أن هياكلنا ليست من عظام صلبة بل من غضاريف قوية ومرنة نولد بها وتنمو مع الأيام. إنني أحد من أسماك القرش الأبيض قطعوا زعانفي وأتحايل على عجزي لأواصل آخر ما بقي لي من لحظات للحياة. فوداعا أيها الصغار وأرجو أن تكونوا أكثر رحمة وذكاء من الكبار الذين قطعوا زعانفي بحماقة وقسوة.

 


 

محمد المخزنجي





أسمح لهواة الغوص البرئ باللعب معي ولمسي





ما أنا إلا كائن بحري مسالم .. ولا آكل إلا لأعيش