الفراشة والكتاب

الفراشة والكتاب

ماذا أرى! إنه حتما قد ضل طريقه, ولكن كيف؟

تساءلت فراشة الربيع الصفراء, وقد أذهلتها رؤية الكتاب فوق سطح منخفض لمدخل أحد المباني في المدينة.... كان على شكل الخيمة, تعلو غلافه طبقة كثيفة من الغبار تكاد تخفي ملامحه تماماً.

اقتربت الفراشة الصفراء بمرح من الكتاب وحطت قربه.. بادرت بالسؤال:

- لماذا تقبع هنا؟ هل هربت من المكتبة؟

فأجاب الكتاب بنبرة حزينة:

- لا, لم أكن أصلا في المكتبة.

- أين كنت إذن؟

- إنه حادث مريع... يا له من ولد مشاغب!

- هل كنت في منزله؟

- إنني كتاب جغرافيا للمرحلة الابتدائية, وقد رماني الولد الذي يقطن في الطابق الرابع من الشرفة إلى هنا... فالامتحانات على الأبواب, وهو ولد كسول, وساذج أيضا! تخيلي, لقد اعتقد أنه بتخلصه مني سيتخلص من امتحان الجغرافيا.. وهكذا وصلت إلى هنا!

- يا للمسكين! ولماذا اختارك أنت بالذات? ألم يرم بأي من بقية الكتب؟

- لا أدري, كنت أتمنى أن يؤنسني زملائي, ولكن يبدو أن أهله قد اكتشفوا اختفائي فشددوا العقاب عليه!

- وهل مرّ عليك زمن طويل؟

- أسبوع ويومان, هذا الغبار مزعج, وأنا أتحمله يوما بعد يوم, فصل الربيع فصل غير مستقر, وعندما تهطل الأمطار سيبتل سطحي ويتحول الغبار إلى طين... كما ستغرق أوراقي بالمياه, هذا إن لم تتسبب الريح في ترنحي وسقوطي في بركة من الماء!

- أمر محزن... لو تخيل ذلك الولد ما تخشاه لما عاملك بهذه القسوة.

- هذا غير صحيح, كل الأولاد مثله مزعجون شرسون! لا أصدق أبدا أن هناك ولدا تسرّه رؤية الكتب المدرسية على مقربة منه.

- أنت تبالغ بالتأكيد... البارحة كنت أطير بين الأزهار في الحديقة العامة... كم كان منظر الأطفال رائعاً وهم يلهون بدراجاتهم ويلعبون بالكرة في المساحات المفتوحة تحت أشعة الشمس الدافئة... منتهى البراءة والجمال....

- لكنهم مشاكسون لا يطيعون آباءهم.

- بعض منهم, وليس الجميع!

- تدافعين عنهم وكأن أحدهم أسدى إليك معروفا!

- وأنت! لقد اتخذت من الإساءة إليك منفذا لتعميم أحكامك على الكل بلا استثناء, هذا ليس عدلا! انظر, هاهو تلميذ قادم يحمل حقيبته على ظهره...

- يبدو ذاهبا إلى المدرسة.

- حسنا! هيا بنا! وتأهبت الفراشة الصفراء للطيران!

- ماذا تفعلين؟ إلى أين؟

- سوف أنقذك... هذا الولد تبدو عليه أمارات الذكاء.

- عن أيّ ذكاء تتحدثين؟

- سوف أطير أمامه وألفت انتباهه إليك.. ربما يخلصك مما أنت فيه.

- إنك مغفلة, ستتعرضين للخطر.

قالت الفراشة وهي في طريقها مغادرة باتجاه التلميذ:

- أنت متشائم, وأنا أحاول, سيكون ذلك خيرا لك من حفلة ماطرة!

لم تبذل الفراشة الكثير من الجهد, فسرعان ما تنبّه إليها التلميذ:

- كم أهوى جمع الفراشات!

وصار يركض وراءها حتى تجاوزت سطح المدخل وتوارت عن الأنظار.

- أين ذهبت؟ تساءل التلميذ, لاحت الفراشة من جديد طائرة فوق السطح... رآها التلميذ فترك حقيبته عند الباب وتسلق سور الحديقة الملاصق لسطح المدخل إلى أن تمكن من ارتقائه والوصول إلى السطح.

- ياه... يبدو أن هذا الكتاب سبقني إلى هنا! ها ها...هل كان يطير بدفتيه مطاردا فراشة؟ لنر... ما محتواه؟ وفتح التلميذ الصفحة الأولى: الجغرافيا الطبيعية... كتاب مفيد, بما أنه مرمي هنا فلا أحد يريده, سآخذه معي... إنه يلزمني للسنة القادمة.

وأخرج من جيبه منديلا تعاقبت عليه الطيات حتى غدا شديد السماكة, فرده وأخذ يمسح الغبار عن الكتاب.

- غلافه جميل... أزرق داكن كسماء الشتاء البارد...

ورفع رأسه وقد تذكر السماء التي بدت فيها الغيوم منذ الصباح الباكر... فرأى الفراشة الصفراء... كانت تبتسم للكتاب سعيدة بينما التلميذ يرمقها قائلا في نفسه:

- لقد نجوت, لكنني ظفرت بما هو خير منك... سأصطادك في مرة لاحقة!

 


 

علياء الدايـة





الفراشة والكتاب





الفراشة والكتاب





الفراشة والكتاب