واحة الفن الجميل

واحة الفن الجميل

رسام سندباد

الفنان حسين بيكار أول من قدم لنا بريشته البديعة عشرات الكتب التي أسعدت الصغار والكبار وأيضا رسم بخطوطه الغناء شخصية سندباد, هذا الفتى العربي الذي يجوب البلاد بملابسه الفضفاضة ومنظاره الذي يضعه على إحدى عينيه.

في 2 يناير من عام 1913 ولد فناننا بيكار بحي الأنفوشي في قلب هذا الحي الشعبي البسيط بالإسكندرية والذي يعج بالسماكين والعمال والحرفيين وبسطاء الناس, ولحرص أسرته البسيطة على تعليمه التحق بالمدرسة الأولية.

في ذات يوم في طابور الصباح, فوجئ هو وزملاؤه بشيخ أسمر مربع الجسد وبصوت جميل فيه عذوبة وطرب بدأ يغني وهم يرددون وراءه في حماس نشيداً يقول:

بنو مصر مكانكم متهيا... فهيا مهّدوا للمجد هيا ولم يكن هذا الرجل سوى موسيقار الشعب سيد درويش الذي أرسى بداخله منذ ذلك الوقت حبه للموسيقى والغناء.

وفي كل ليلة كان بيكار يستمع من والدته إلى حكاية يحلق خلالها في عوالم لذيذة وفي منتصفها يستغرق في النوم الذي رشحه لرسم أحدث طبعة لكتابه الشهير (الأيام) الذي كانت تصدره دار المعارف, ومن وقتها توثقت صلته بصاحبها الشاب شفيق متري الذي عهد إليه بتصميم كتب الدار وصفحاتها الداخلية, كما توثقت أيضاً علاقته برائد كتاب الطفل كامل كيلاني ومعه قدم أول كتبه الملونة (علي بابا) و (أبوصير وأبوقير) كما رسم في العام نفسه (كتاب أرنبو) و(الكنز) في سلسلة روضة الطفل, وتوالت رسومه في عدة كتب مثل (فرفر والجرس) و(عيد ميلاد نملة) و(كتكت المدهش) و(البطة السوداء) و(آلة الزمن) في سلسلة أولادنا.

وفي سلسلة المكتبة الخضراء يرسم كتاب (الملك عادل) والذي يعد من أجمل الكتب في تلك السلسلة التي يعرفها أطفال الوطن العربي وتمثل أكبر الأرقام في التوزيع.

مجلة سندباد

ولدت مجلة سندباد عام 1952 وكانت أول مجلة جادة لإحياء التراث العربي لم تعتمد على الترجمة المباشرة من مجلات أجنبية كحال المجلات السابقة, كان الفضل في نجاحها يعود إلى الفنان بيكار والأديب محمد سعيد العريان وهي أول تجربة في مجال صحافة الطفل في الوطن العربي, وابتكر بيكار أغلب شخصياتها (سندباد, وصفوان, والعمة مشيرة, وتمر زاد, والكلب نمرود وأرنباد).

واشتهرت صورة سندباد بريشة بيكار التي جسّدت فيه ملامح طفل عربي مسكونة بالنبل والبراءة والذكاء.

واستمرت المجلة لعدة سنوات إلى أن توقفت رغم عظمتها الفكرية وأهميتها للطفل العربي بسبب خسارتها المادية.

كانت والدته في هذه الفترة دؤوبة على شغل الإبرة وعلى الرسم بالقلم الرصاص وردة أو فراشة, وعندما يراها تفعل ذلك يشعر بالدهشة, فقد كان يرى الوردة في الحديقة والفراشة واقفة على زهرة لكن المدهش أن كل هذه الأشياء تتحقق على مفرش التطريز بواسطة أصابع والدته.

وفي المدرسة يقع في غرام كتاب (المطالعة الرشيدة) المزين برسوم لأحد الرسامين الأجانب, فقد كان معجباً بالقصص الشائقة والرسومات البديعة العجيبة في تصويرها: الكلب يحمل عظمة بين فكيه وينظر في ضفة النهر فيرى خياله والقرد يمسك بالميزان ويزن قطعة الجبن للثعلب والقط.

رحلة مع الأولاد

وفي الفترة نفسها تعرف على مجلة الأولاد ( 1923-1931) وكانت مليئة بالحكايات المسلية وكلمات التعليق منظومة بالزجل, كانت شخصياتها اللطيفة تفتنه بجمالها الأخّاذ (صرفاتي المصوراتي) و(دان ودوره المشهورة).

ويلتحق بيكار بالمدرسة التحضيرية للفنون الجميلة ويتخرج فيها عام 1933 ليعمل مدرسا بربوع مصر متنقلاً من بحري إلى قبلي مروراَ بالقاهرة, وبعد ذلك يسافر إلى الغرب في أول بعثة مصرية للتعليم, ويعمل بتدريس مادتي الرسم والموسيقى بالمعهد الخليفي الوطني بتطوان, ويعود ليعين معيدا في كلية الفنون الجميلة ومساعدا لأستاذه أحمد صبري بقسم الدراسات الحرة, وبعد سنوات عدة يتقاعد أحمد صبري فيتولى بيكار رئاسة قسم التصوير حتى عام 1959 حين يستقيل ليتفرغ للعمل رساما بصحف ومجلات أخبار اليوم التي نشرت رسومه من بداية تأسيسها.

الكتاب العجيب

في بداية الستينيات يشرف بيكار على سلسلة (الكتاب العجيب) للأطفال وهي من إصدارات دار المعارف وبتشجيع منه دفع بتلاميذه من الفنانين لمجال التأليف للأطفال من خلال هذه السلسلة لإيمانه الشديد بأن الفنان من الممكن أن يقدم إضافة في أدب الأطفال, وفي الوقت نفسه يكون الأقدر على التعبير بالصورة من خلال إحساسه بما يكتب وفهمه ومعايشته لروح النص الذي يكتبه.

هذا هو بيكار الرائد الأول في فن كتاب الطفل, وقد أثرت ريشته في الجيل الذي جاء بعده وأيضاً الأجيال التالية حتى وصل فن كتاب الطفل العربي إلى العالمية, ونال جوائز عدة في المعارض الدولية.

 


 

صلاح بيصار